سلسلة الفوائد اليومية المنتقاة
انتقاها وألفها الشيخ
أحمد بن ثابت الوصابي

152- الأحاديث التي جمعت آدَابَ الْخَيْرِ أربعة
سلسة الفوائد اليومية:
152- الأحاديث التي جمعت آدَابَ الْخَيْرِ أربعة
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه: جامع العلوم والحكم (1/ 388) عند شرحه لحديث «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»:
** وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدَبِ،
** وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ إِمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّهُ قَالَ:
جِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ:
- قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»
- وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»
- وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ: «لَا تَغْضَبْ»
- وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 25 / 4 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
151- أربعة أمور تعصم العبد من الشيطان وتحرم جسده على النيران
سلسة الفوائد اليومية:
151- أربعة أمور تعصم العبد من الشيطان وتحرم جسده على النيران
151- أربعة أمور تعصم العبد من الشيطان وتحرم جسده على النيران
** قال الحافظ ابن رجب في كتابه: جامع العلوم والحكم (1/ 368):
** وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَحَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ:
** مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ.
** وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَسَنُ هِيَ مَبْدَأُ الشَّرِّ كُلِّهِ،
** فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِي الشَّيْءِ هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَيْهِ لِاعْتِقَادِ نَفْعِهِ،
** فَمَنْ حَصَلَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي شَيْءٍ، حَمَلَتْهُ تِلْكَ الرَّغْبَةُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَظُنُّهُ مُوَصِّلًا إِلَيْهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا؛ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ مُحَرَّمًا.
** وَالرَّهْبَةُ: هِيَ الْخَوْفُ مِنَ الشَّيْءِ، وَإِذَا خَافَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ تَسَبَّبَ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ يَظُنُّهُ دَافِعًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا.
** وَالشَّهْوَةُ: هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا يُلَائِمُهَا، وَتَلْتَذُّ بِهِ، وَقَدْ تَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِلَى الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ.
** وَالْغَضَبُ: هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِدَفْعِ الْمُؤْذِي عِنْدَ خَشْيَةِ وُقُوعِهِ، أَوْ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ مِمَّنْ حَصَلَ لَهُ مِنْهُ الْأَذَى بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَأَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْفُحْشِ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةِ الْكُفْرِ، كَمَا جَرَى لِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَكَالْأَيْمَانِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْتِزَامُهَا شَرْعًا، وَكَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ الَّذِي يُعْقِبُ النَّدَمَ.
** وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ شَهْوَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى طَلَبِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، وَرُبَّمَا تَنَاوَلَهَا بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ، فَأُثِيبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ دَفْعًا لِلْأَذَى فِي الدِّينِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَانْتِقَامًا مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ – وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}.
** وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَضْرِبْ بِيَدِهِ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. اهـ المراد
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 24 / 4 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
150- مراتب تأليف الْكَلَام
سلسة الفوائد اليومية:
150- مراتب تأليف الْكَلَام
** قال أبو البقاء الحنفي أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي،
(المتوفى: 1094هـ) في كتابه:(الكليات),معجم في المصطلحات والفروق اللغوية(ص: 288)
** ومراتب تأليف الْكَلَام خمس:
** الأولى: ضم الْحُرُوف المبسوطة بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْكَلِمَات الثَّلَاث: الِاسْم وَالْفِعْل والحرف
** وَالثَّانيَة: تأليف هَذِه الْكَلِمَات بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْجمل المفيدة، وَيُقَال لَهُ: المنثور من الْكَلَام
** وَالثَّالِثَة: ضم بعض ذَلِك إِلَى بعض ضما لَهُ مباد ومقاطع ومداخل ومخارج، وَيُقَال لَهُ: المنظوم
** وَالرَّابِعَة: أَن يعْتَبر فِي أَوَاخِر الْكَلَام مَعَ ذَلِك تسجيع، وَيُقَال لَهُ: المسجع
** وَالْخَامِسَة: أَن يَجْعَل لَهُ مَعَ ذَلِك وزن، وَيُقَال لَهُ: الشّعْر
** والمنظوم: إِمَّا محاورة , وَيُقَال لَهُ الخطابة , وَإِمَّا مُكَاتبَة وَيُقَال لَهُ: الرسَالَة
** فأنواع الْكَلَام لَا تخرج عَن هَذِه الْأَقْسَام
** وَأما أَجنَاس الْكَلَام فَهِيَ مُخْتَلفَة , ومراتبها فِي دَرَجَات الْبَيَان مُتَفَاوِتَة،
** فَمِنْهَا : البليغ الرصين الجزل،
** وَمِنْهَا : الفصيح الْقَرِيب السهل؛
** وَمِنْهَا : الْجَائِز الطلق الرُّسُل،
** وَالْأول : أَعْلَاهَا ، وَالثَّانِي : أوسطها , وَالثَّالِث : أدناها وأقربها .
** (وَقد حازت بلاغات الْقُرْآن من كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام حِصَّة، وَأخذت من كل نوع شُعْبَة)
** وَقد تُوجد الْفَضَائِل الثَّلَاث على التَّفَرُّق فِي أَنْوَاع الْكَلَام.
** فَأَما أَن تُوجد مَجْمُوعَة فِي نوع وَاحِد مِنْهُ فَلم تُوجد إِلَّا فِي كَلَام الْعَلِيم العلام .اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 4 / 4 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
149- الأصول الستة في معرفة البدعة
سلسة الفوائد اليومية:
149- الأصول الستة في معرفة البدعة
** قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في كتابه: (التلخيص المعين في شرح الأربعين), (ص: 48):
** وليعلم أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: سببه ، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه.
** فإذا لم توافق الشريعة في هذه الأمور الستة فهو باطل مردود، لأنه أحدث في دين الله ما ليس منه.
** أولاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في سببه:
** وذلك بأن يفعل الإنسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سبباً .
** مثل: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته ويتخذها سنة، فهذا مردود.
مع أن الصلاة أصلها مشروع، لكن لما قرنها بسبب لم يكن سبباً شرعياً صارت مردودة.
** ثانياً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الجنس،
** فلو تعبّد لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة،
** مثال ذلك: لو أن أحداً ضحى بفرس، فإن ذلك مردود عليه ولا يقبل منه، لأنه مخالف للشريعة في الجنس، إذ إن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم.
** أما لو ذبح فرساً ليتصدق بلحمها فهذا جائز،
** ثالثاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في القدر:
** فلو تعبد شخص لله عزّ وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه،
** ومثال ذلك: رجل توضأ أربع مرات أي غسل كل عضو أربع مرات، فالرابعة لا تقبل، لأنها زائدة على ما جاءت به الشريعة،
** بل قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً وقال: مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ “.
** رابعاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الكيفية:
** فلو عمل شخص عملاً، يتعبد به لله وخالف الشريعة في كيفيته، لم يقبل منه، وعمله مردود عليه.
** ومثاله: لو أن رجلاً صلى وسجد قبل أن يركع، فصلاته باطلة مردودة، لأنها لم توافق الشريعة في الكيفية.
** خامساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الزمان:
** فلو صلى الصلاة قبل دخول وقتها، فالصلاة غير مقبولة لأنها في زمن غير ما حدده الشرع.
** سادساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في المكان:
** فلو أن أحداً اعتكف في غير المساجد بأن يكون قد اعتكف في المدرسة أو في البيت، فإن اعتكافه لا يصح لأنه لم يوافق الشرع في مكان الاعتكاف، فالاعتكاف محله المساجد.
** فانتبه لهذه الأصول الستة وطبق عليها كل ما يرد عليك. اهـ المراد
وقد نظم هذه الأصول الستة أخونا الفاضل الشيخ أبو إبراهيم عبدالله بن مقبل الضبيبي حفظه الله في بيتين ، فقال:
ولا تخالف سنة الرسول
في واحد من ستة أصول
في سبب والجنس والمكان
والكيف والمقدار والزمان
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 1 / 4 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
148- الضرورة الشديدة إلى معرفة الرسول وشريعته الرشيدة
سلسة الفوائد اليومية:
148- الضرورة الشديدة إلى معرفة الرسول وشريعته الرشيدة
** قال الإمام ابن قيم رحمه الله في كتابه القيم: (زاد المعاد)
(1/ 68):
** فَصْلٌ:
** وَمِنْ هَاهُنَا تَعْلَمُ اضْطِّرَارَ الْعِبَادِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ.
** فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ.
** وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ عَلَى التَّفْصِيلِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ.
** وَلَا يُنَالُ رِضَا اللَّهِ الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى أَيْدِيهِمْ.
** فَالطَّيِّبُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ لَيْسَ إِلَّا هَدْيَهُمْ وَمَا جَاءُوا بِهِ.
** فَهُمُ الْمِيزَانُ الرَّاجِحُ الَّذِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ تُوزَنُ الْأَقْوَالُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ.
** وَبِمُتَابَعَتِهِمْ يَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ.
** فَالضَّرُورَةُ إِلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَدَنِ إِلَى رُوحِهِ وَالْعَيْنِ إِلَى نُورِهَا وَالرُّوحِ إِلَى حَيَاتِهَا.
** فَأَيُّ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ فُرِضَتْ، فَضَرُورَةُ الْعَبْدِ وَحَاجَتُهُ إِلَى الرُّسُلِ فَوْقَهَا بِكَثِيرٍ.
** وَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ إِذَا غَابَ عَنْكَ هَدْيُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَسَدَ قَلْبُكَ، وَصَارَ كَالْحُوتِ إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ وَوُضِعَ فِي الْمِقْلَاةِ.
** فَحَالُ الْعَبْدِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ قَلْبِهِ لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ كَهَذِهِ الْحَالِ بَلْ أَعْظَمُ، وَلَكِنْ لَا يُحِسُّ بِهَذَا إِلَّا قَلْبٌ حَيٌّ , وَ:(مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ)
** وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ.
** وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 30 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
147- ذكر بعض الأمور التي بها يستجاب الدعاء
سلسة الفوائد اليومية:
147- ذكر بعض الأمور التي بها يستجاب الدعاء
** قال الإمام ابن قيم رحمه الله في كتابه القيم: (الجواب الكافي)
(ص: 12):
** فَصْلٌ:
** وَإِذَا جَمَعَ مَعَ الدُّعَاءِ حُضُورَ الْقَلْبِ
** وَجَمْعِيَّتَهُ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ،
** وَصَادَفَ وَقْتًا مِنْ أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ السِّتَّةِ، وَهِيَ:
(1) الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ،
(2) وَعِنْدَ الْأَذَانِ،
(3) وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ،
(4) وَأَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ،
(5) وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى تُقْضَى
الصَّلَاةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ،
(6) وَآخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.
** وَصَادَفَ خُشُوعًا فِي الْقَلْبِ،
** وَانْكِسَارًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ،
** وَذُلًّا لَهُ، وَتَضَرُّعًا، وَرِقَّةً.
** وَاسْتَقْبَلَ الدَّاعِي الْقِبْلَةَ.
** وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ.
** وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ.
** وَبَدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
** ثُمَّ ثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
** ثُمَّ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ.
** ثُمَّ دَخَلَ عَلَى اللَّهِ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ،
** وَتَمَلَّقَهُ وَدَعَاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً.
** وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ.
** وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً،
** فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَا يَكَادُ يُرَدُّ أَبَدًا،
** وَلَا سِيَّمَا إِنْ صَادَفَ الْأَدْعِيَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا مَظَنَّةُ الْإِجَابَةِ، أَوْ أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ … ) .اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 29 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
146- ذكر بعض أسباب شرح الصدر
سلسة الفوائد اليومية:
146- ذكر بعض أسباب شرح الصدر
** قال الإمام ابن القيم رحمه الله في: (زاد المعاد ), (2/ 22):
**
** فَأَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ: (التَّوْحِيدُ):، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ.
** قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}.
** وَقَالَ تَعَالَى : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}.
** فَالْهُدَى وَالتَّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ، وَالشِّرْكُ وَالضَّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ .
** وَ(مِنْهَا): النُّورُ الَّذِي يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُوَسِّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ. فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النُّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ، وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ.
** وَقَدْ رَوَى الترمذي فِي ” جَامِعِهِ ” عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( «إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ. قَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ» ) .
** فَيُصِيبُ الْعَبْدَ مِنِ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِحَسَبِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا النُّورِ، وَكَذَلِكَ النُّورُ الْحِسِّيُّ، وَالظُّلْمَةُ الْحِسِّيَّةُ، هَذِهِ تَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَهَذِهِ تُضَيِّقُهُ.
** وَ(مِنْهَا): الْعِلْمُ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَيُوَسِّعُهُ حَتَّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضِّيقَ وَالْحَصْرَ وَالْحَبْسَ، فَكُلَّمَا اتَّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتَّسَعَ،
** وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلْمٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، فَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبًا، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا.
** وَ(مِنْهَا): الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَحَبَّتُهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمُ بِعِبَادَتِهِ، فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ. حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ أَحْيَانًا: إِنْ كُنْتُ فِي الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنِّي إِذًا فِي عَيْشٍ طَيِّبٍ.
** وَلِلْمَحَبَّةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطِيبِ النَّفْسِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ لَهُ حِسٌّ بِهِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ أَقْوَى وَأَشَدَّ كَانَ الصَّدْرُ أَفْسَحَ وَأَشْرَحَ، وَلَا يَضِيقُ إِلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَطَّالِينَ الْفَارِغِينَ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، فَرُؤْيَتُهُمْ قَذَى عَيْنِهِ، وَمُخَالَطَتُهُمْ حُمَّى رُوحِهِ.
** (وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ): الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ،
** فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا،
** فَهُمَا مَحَبَّتَانِ: مَحَبَّةٌ هِيَ جَنَّةُ الدُّنْيَا، وَسُرُورُ النَّفْسِ، وَلَذَّةُ الْقَلْبِ، وَنَعِيمُ الرُّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا، بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرَّةُ عَيْنِهَا، وَهِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ، وَالْمَحَبَّةُ كُلُّهَا إِلَيْهِ.
** وَمَحَبَّةٌ هِيَ عَذَابُ الرُّوحِ، وَغَمُّ النَّفْسِ، وَسِجْنُ الْقَلْبِ، وَضِيقُ الصَّدْرِ، وَهِيَ سَبَبُ الْأَلَمِ وَالنَّكَدِ وَالْعَنَاءِ، وَهِيَ مَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ.
** (وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ): دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ، فَلِلذِّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ.
** وَ(مِنْهَا): الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا.
** وَقَدْ ( «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ مَثَلًا لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيُنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابَهُ وَيُعْفِيَ أَثَرَهُ، وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ» )
** فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَصَدِّقِ، وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ، وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ، وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ.
** وَ(مِنْهَا): الشَّجَاعَةُ، فَإِنَّ الشُّجَاعَ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ، وَاسِعُ الْبِطَانِ، مُتَّسِعُ الْقَلْبِ، وَالْجَبَانُ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَحْصَرُهُمْ قَلْبًا، لَا فَرْحَةٌ لَهُ وَلَا سُرُورٌ، وَلَا لَذَّةٌ لَهُ، وَلَا نَعِيمٌ إِلَّا مِنْ جِنْسِ مَا لِلْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ،
** وَأَمَّا سُرُورُ الرُّوحِ وَلَذَّتُهَا وَنَعِيمُهَا وَابْتِهَاجُهَا فَمُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ جَبَانٍ، كَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ، وَعَلَى كُلِّ مُعْرِضٍ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، غَافِلٍ عَنْ ذِكْرِهِ، جَاهِلٍ بِهِ وَبِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَدِينِهِ، مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ.
** وَإِنَّ هَذَا النَّعِيمَ وَالسُّرُورَ يَصِيرُ فِي الْقَبْرِ رِيَاضًا وَجَنَّةً، وَذَلِكَ الضِّيقُ وَالْحَصْرُ يَنْقَلِبُ فِي الْقَبْرِ عَذَابًا وَسِجْنًا.
** فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ نَعِيمًا وَعَذَابًا، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا،
** وَلَا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، وَلَا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، فَإِنَّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ، فَهِيَ الْمِيزَانُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
** وَ(مِنْهَا , بَلْ مِنْ أَعْظَمِهَا): إِخْرَاجُ دَغَلِ الْقَلْبِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي تُوجِبُ ضِيقَهُ وَعَذَابَهُ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُصُولِ الْبُرْءِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَتَى الْأَسْبَابَ الَّتِي تَشْرَحُ صَدْرَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمَذْمُومَةَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَحْظَ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِطَائِلٍ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَادَّتَانِ تَعْتَوِرَانِ عَلَى قَلْبِهِ، وَهُوَ لِلْمَادَّةِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا.
** وَ(مِنْهَا): تَرْكُ فُضُولِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفُضُولَ تَسْتَحِيلُ آلَامًا وَغُمُومًا وَهُمُومًا فِي الْقَلْبِ، تَحْصُرُهُ وَتَحْبِسُهُ وَتُضَيِّقُهُ وَيَتَعَذَّبُ بِهَا، بَلْ غَالِبُ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهَا،
** فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أَضْيَقَ صَدْرَ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلِّ آفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ بِسَهْمٍ، وَمَا أَنْكَدَ عَيْشَهُ، وَمَا أَسْوَأَ حَالَهُ، وَمَا أَشَدَّ حَصْرِ قَلْبِهِ،
** وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أَنْعَمَ عَيْشَ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ بِسَهْمٍ، وَكَانَتْ هِمَّتُهُ دَائِرَةً عَلَيْهَا، حَائِمَةً حَوْلَهَا، فَلِهَذَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ، وَلِذَلِكَ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
** وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
** وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي كُلِّ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا انْشِرَاحُ الصَّدْرِ، وَاتِّسَاعُ الْقَلْبِ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ، وَحَيَاةُ الرُّوحِ، فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا الشَّرْحِ وَالْحَيَاةِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ الشَّرْحِ الْحِسِّيِّ،
** وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَهُ، أَكْمَلُهُمُ انْشِرَاحًا وَلَذَّةً وَقُرَّةَ عَيْنٍ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ وَلَذَّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ، فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ وَرَفْعِ الذِّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْرِ، وَلِأَتْبَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
** وَهَكَذَا لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُمْ، وَعِصْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ، وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ، بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ.
** فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. اهـ
** (تنبيه): حديث : (إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ , …الخ )
ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة تحت رقم: (965)
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 28 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=============
145- من حكمة الله الحكيم تعاقب الحَرَّ والبرد لأجل مصالح العباد ومنافع البدن
سلسة الفوائد اليومية:
145- من حكمة الله الحكيم تعاقب الحَرَّ والبرد لأجل مصالح العباد ومنافع البدن
** قال الله عز وَجل {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}
** قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه: (مختصر الصواعق المرسلة),(ص: 229):
** وَتَأَمَّلِ الْحِكْمَةَ فِي تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ وَتَعَاوُرِهِمَا عَلَيْهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالِاعْتِدَالِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْحِكَمِ لِلْأَبْدَانِ وَالشَّجَرِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ.
** وَلَوْلَا تَعَاقُبُهُمَا لَفَسَدَتِ الْأَبْدَانُ وَالْأَشْجَارُ وَانْتَكَسَتْ.
** ثُمَّ تَأَمَّلْ دُخُولَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِهَذَا التَّدْرِيجِ وَالتَّرَسُّلِ، فَإِنَّكَ تَرَى أَحَدَهُمَا يَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ يَزِيدُ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْتَهَاهُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ،
** وَلَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَجْأَةً لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْأَبْدَانِ وَأَسْقَمَهَا، كَمَا لَوْ خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ مَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ إِلَى مَكَانٍ مُفْرِطٍ فِي الْبَرْدِ وَهْلَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهِ جِدًّا،
** وَلَوْلَا الْحَرُّ لَمَا نَضِجَتْ هَذِهِ الثِّمَارُ الْمُرَّةُ الْعَفِنَةُ الْقَاسِيَةُ، وَلَا كَانَتْ تَلِينُ وَتَطِيبُ وَتَحْسُنُ وَتَصْلُحُ لِأَنْ يَتَفَكَّهَ بِهَا النَّاسُ رَطْبَةً وَيَابِسَةً.
** وانظر كلاما له نحو هذا في كتابه :
(مفتاح دار السعادة) , (1/ 207 و 208)
** وقال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه: (صيد الخاطر), (ص: 106):
** فصل:
** تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر والبرد، فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة، وإنما تحصل مجرد لذة، ولا خير في لذة تعقب أَلَمًا.
** فأما [في] الحر، فإنهم يشربون الماء المثلوج، وذلك على غاية في الضرر، وأهل الطب يقولون: إنه يحدث أمراضًا صعبة، يظهر أثرها في وقت الشيخوخة، ويضعون الخيوش المضاعفة.
** وفي البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد.
** وهذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله تعالى؛ فإنه جعل الحر لتحلل الأخراط، والبرد لجمودها،
** فيجعلون هم جميع السنة ربيعًا، فتنعكس الحكمة التي وضع الحر والبرد لها، ويرجع الأذى على الأبدان.
** ولا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر والبرد.
** وإنما أقول له: لا يفرط في التوقي، بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط إلى حد لا يؤثر في القوة، وفي البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي، فإن الحر والبرد لمصالح البدن.
** وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر والبرد أصلًا، فزاد جوفه فمات عاجلًا، وقد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 26 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
144- الترغيب في التبكير يوم الجمعة , وحرص السلف على ذلك
سلسة الفوائد اليومية:
144- الترغيب في التبكير يوم الجمعة , وحرص السلف على ذلك
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» متفق عليه
** وعَنْ أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني
** قال بعض السلف: أوفر الناس نصيباً يوم الجمعة من راعاها وانتظرها من الأمس .
** وأخس الناس منها نصيباً من يصبح يوم الجمعة فيقول: أيش اليوم.
** وقد كان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجل صلاة الجمعة ومنهم من كان يبيت ليلة السبت في الجامع لمزيد الجمعة .
** وكثير من السلف من كان يصلِّي الغداة يوم الجمعة في الجامع ويقعد ينتظر صلاة الجمعة لأجل البكور ليستوعب فضل الساعة الأولى ولأجل ختم القرآن .
** وعامة المؤمنين كانوا ينحرفون من صلاة الغداة في مساجدهم فيتوجهون إلى جوامعهم .
** ويقال: أوّل بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجوامع.
** وكانت الطرقات ترى يوم الجمعة سحراً وبعد صلاة الفجر مملوءَة من الناس يمشون في السرج يزدحمون فيها إلى الجامع كما ترون اليوم في الأعياد حتى درس ذلك وقل وجهل وترك .
** أولا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع والكنائس يوم السبت والأحد قبل خروجهم إلى مساجدهم .
** أولا يعتبر المؤمن بطلاب الدنيا , كيف يبكرون إلى رحاب المساجد والأسواق للبيع والشراء والربح قبل غدوّه هو إلى اللَّه تعالى وإلى الآخرة .
** فينبغي للمؤمن اللبيب أن يسابقهم إلى مولاه ويسارعهم إلى ما عنده من زلفاه . اهـ بتصرف من (إحياء علوم الدين), (1/ 182) وغيره .
** وفي كتاب: (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين), (16/ 140)
** سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى -: متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة؟
** فأجاب فضيلته بقوله: الساعات التي ذكرها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس: فقال: «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» .
** فقسم الزمن من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة، وقد تكون الساعة أقل أو أكثر؛ لأن الوقت يتغير، فالساعات خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة.
** وتبتدئ من طلوع الشمس، وقيل: من طلوع الفجر، والأول أرجح؛ لأن ما قبل طلوع الشمس وقت لصلاة الفجر. اهـ
** وفي (تتمة أضواء البيان ) , للشيخ عطية محمد سالم (1/ 263)
** (مَسْأَلَةٌ)
** وَقْتُ السَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ، أَنَّ السَّعْيَ يَكُونُ بَعْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ تَرْكِ الْبَيْعِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ قَبْلَ النِّدَاءِ لَا يَلْزَمُ السَّعْيُ وَلَا تَرْكُ الْبَيْعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنَ النَّصِّ،
** وَلَكِنْ جَاءَتْ نُصُوصٌ لِلْحَثِّ عَلَى الْبُكُورِ إِلَى الْجُمُعَةِ،
** مِنْهَا : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَكَّرَ، وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَصَلَّى مَا تَيَسَّرَ لَهُ» . الْحَدِيثَ.
** وَحَدِيثُ: «مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَكَانَ الْبُكُورُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُسَلَّمٌ بِهِ،
** وَلَكِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ فِي مَبْدَأِ الْبُكُورِ، وَمَعْنَى السَّاعَةِ الْأُولَى أَيِّ سَاعَةٍ لُغَوِيَّةٍ أَوْ زَمَنِيَّةٍ، وَهَلْ هِيَ الْأُولَى مِنَ النَّهَارِ أَوِ الْأُولَى بَعْدَ الْأَذَانِ؟ ،
** فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ السَّاعَةَ لُغَوِيَّةٌ، وَهِيَ الْأُولَى بَعْدَ الْأَذَانِ، إِذْ لَا يَجِبُ السَّعْيُ إِلَّا بَعْدَهُ وَقَبْلَهُ لَا تَكْلِيفَ بِهِ.
** وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ السَّاعَةَ عَلَى السَّاعَةِ الزَّمَنِيَّةِ، وَأَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأُولَى مِنَ النَّهَارِ، وَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِعِدَّةِ أُمُورٍ:
** أَوَّلًا: فِي لَفْظِ حَدِيثِ الْبُكُورِ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْبُكُورِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَا يُقَالُ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ بُكُورٌ، بَلْ يُسَمَّى عَشِيًّا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} وَتَكْرَارُ بَكَّرَ، وَابْتَكَرَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ وَأَوَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ لَفْظَةُ: «مَنْ رَاحَ» لِأَنَّ الرَّوَاحَ لِأَوَّلِ النَّهَارِ.
** ثَانِيًا فِي الْحَدِيثِ: «وَصَلَّى مَا تَيَسَّرَ» ، لَهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنْ هُنَاكَ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلصَّلَاةِ بِقَدْرِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ. أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَلَا مُتَّسَعَ لِصَلَاةٍ بَعْدَ النِّدَاءِ، وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَذَانٌ وَاحِدٌ، وَبَعْدَ النِّدَاءِ فَلَا مُتَّسَعَ لِلصَّلَاةِ.
** ثَالِثًا: مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَثَمَانِيَ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَكُونُ مَعَ السَّاعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، وَمَا جَاءَ عِنْدَ النَّيْسَابُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَفْسِيرِهِ: وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ فِي أَيَّامِ السَّلَفِ وَقْتَ السَّحَرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ غَاصَّةً بِالْمُبَكِّرِينَ إِلَى الْجُمُعَةِ يَمْشُونَ بِالسُّرُجِ.
** وَقِيلَ: أَوَّلُ بِدْعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ تَرْكُ الْبُكُورِ إِلَى الْجُمُعَةِ،
** وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، هُوَ أَنَّ زَمَنَ السَّعْيِ لَهُ جِهَتَانِ:
** جِهَةُ وُجُوبٍ وَإِلْزَامٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعِيدًا، بِحَيْثُ لَوِ انْتَظَرَ حَتَّى يُنَادَى لَهَا لَا يُدْرِكُهَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إِلَيْهَا قَبْلَ النِّدَاءِ اتِّفَاقًا ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أداءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا بِذَلِكَ.
وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ.
** الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: جِهَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ، وَهَذَا لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ ظُرُوفِ الشَّخْصِ، فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْبُكُورِ، وَلَمْ يَتَعَطَّلْ بِبُكُورِهِ مَا هُوَ أَلْزَمُ مِنْهُ، فَيُنْدَبُ لَهُ الْبُكُورُ، وَبِحَسَبِ مَا يَكُونُ بُكُورُهُ فِي السَّاعَاتِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَمْرَانِ:
** الْأَوَّلُ: حَدِيثُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا حَضَرَ الْإِمَامُ طَوَتِ الصُّحُفَ وَجَلَسُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، فَكِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْأَوَّلِيَّةِ قَبْلَ النِّدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
** الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّنَا وَجَدْنَا لِكُلِّ وَاجِبٍ مَنْدُوبًا وَالسَّعْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ وَاجِبٌ، فَيَكُونُ لَهُ مَنْدُوبٌ وَهُوَ السَّعْيُ قَبْلَ النِّدَاءِ، فَكَمَا لِلصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، فَكَذَلِكَ لِلسَّعْيِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، فَوَاجِبُهُ بَعْدَ النِّدَاءِ، وَمَنْدُوبُهُ قَبْلَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ
** (تنبيه):
** التبكير يكون في حق غير الإمام , أما هو فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين .
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 24 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
143- المخلوقات بالنسبة لوجود الشر والخير فيها على ثلاثة أقسام
سلسة الفوائد اليومية:
143- المخلوقات بالنسبة لوجود الشر والخير فيها على ثلاثة أقسام
** قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في كتابه: (القول المفيد على كتاب التوحيد), (1/ 253):
** قوله: “من شر ما خلق”:
** أي: من شر الذي خلق، لأن الله خلق كل شيء: الخير والشر،
** ولكن الشر لا ينسب إليه، لأنه خلق الشر لحكمة، فعاد بهذه الحكمة خيرا، فكان خيرا.
** وعلى هذا نقول: الشر ليس في فعل الله، بل في مفعولاته، أي: مخلوقاته.
** وعلى هذا تكون “ما” موصولة لا غير، أي: من شر الذي خلق، لأنك لو أولتها إلى المصدرية وقلت: من شر خلقك، لكان الخلق هنا مصدرا يجوز أن يراد به الفعل، ويجوز أيضا المفعول، لكن لو جعلتها اسما موصولا تعين أن يكون المراد بها المفعول، وهو المخلوق.
** وليس كل ما خلق الله فيه شر، لكن تستعيذ من شره إن كان فيه شر، لأن مخلوقات الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1. شر محض، كالنار وإبليس باعتبار ذاتيهما، أما باعتبار الحكمة التي خلقهما الله من أجلها، فهي خير.
2. خير محض كالجنة، والرسل، والملائكة.
3. فيه شر وخير، كالإنس، والجن، والحيوان.
** وأنت إنما تستعيذ من شر ما فيه شر. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 23 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
142- أهل السنة يأمرون بالاتباع وينهون عن الابتداع , وليس عن ذكر الله كما يزعم بعض الملبسين
سلسة الفوائد اليومية:
142- أهل السنة يأمرون بالاتباع وينهون عن الابتداع , وليس عن ذكر الله كما يزعم بعض الملبسين
** قال الله سبحانه وتعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3]
** تفسير القرطبي (7/ 161)
** قَوْلُهُ تَعَالَى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يَعْنِي الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:” وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا “.
** وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا أَمْرٌ يَعُمُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ.
** وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ دُونَهُ. أَيِ اتَّبِعُوا مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنَ، وَأَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.
** وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِ الْآرَاءِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ. اهـ
** وعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : ( . . . إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ” ) رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني .
** وعَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ». متفق عليه
** وفي رواية لمسلم عنها – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
** قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (12/ 16):
** قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ , وَمَعْنَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ .
** وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ , وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ .
** وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ , وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ بَعْضُ الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَةٍ سُبِقَ إِلَيْهَا , فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُولُ : أَنَا مَا أَحْدَثْتُ شَيْئًا , فَيُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِرَدِّ كُلِّ الْمُحْدَثَاتِ سَوَاءٌ أَحْدَثَهَا الْفَاعِلُ أَوْ سُبِقَ بِإِحْدَاثِهَا . . .
** وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ابطال المنكرات واشاعة الاستدلال به. اهـ
** وفي كتاب: (الاعتصام) , للشاطبي (1/ 64)
** قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: ” مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]
** فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا. اهـ
** قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه: (إرواء الغليل),(2/236):
** (فائدة) : روى البيهقي بسند صحيح عن سعيد بن المسيب: أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين , يكثر فيها الركوع والسجود , فنهاه , فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟ ! قال: لا , ولكن يعذبك على خلاف السنة.
** وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى ,
** وهو سلاح قوى على المبتدعة الذين يستحسنون كثيراً من البدع باسم أنها ذكر وصلاة , ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم , ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة! !
** وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك. اهـ
** قال الحافظ العلامة قدوة المحدثين أبو بكر عبد الله ابن الحافظ الكبير أبي داود سليمان بن الأشعث ابن اسحاق الأزدي السجستاني رحمه الله تعالى في حائيته:
1- تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الله وَاتَّبِعِ الْهُدَى
وَلَا تَكُ بِدْعِيًّا لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
2- وَدِنْ بِكِتَابِ الله وَالسُّنَنِ الَّتِي
أَتَتْ عَنْ رَسُولِ الله تَنْجُو وَتَرْبَحُ
…………………………. ………………………….
19- وَقُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ
ولا تَكُ طَعَّانًا تَعِيبُ وَتَجْرَحُ
20- فَقَدْ نَطَقَ الْوَحْيُ المبِينُ بِفَضْلِهِمْ
وَفِي الْفَتْحِ آيٌ للصَّحَابَةِ تَمْدَحُ
…………………………. …………………………
31- وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ
فَقَوْلُ رَسُولِ الله أَزْكَى وَأَشْرَحُ
32- وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْا بِدِينِهِمْ
فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحدِيثِ وَتَقْدَحُ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 22 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
141- العلوم أربعة
سلسة الفوائد اليومية:
141- العلوم أربعة
** في كتاب: (إنباه الرواة على أنباه النحاة), (1/ 381)
** وقال الأصمعيّ: قال الخليل بن أحمد: العلوم أربعة :
** فعلم له أصل وفرع،
** وعلم له أصل ولا فرع له .
** وعلم له فرع ولا أصل له .
** وعلم لا أصل له ولا فرع .
** فأما الذى له أصل وفرع : فالحساب , ليس بين أحد من المخلوقين فيه خلاف،
** وأما الذى له أصل ولا فرع له : فالنجوم, ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها فى العالم – يعنى الأحكام والقضايا على الحقيقة –
** وأما الذى له فرع ولا أصل له : فالطبّ , أهله منه على التجارب إلى يوم القيامة .
** والعلم الذى لا أصل له ولا فرع : فالجدل .
** قال أبو بكر الصّولى: يعنى الجدل بالباطل. اهـ
** (فائدة أخرى):
** وقال بعض السلف: العلوم أربعة:
الفقه للأديان،
والطب للأبدان،
والنجوم للأزمان،
والنحو للسان. اهـ
المرجع :
** (البصائر والذخائر) (1/ 101)
** (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار), (4/ 17)
** (المستطرف في كل فن مستطرف), (ص: 27)
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 16 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=======================
140- إتحاف الإخوان بذكر بعض الأشياء التي اشتركت وافترقت فيها الجمعة والعيدان
سلسة الفوائد اليومية:
140- إتحاف الإخوان بذكر بعض الأشياء التي اشتركت وافترقت فيها الجمعة والعيدان
** قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في كتابه: (إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقة بأقرب الطرق وأيسر الأسباب (ص: 116)
** اعلَمْ أنَّ الشَّارِعَ مِن حِكمَتِه، ومحَاسِنِ شَرعِهِ، شَرَعَ للمسلِمِينَ الاجتماعَ للصَّلَواتِ وأنوَاعِ اَلتَّعَبُّدَات. وَهُوَ:
** إما اجتماعٌ خَاص كاجتمَاعِ أَهْلِ المحالِّ المتقَارِبَةِ لجماعةِ الصَّلَواتِ الخَمسِ.
** وإِمَّا اجتمَاعٌ عَام يجتَمِعُ فيه أهلُ البَلَدِ في مَسْجِدٍ وَاحِدٍ للجمعَةِ.
** وإِمَّا اجْتمَاعٌ أَعَم مِن ذَلِكَ كاجتماعِ أَهْلِ البَلَدِ رجَالهم ونِسَائهم أحرارِهِم وأَرِقَّائِهم في الأَعيَادِ.
** وإِمَّا اجتماعٌ أَعمَّ مِن ذَلِكَ كُلِّه كاجتماعِ المسلِمين مِن جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرضِ فِي عَرَفَةَ ومَنَاسِكِ الحجِّ.
** وفي هَذِه الاجتِمَاعَاتِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار ومَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ومَصْلَحَةِ الأُمَّة مَالا يُعدُّ وَلا يُحصَرُ.
** فمنهَا: ( إِظْهَار شَعَائِرِ الدِّين وبُرُوزِهَا مُشَاهَدًا جمالها عِندَ الموافِقين والمخالِفين، . . . )
** ومِنهَا: أَنُّ حَقَائقَ هَذِهِ العِبَادَاتِ لا تَحصُلُ بِدُونِ الاجتِمَاعَاتِ المذكُورَةِ، فالحكَمُ الَّتِي شُرِعَتْ لأَجْلهَا مُتَوَقِّفَةٌ على هَذَا الاجتِمَاعِ.
** ومِنهَا: ( أَنَّ اجتِمَاعَ الخَلقِ لهَذِه العِبَادَاتِ مِن أَعظَمِ مَحبُوبَاتِ الربِّ، . . . )
** ومنهَا: ( مَا في اجتِمَاعِ المسلِمين مِن قِيَامِ اَلأُلْفَة والمودَّة؛ لأَنَّ الاجتِمَاعَ الظَّاهِرَ عِنوَانُ الاجتِمَاعِ البَاطِنِ، . . . )
** ومِنهَا: ( أَن فِي هَذِه الاجتمَاعَاتِ مِن مَعرِفَةِ مَرَاتِبِ المسلِمين، ومَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ العِلمِ والدِّينِ والأخلاقِ، والمحافَظَةِ على الشَّرائِعِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ الفَوَائِدِ المميِّزةِ؛ لتحصُلَ مُعَامَلَتُهُم بحسَبِ ذَلِكَ. . . . )
** وفي الجملةِ: فِيهَا مِن صَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مِنَ الضرُورَاتِ الَّتي لا بُدَّ مِنهَا.
** فَهَذِه الفَوَائِدُ وغَيرُهَا قد اشتَرَكَتْ فِيهَا.
** وبأنها مِن شُرُوطِ الدِّين وَوَاجِبَاتِه.
** وبأنها رَكعتَانِ يجهر فِيهِمَا في القِرَاءةِ.
** وبمشروعيَّة الخُطبَتين فيهمَا.
** فالَّذِي اشْتَرَكَتْ فيه أَكثَرُ ممَّا افترقت.
** واستِحبَابُ اَلتَّجَمُّل والتَّطَيُّب وتَبْكِيرُ المأمُومِ إليهِما وتأخر الإِمَامِ إِلَى وَقتِ الصَّلاةِ والاستِيطَانِ والعَدَدِ عَلَى القَولِ بِه.
** وافتَرقَتْ بِأَشْيَاء بحسَبِ أحوَالِها، وَمُنَاسَبَة الحَالِ الوَاقِعَةِ:
** فمنها: الوَقتُ: الجمعةُ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى وَقتِ العَصرِ عندَ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ,
وعِندَ الإِمَامِ أَحمد مِن أَوَّلِ صَلاةِ العِيدِ إِلَى وَقتِ العَصرِ، وَوَقتُ العِيد ِ مِن ارتفَاعِ الشَّمسِ قَيدَ رُمحٍ إِلى قُبَيلَ الزَّوَالِ.
** ومِنهَا: أَنَّ صَلاةَ الجمعَةِ إِذَا فَاتَتْ لا تُقضَى بَل يُصَلُّونَ ظُهرًا،
وأَمَّا العِيدُ فتُقضَى مِنَ الغَد بِنَظِيرِ وَقتِهَا.
** والفَرقُ: أَن العِيدَ لما كَانَ لا يَتَكَرَّرُ إلاَّ بتَكَرُّرِ العَامِ وَلا يُمكِنُ تَفوِيتُ مَا في ذَلِكَ الاجتِمَاعِ مِنَ المصَالِحِ شُرِعَ قَضَاؤُه،
** وأَمَّا الجُمعَةُ فتتكرَّرُ بالأُسبُوعِ، فإذَا فَاتَ أسبوعٌ حَصَلَ المقصُودُ بِالآخَرِ،
** مَعَ حِكمَةٍ أُخرَى وَهِيَ أَنَّ العِيدَ كَثِيرًا مَا يُعذَرُ النَّاسُ بفَوَاتِه؛ لتعلُّقِه بالأَهِلَّة بِخِلافِ الجمعَةِ.
** ومِنهَا: أَنَّ الجمعَة الخُطبَتانِ قَبَلَهَا والعِيدَينِ بعدَهُما،
** وقد ذكر الحِكمَة في ذَلِكَ أَنَّهمَا في العِيدِ سُنَّةٌ، وفي الجمعَةِ شَرط لازِمٌ، فاهتَمّ بتَقدِيمه
** وهَذَا أَيضًا فَرق آخَرُ.
** ومِنهَا: أَنَّه يُشرَعُ في صَلاةِ العِيدِ تَكبِيرَاتٌ زَوَائِد في أَوَّلِ كُلِّ ركعَةٍ في الأُولَى سِتًّا بَعدَ تَكبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وفي الثَّانِيَةِ خَمسًا بَعدَ تَكبِيرَةِ الانتِقَالِ.
** ومِنهَا: أَنَّ المشْرُوعَ أَن تَكُونَ صَلاة العِيدَين في الصَّحرَاءِ إِلا لِعُذرٍ، والجُمعَةُ المشرُوعُ أن تَكُونَ في قصَبَةِ البَلَدِ إلاَّ لِعذرٍ.
** ومِنَ الحِكمَةِ في ذَلِكَ لاشتِهَارِ العِيدِ، وزِيَادَةِ إِظهَارِه، ولاشتِرَاكِ اَلرِّجَال والنِّسَاءِ فِيهِ،
** وهَذَا أيضًا مِنَ اَلْفُرُوق بينَهُمَا.
** ولِذَلِكَ كَانَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَأمُرُ النِّسَاءَ بالخُرُوجِ للعِيدِ حَتَّى يَأمُرُ ذَوَات اَلْخُدُورِ، وحتَّى يَأْمُرُ الحُيَّضَ لِيُحْضَرْنَ دَعْوةَ المسلِمين، فَإنَّ دعوتَهُم مجتمعةً أقرَبُ للإِجَابَة.
** كَما أنَّ العِبَادَةَ المشتَرَكَة أفضَلُ مِنَ اَلْمُنْفرِدَة حتَّى فُضِّلَتْ صَلاةُ الجماعَةِ عَلَى صَلاةِ الفَذِّ بِسَبعٍ وعِشرِينَ ضِعفًا.
** وهَذَا مِنَ المعَاني المشتَرَكَةِ.
** ومِنهَا: وُجُوبُ فِطْرِ يَومِ العِيدِ دُونَ الجمعَةِ، فإنَّ إِفرَادَ صَومِه مَكرُوهٌ لِكَونِ العِبَادِ أَضيافَ كَرَمِ الكَرِيمِ فِيهمَا.
** وَمِنها: أنه في العِيدِ ينبغِي أن يَخرُجَ مِن طَرِيقٍ ويَرجِعَ فِي آخَر بِخِلافِ الجمعَةِ.
** ومِنهَا: كَرَاهَةُ التنفُّلِ في مُصَلَّى العِيدِ قَبلَ الصَّلاةِ وبَعدَهَا بخِلافِ الجمعَةِ.
** ومِنهَا: أن الجمعَةَ فَرضُ عَينٍ بالإِجمَاعِ، وأمَّا العِيدَانِ ففيهمَا خِلافٌ مَعرُوفٌ، المشهُورُ مِنَ المذهَبِ أَنَّهُمَا فَرضَا كِفَايَة.
والصَّحِيحُ: أَنَّهُمَا فَرضَا عَينٍ، وَهُوَ إِحدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحمد، اختَارَهَا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
** ومِنها: ما يتعلَّقُ بالعِيدَينِ مِن زَكَاةِ الفِطرِ والتَّكبِيرِ المطلَقِ والمقَيَّدِ ومِنَ اَلأَضَاحِيّ والهَدْي فَلا تُشَارِكُهَا الجمعَةُ فِيهَا.
** ومِنهَا: أنَّ في الجمعَةِ سَاعَة، لا يُوافِقُهَا مُسلِمٌ يَدعُو اللَّه إِلا استُجِيبَ لَهُ، ولم يَرِد مِثلُ هَذَا في العِيدَينِ.
** وكذَلِكَ: استَحبَّ العُلَمَاءُ زِيَارَةَ القُبُورِ يَومَ الجُمعَةِ دونَ العِيدَينِ؛ فالجُمعَةُ تتأكدُ فِيهَا الزِّيارَةُ والعِيدُ استحبَابٌ مطلَقٌ كسائِرِ اَلأَيَّام.
** ومِنَ الفُرُوقِ: ما قَالَهُ الأَصحَابُ: أَنَّ خطْبتِي العِيدَينِ تُستَفتَحُ الأُولَى بتِسعِ تَكبِيرَاتٍ، والثَّانِيَةُ بِسَبعٍ، بخِلافِ الجمعَةِ فإِنَّهَا تُستَفتَحُ بالحَمْدِ.
** والصَّحِيحُ: استِوَاؤهُمَا بالاستِفتَاحِ بالحمدِ كَما كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يستَفتِحُ جَمِيعَ خُطَبِه بالحمدِ. اهـ المراد
(تنبيه):
صدر هذه الفائدة قد تقدم في فائدة سابقة بعنوان: ( ذكر بعض الفوائد والحكم السامية في اجتماع الناس على العبادة الجماعية ) ؛
فلذلك ذكرته هنا مختصرا ؛
إذ الغرض هو ذكر الاتفاقات والافتراقات بين الجمعة والعيد.
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 11 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==============
139- الجواب المختصر الشافي الكافي لمن ابتلي بداء الإصرار على المعاصي
سلسة الفوائد اليومية:
139- الجواب المختصر الشافي الكافي لمن ابتلي بداء الإصرار على المعاصي
** سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الدواء الشافي لمن تمكنت فيه أمراض الذنوب والمعاصي , فأجاب بجواب مختصر مفيد .
** وإليك نص هذا السؤال مع الجواب :
** قال محمد بن علي ، أبو عبد الله، بدر الدين البعليّ (المتوفى: 778هـ) في كتابه: (مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية),
(ص: 650):
** مَا دَوَاء من تحكم فِيهِ الدَّاء , وَمَا الاحتيال فِيمَن تسلط عَلَيْهِ الخبال , وَمَا الْعَمَل فِيمَن غلب عَلَيْهِ الكسل , وَمَا الطَّرِيق إِلَى التَّوْفِيق , وَمَا الْحِيلَة فِيمَن سطت عَلَيْهِ الْحيرَة , إِن قصد التَّوَجُّه إِلَى الله تَعَالَى مَنعه هَوَاهُ ,
وَإِن رام الادكار غلب عَلَيْهِ الافتكار , وَإِن أرد أَن يشْتَغل لم يطاوعه الْفشل ؟
غلب الْهوى فتراه فِي أوقاته
حيران صَاحٍ بل هُوَ السَّكْرَان
إِن رام قربا للحبيب تفَرقت
أَسبَابه وتواصل الهجران
هجر الْأَقَارِب والمعارف عله
يجد الْغنى وعَلى الْغناء يعان
** أجَاب رَضِي الله عَنهُ :
** دواؤه الالتجاء إِلَى الله
ودوام التضرع وَالدُّعَاء بِأَن يتَعَلَّم الْأَدْعِيَة المأثورة
** ويتوخى الدُّعَاء فِي مظان الْإِجَابَة مثل آخر اللَّيْل وأوقات الْأَذَان
** وَالْإِقَامَة وَفِي سُجُوده وَفِي أدبار الصَّلَوَات
** وَيضم إِلَى ذَلِك الاسْتِغْفَار
فَإِنَّهُ من اسْتغْفر الله ثمَّ تَابَ إِلَيْهِ متعه مَتَاعا حسنا إِلَى أجل مُسَمّى
** وليتخذ وردا من الْأَذْكَار طرفِي النَّهَار وَوقت النّوم
** وليصبر على مَا يعرض لَهُ من الْمَوَانِع والصوارف
فَإِنَّهُ لَا يلبث أَن يُؤَيّدهُ الله بِروح مِنْهُ وَيكْتب الْإِيمَان فِي قلبه
** وليحرص على إِكْمَال الْفَرَائِض من الصَّلَوَات الْخمس بباطنه وَظَاهره فَإِنَّهَا عَمُود الدّين
** وَليكن هجيراه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم؛ فَإِنَّهُ بهَا يحمل الأثقال ويكايد الْأَهْوَال وينال رفيع الْأَحْوَال
** وَلَا يسأم من الدُّعَاء والطلب فَإِن العَبْد يستجاب لَهُ مالم يعجل فَيَقُول قد دَعَوْت فَلم يستجب لي
** وليعلم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ لكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا
** وَلم ينل أحد شَيْئا من جسيم الْخَيْر نَبِي فَمن دونه إِلَّا بِالصبرِ .
** وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين . اهـ
** (تنبيه):
** سئل ابن القيم رحمه الله تعالى بسؤال نحو هذا السؤال
فأجاب بجواب مفصل مفيد في كتاب كامل اسمه:
(الداء والدواء) أو (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 7 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
138- مراتب طلب العلم
سلسة الفوائد اليومية:
138- مراتب طلب العلم
** قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه: (جامع بيان العلم وفضله), (1/ 476) :
** قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : «أَوَّلُ الْعِلْمِ النِّيَّةُ ثُمَّ الِاسْتِمَاعُ ثُمَّ الْفَهْمُ ثُمَّ الْحِفْظُ ثُمَّ الْعَمَلُ ثُمَّ النَّشْرُ» اهـ
** وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه: (فتح الباري), (1/ 217):
** (. . . وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ : أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ , ثُمَّ الْإِنْصَاتُ , ثُمَّ الْحِفْظُ , ثُمَّ الْعَمَلُ , ثُمَّ النَّشْرُ .
** وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ : تَقْدِيمُ الْإِنْصَاتِ عَلَىِ الِاسْتِمَاعِ .
** وَقَدْ ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ : أَخْبَرَنِي مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَهَمْسٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ : الْإِنْصَاتُ مِنَ الْعَيْنَيْنِ .
فَقَالَ لَهُ بن عُيَيْنَةَ : وَمَا نَدْرِي كَيْفَ ذَلِكَ !
قَالَ : إِذَا حَدَّثْتَ رَجُلًا فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْكَ لَمْ يَكُنْ مُنْصِتًا . انْتَهَى
** وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ . وَاللَّهُ أعلم . اهـ
** وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 9):
** ( . . . فالْجِهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ.
** فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا:
** (إِحْدَاهَا): أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.
** (الثَّانِيَةُ): أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.
** (الثَّالِثَةُ): أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
** (الرَّابِعَةُ): أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ.
** فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ .
** فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ .
** فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. اهـ
** وفي كتابه: (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب),
(1/ 43) للعلامة محمد بن أحمد السفاريني (المتوفى: 1188هـ):
** مَرَاتِبُ التَّعَلُّمِ سِتَّةٌ، وَحِرْمَانُ الْعِلْمِ بِسِتَّةٍ :
** وَاعْلَمْ أَنَّ لِلتَّعَلُّمِ سِتَّ مَرَاتِبَ:
** (أَوَّلُهَا): حُسْنُ السُّؤَالِ .
** (ثَانِيهَا): حُسْنُ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ.
** (ثَالِثُهَا): حُسْنُ الْفَهْمِ .
** (رَابِعُهَا): الْحِفْظُ .
** (خَامِسُهَا): التَّعْلِيمُ .
** (سَادِسُهَا): – وَهِيَ الثَّمَرَةُ – الْعَمَلُ بِهِ وَمُرَاعَاةُ حُدُودِهِ.
** وَحِرْمَانُ الْعِلْمِ يَكُونُ بِسِتَّةِ أَوْجُهٍ:
** (أَحَدُهَا) : تَرْكُ السُّؤَالِ.
** (الثَّانِي) : سُوءُ الْإِنْصَاتِ وَعَدَمُ إلْقَاءِ السَّمْعِ.
** (الثَّالِثُ) : سُوءُ الْفَهْمِ.
** (الرَّابِعُ) : عَدَمُ الْحِفْظِ.
** (الْخَامِسُ) : عَدَمُ نَشْرِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَمَنْ خَزَّنَ عِلْمَهُ وَلَمْ يَنْشُرْهُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِنِسْيَانِهِ جَزَاءً وِفَاقًا.
** (السَّادِسُ) : عَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ يُوجِبُ تَذَكُّرَهُ وَتَدَبُّرَهُ وَمُرَاعَاتَهُ وَالنَّظَرَ فِيهِ، فَإِذَا أَهْمَلَ الْعَمَلَ بِهِ نَسِيَهُ.
** قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ بِالْعَمَلِ بِهِ.
** وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ،
** فَمَا اسْتَدَرَّ الْعِلْمُ وَاسْتُجْلِبَ بِمِثْلِ الْعَمَلِ بِهِ. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 3 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
137- غربة الدين وأهله
سلسة الفوائد اليومية:
137- غربة الدين وأهله
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ »
** رواه مسلم .
** وعَنْ عَبْد اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: ” طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ” فَقِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ” أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ ”
** [رواه الإمام أحمد , وصححه الألباني]
** قال الأمير الصنعاني في كتابه: (التنوير شرح الجامع الصغير) , (3/ 430)
** (إن الإِسلام بدأ) مقصور وقيل يجوز همزه أي ظهر.
** (غريباً) في النهاية أنه كان أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل عنده لقلة المسلمين حينئذٍ.
** (وسيعود غريباً كما بدأ) لقلة أهل الإيمان آخر الزمان فيصير كالغريب. (فطوبى) اسم للجنة أو شجرة فيها.
** (للغرباء) أي أنها لأولئك الغرباء في أول ذلك الزمان الذي بدأ فيه وتكون أيضاً لهم في آخره، وذلك لصبرهم على الغربة وأذى من يخالفهم .
** وقد ألف بعض العلماء رسالة في هذا الحديث وفي الكلام عليه. اهـ
** (قلت) : يعني به الْحَافِظُ أَبا الْفَرَجِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ ورِسَالَته سَمَّاهَا: (كَشْفَ الْكُرْبَةِ فِي وَصْفِ حَالِ أَهْلِ الْغُرْبَةِ ) وَهي مطبوعة.
** قال الأمير الصنعاني في كتابه: (التنوير شرح الجامع الصغير) , (7/ 145):
** (طوبى للغرباء) جمع غريب ولما كان المراد هنا غير معناه المتبادر فسره – صلى الله عليه وسلم – بجملة استئنافية حيث قال:
(أناس صالحون) أي هم أناس متصفون بالصلاح كائنون أو كائنين: (في أناس سوء كثير) فوصفهم بصفة الصلاح التي هي أشرف الصفات ثم بصفة كونهم في قوم خالفوهم في الصفة ولا يصلح مع فساد الكثير من قومه إلا أفراد أهل النجاة كمؤمن آل فرعون وصاحب يس .
** (من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) لاتصاف قومهم بخلاف صفاتهم فلا يرون لهم طاعة وهؤلاء هم أتباع السنة وأهل الحق لا يزالون غرباء في كل عصر وزمان مذ ملأت الدنيا البدع والتمذهبات. اهـ
** وقال بن القيم في كتابه: (مدارج السالكين) (3/ 186):
** ( . . . فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي النَّاسِ غُرَبَاءُ،
** وَالْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ غُرَبَاءُ،
** وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُؤْمِنِينَ غُرَبَاءُ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَهَا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَهُمْ غُرَبَاءُ،
** وَالدَّاعُونَ إِلَيْهَا الصَّابِرُونَ عَلَى أَذَى الْمُخَالِفِينَ هُمْ أَشَدُّ هَؤُلَاءِ غُرْبَةً،
** وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا، فَلَا غُرْبَةَ عَلَيْهِمْ،
** وَإِنَّمَا غُرْبَتُهُمْ بَيْنَ الْأَكْثَرِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، فَأُولَئِكَ هُمُ الْغُرَبَاءُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ،
** وَغُرْبَتُهُمْ هِيَ الْغُرْبَةُ الْمُوحِشَةُ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمَعْرُوفِينَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ، كَمَا قِيلَ:
فَلَيْسَ غَرِيبًا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ
وَلَكِنَّ مَنْ تَنْأَيْنَ عَنْهُ غَرِيبُ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 1 / 3 / 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
136- ذكر مراتب الطهارة
سلسة الفوائد اليومية:
136- ذكر مراتب الطهارة
** قال العلامة البسام رحمه الله في كتابه: (توضيح الأحكام من بلوغ المرام) (1/ 114):
** والطهارة لها أربع مراتب:
** الأولى: تطهير الظاهر من الأحداث والأنجاس.
** الثانية: تطهير الجوارح من الجرائم والآثام.
** الثالثة: تطهير القلب من الأخلاق المذمومة.
** الرابعة: تطهير السرِّ عما سوى الله تعالى.
** وهذا هو الغاية القصوى لمن قويت بصيرته فسَمَت إلى هذا المطلوب، ومن عميت بصيرته، لم يفهم من مراتب الطهارة إلاَّ المرتبة الأولى.
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 25 / 2/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
135- ذكر بعض الفوائد والحكم السامية في اجتماع الناس على العبادة الجماعية
سلسة الفوائد اليومية:
135- ذكر بعض الفوائد والحكم السامية في اجتماع الناس على العبادة الجماعية
** قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في كتابه: (إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقة بأقرب الطرق وأيسر الأسباب (ص: 116)
** اعلَمْ أنَّ الشَّارِعَ مِن حِكمَتِه، ومحَاسِنِ شَرعِهِ، شَرَعَ للمسلِمِينَ الاجتماعَ للصَّلَواتِ وأنوَاعِ اَلتَّعَبُّدَات. وَهُوَ:
** إما اجتماعٌ خَاص كاجتمَاعِ أَهْلِ المحالِّ المتقَارِبَةِ لجماعةِ الصَّلَواتِ الخَمسِ.
** وإِمَّا اجتمَاعٌ عَام يجتَمِعُ فيه أهلُ البَلَدِ في مَسْجِدٍ وَاحِدٍ للجمعَةِ.
** وإِمَّا اجْتمَاعٌ أَعَم مِن ذَلِكَ كاجتماعِ أَهْلِ البَلَدِ رجَالهم ونِسَائهم أحرارِهِم وأَرِقَّائِهم في الأَعيَادِ.
** وإِمَّا اجتماعٌ أَعمَّ مِن ذَلِكَ كُلِّه كاجتماعِ المسلِمين مِن جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرضِ فِي عَرَفَةَ ومَنَاسِكِ الحجِّ.
** وفي هَذِه الاجتِمَاعَاتِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار ومَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ومَصْلَحَةِ الأُمَّة مَالا يُعدُّ وَلا يُحصَرُ.
** فمنهَا: إِظْهَار شَعَائِرِ الدِّين وبُرُوزِهَا مُشَاهَدًا جمالها عِندَ الموافِقين والمخالِفين، فإِن الدِّين نفسَه وَشَعَائِره مِن أكبرِ اَلأَدلَّة على أَنَّه الحَقُّ، وأَنَّهُ شرعَ لِوُصُولِ الخلقِ إِلَى صَلاح دينهِم ودُنيَاهُم وَصِلاح أخلاقِهِم وأعمَالِهم وسَعَادَتهِم اَلدُّنْيَوِيَّة وَالأُخْرَوِيَّة،
** فوقُوف الخلقِ عَلَى حَقِيقَةِ دِينِ الإسْلامِ وشرحِه لإِفهام النَّاسِ كافٍ وَحْدَهُ لِكُلِّ مُنصِفٍ قصده الحقيقةُ لمحبته وبَيَانُ أنَّه لا دِينَ إلاَّ هوَ، وأَنَّ ما خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ .
** وإِيصَالُ هَذَا المعنَى لأَفهَامِ الخَلقِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِن أَبْلَغهَا وأَجلِّهَا إِظْهَارُ هَذِهِ الشَّعَائرِ، ومَا احتَوَتْ عَلَيهِ مِنَ التَّقَرُّبَاتِ، وأصنَافِ العِبَادَاتِ،
** ولِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّعَائر عَلمًا على بَلَدِ الإِسْلامِ وظُهُورِ الدِّينِ وعُلُوِّه عَلَى سَائِر الأَديَانِ.
** ومِنهَا: أَنُّ حَقَائقَ هَذِهِ العِبَادَاتِ لا تَحصُلُ بِدُونِ الاجتِمَاعَاتِ المذكُورَةِ، فالحكَمُ الَّتِي شُرِعَتْ لأَجْلهَا مُتَوَقِّفَةٌ على هَذَا الاجتِمَاعِ.
** ومِنهَا: أَنَّ اجتِمَاعَ الخَلقِ لهَذِه العِبَادَاتِ مِن أَعظَمِ مَحبُوبَاتِ الربِّ، لما فِيهَا مِن تَنشِيطِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهم، وزِيَادَةِ رَغْبَتهمْ، وتنافُسِهِم في قُربهِ، وحُصُولِ ثَوَابِه، وسُهُولَةِ العِبَادَةِ عَلَيهم وخفتِهَا، وكثرَةِ ما تَشتَمِلُ عَلَيهِ مِن الانكِسَارِ لعظَمَةِ الرّبِّ، وَالتَّذَلُّل لَهُ والتَّضَرُّعِ وخُشُوعِ القُلُوبِ، وحُضورِهَا بين يَدَي اللَّهِ، واجتمَاعِهِم عَلَى طَلَبِهِم مِن رَبِّهِم مَصَالحهم العَامَّة المشتَرَكَة والخاصة.
** ومنهَا: مَا في اجتِمَاعِ المسلِمين مِن قِيَامِ اَلأُلْفَة والمودَّة؛ لأَنَّ الاجتِمَاعَ الظَّاهِرَ عِنوَانُ الاجتِمَاعِ البَاطِنِ، وتفكِيرُهُم في مَصَالحِهم، والسَّعيُ للعَمَلِ لها، وتَعلِيمُ بعضِهِم بَعضًا، وتَعَلُّمُ بعضِهِم مِن بَعضٍ.
** فالعِلمُ الَّذِي لابِد مِنهُ للصَّغِيرِ والكَبِيرِ والذكَرِ والأُنثَى فَد تَكَفلتْ هَذِه الاجتماعَاتُ بحصُولِه.
** وَلَولا هذه الاجتِمَاعَاتِ لم يَعرِفِ النَّاسُ مِن مَبَادِئِ دِينهِم وأصُولِه شَيئًا إِلا أَفذاذًا مِنهُم. وَلِهَذَا كَانَ الوَافِدُ يَفِدُ إلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ويسألُه عَنِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ فَيأمُرُه بحضورِ الصَّلاةِ مَعَه يَومًا أو يَومَينِ ثم ينصَرفُ مِن عِندِهِ فَاهِمًا لِصَلاةِ اَلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، وقَالَ: «صَلَوَا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلي» .
** وَقَد حَج النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بَعدَ فَرضِ الحجِّ مَرَّة وَاحِدَة وَحَجّ مَعَهُ المسلِمُونَ وَقَالَ: «خُذُوا عَنّي مَنَاسِكَكُمْ» .
** فانصرَفَ النَّاسُ آخِذِينَ عن نَبِيّهمْ – صلى الله عليه وسلم – أحكَامَ اَلْحَجّ الكُلِّيَّة والتَّفصِيلِيَّةِ والتَّعليمُ العَمَليُّ أبلَغُ مِنَ التَّعلِيمِ القَوليِّ، والجمعُ بينهُمَا أكمَلُ.
** ومِنهَا: أَن فِي هَذِه الاجتمَاعَاتِ مِن مَعرِفَةِ مَرَاتِبِ المسلِمين، ومَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ العِلمِ والدِّينِ والأخلاقِ، والمحافَظَةِ على الشَّرائِعِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ الفَوَائِدِ المميِّزةِ؛ لتحصُلَ مُعَامَلَتُهُم بحسَبِ ذَلِكَ.
** وَلَولا هَذَا الاجتمَاعُ لَكانَ نَاقِصُ الدِّينِ قَلِيلُ الاهتِمَامِ به يَتَمَكَّنُ مِن تَركِ شَرَائِعه، وَلا يُمكِنُ إِلزَامُه بهَا، وفي ذَلِكَ مِنْ مَضَرَّته، وَمَضَرَّة العُمُومِ مَا فِيهِ.
** وفي الجملةِ: فِيهَا مِن صَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مِنَ الضرُورَاتِ الَّتي لا بُدَّ مِنهَا. اهـ المراد
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 24 / 2/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
134- ذكر اللغات في لفظتي : أنملة و إِصبَع
سلسة الفوائد اليومية:
134- ذكر اللغات في لفظتي : أنملة و إِصبَع
** قال النووي رحمه في شرحه على مسلم (5/ 140) :
** وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا وَضَمُّهَا مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا , وَالْعَاشِرَةُ: (أُصْبُوعٌ) .
** وَأَفْصَحُهُنَّ: كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ . اهـ
** وفي كتاب:( تاج العروس) (31/ 40):
** (والأنْملَةُ، بِتَثْلِيثِ المِيمِ والهَمْزَة، تِسْعُ لُغاتٍ)
** وَزَادَ بَعْضُهُم (أُنْمُولَة) بِالْوَاو كَما فِي ” نُور النِّبْراسِ “، فَهِي عَشْرة،
** وَاقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ كالصّاغانِيِّ عَلى فَتْح الهَمْزَةِ وَالمِيم،
** وَهي (الَّتِي فِيها الظُّفُرُ) مِن المَفْصِلِ الأَعْلَى مِنَ الإِصْبَع،
** (ج: أَنامِلُ وَأنْمُلاَتٌ) . . . .
** قَالَ شَيْخُنا: وَقَدْ جَمَعَ العِزُّ القَسْطَلاَنِيُّ اللُّغاتِ التِّسْعَةَ فِي البَيْتِ المَشْهُورِ مَعَ لُغاتِ الإِصْبَعِ فَقَالَ:
(وَهَمْزُ أنْمُلَةٍ ثَلِّثْ وَثالِثُه والتِّسْعُ فِي أصْبُع واخْتِمْ بأُصْبُوعِ)
** وفي كتاب: (بغية الوعاة), للسيوطي (1/ 136):
** وَمن نظم الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك:
(تَثْلِيثُ بَا إِصْبَعٍ مَعْ شَكْلِ هَمْزَتِهِ * * *
بِغَيْرِ قَيْدٍ مَعَ الْأُصْبُوعِ قَدْ نقلا)
(وَأعْطِ أُنْمُلَة مَا نَالَ الإصبع إِلَّا * * *
الْمَدّ فالمد للبا وَحدهَا بذلا)
** وفي كتاب: (دليل الفالحين), لابن علان (4/ 387):
** . . . وقد نظمتها بقولي:
وفي أصبع عشر بتثليث همزة * * *
وباء له والعاشر أصبوع فاعلم
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 10 / 2/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
133- ذكر جملة من الأحكام المستفادة من آية الوضوء
سلسة الفوائد اليومية:
133- ذكر جملة من الأحكام المستفادة من آية الوضوء
** قال الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
** قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن) , (ص: 222):
** هذه آية عظيمة قد اشتملت على أحكام كثيرة، نذكر منها ما يسره الله وسهله.
أحدها: أن هذه المذكورات فيها امتثالها والعمل بها من لوازم الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأنه صدرها بقوله {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى آخرها.
** أي: يا أيها الذين آمنوا، اعملوا بمقتضى إيمانكم بما شرعناه لكم.
الثاني: الأمر بالقيام بالصلاة لقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} .
الثالث: الأمر بالنية للصلاة، لقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: بقصدها ونيتها.
الرابع: اشتراط الطهارة لصحة الصلاة، لأن الله أمر بها عند القيام إليها، والأصل في الأمر الوجوب.
الخامس: أن الطهارة لا تجب بدخول الوقت، وإنما تجب عند إرادة الصلاة.
السادس: أن كل ما يطلق عليه اسم الصلاة، من الفرض والنفل، وفرض الكفاية، وصلاة الجنازة، تشترط له الطهارة، حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء، كسجود التلاوة والشكر.
السابع: الأمر بغسل الوجه، وهو: ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس المعتاد، إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا. ومن الأذن إلى الأذن عرضا.
** ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، بالسنة،
** ويدخل فيه الشعور التي فيه. لكن إن كانت خفيفة فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة، وإن كانت كثيفة اكتفي بظاهرها.
الثامن: الأمر بغسل اليدين، وأن حدهما إلى المرفقين
** و”إلى” كما قال جمهور المفسرين بمعنى “مع” كقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ولأن الواجب لا يتم إلا بغسل جميع المرفق.
التاسع: الأمر بمسح الرأس.
العاشر: أنه يجب مسح جميعه، لأن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للملاصقة، وأنه يعم المسح بجميع الرأس.
الحادي عشر: أنه يكفي المسح كيفما كان، بيديه أو إحداهما، أو خرقة أو خشبة أو نحوهما، لأن الله أطلق المسح ولم يقيده بصفة، فدل ذلك على إطلاقه.
الثاني عشر: أن الواجب المسح.
** فلو غسل رأسه ولم يمر يده عليه لم يكف، لأنه لم يأت بما أمر الله به.
الثالث عشر: الأمر بغسل الرجلين إلى الكعبين، ويقال فيهما ما يقال في اليدين.
الرابع عشر: فيها الرد على الرافضة، على قراءة الجمهور بالنصب، وأنه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين.
الخامس عشر: فيه الإشارة إلى مسح الخفين، على قراءة الجر في {وأرجلكم} .
** وتكون كل من القراءتين، محمولة على معنى،
** فعلى قراءة النصب فيها، غسلهما إن كانتا مكشوفتين،
** وعلى قراءة الجر فيها، مسحهما إذا كانتا مستورتين بالخف.
السادس عشر: الأمر بالترتيب في الوضوء، لأن الله تعالى ذكرها مرتبة.
ولأنه أدخل ممسوحا -وهو الرأس- بين مغسولين، ولا يعلم لذلك فائدة غير الترتيب.
السابع عشر: أن الترتيب مخصوص بالأعضاء الأربعة المسميات في هذه الآية.
** وأما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه، أو بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين، فإن ذلك غير واجب،
* بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، * وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين،
** وتقديم مسح الرأس على مسح الأذنين.
الثامن عشر: الأمر بتجديد الوضوء عند كل صلاة، لتوجد صورة المأمور به.
التاسع عشر: الأمر بالغسل من الجنابة.
العشرون: أنه يجب تعميم الغسل للبدن، لأن الله أضاف التطهر للبدن، ولم يخصصه بشيء دون شيء.
الحادي والعشرون: الأمر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة.
الثاني والعشرون: أنه يندرج الحدث الأصغر في الحدث الأكبر، ويكفي من هما عليه أن ينوي، ثم يعمم بدنه، لأن الله لم يذكر إلا التطهر، ولم يذكر أنه يعيد الوضوء.
الثالث والعشرون: أن الجنب يصدق على من أنزل المني يقظة أو مناما، أو جامع ولو لم ينزل.
الرابع والعشرون: أن من ذكر أنه احتلم ولم يجد بللا فإنه لا غسل عليه، لأنه لم تتحقق منه الجنابة.
الخامس والعشرون: ذكر مِنَّة الله تعالى على العباد، بمشروعية التيمم.
السادس والعشرون: أن من أسباب جواز التيمم وجود المرض الذي يضره غسله بالماء، فيجوز له التيمم.
السابع والعشرون: أن من جملة أسباب جوازه، السفر والإتيان من البول والغائط إذا عدم الماء،
** فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء لحصول التضرر به،
** وباقيها يجوزه العدم للماء ولو كان في الحضر.
الثامن والعشرون: أن الخارج من السبيلين من بول وغائط، ينقض الوضوء.
التاسع والعشرون: استدل بها من قال: لا ينقض الوضوء إلا هذان الأمران، فلا ينتقض بلمس الفرج ولا بغيره.
الثلاثون: استحباب التكنية عما يستقذر التلفظ به لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} .
الحادي والثلاثون: أن لمس المرأة بلذة وشهوة ناقض للوضوء.
الثاني والثلاثون: اشتراط عدم الماء لصحة التيمم.
الثالث والثلاثون: أن مع وجود الماء ولو في الصلاة، يبطل التيمم لأن الله إنما أباحه مع عدم الماء.
الرابع والثلاثون: أنه إذا دخل الوقت وليس معه ماء، فإنه يلزمه طلبه في رحله وفيما قرب منه، لأنه لا يقال “لم يجد” لمن لم يطلب.
الخامس والثلاثون: أن من وجد ماء لا يكفي بعض طهارته، فإنه يلزمه استعماله، ثم يتيمم بعد ذلك.
السادس والثلاثون: أن الماء المتغير بالطاهرات، مقدم على التيمم، أي: يكون طهورا، لأن الماء المتغير ماء، فيدخل في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} .
السابع والثلاثون: أنه لا بد من نية التيمم لقوله: {فَتَيَمَّمُوا} أي: اقصدوا.
الثامن والثلاثون: أنه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب وغيره. فيكون على هذا، قوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} إما من باب التغليب، وأن الغالب أن يكون له غبار يمسح منه ويعلق بالوجه واليدين،
** وإما أن يكون إرشادا للأفضل، وأنه إذا أمكن التراب الذي فيه غبار فهو أولى.
التاسع والثلاثون: أنه لا يصح التيمم بالتراب النجس، لأنه لا يكون طيبا بل خبيثا.
الأربعون: أنه يمسح في التيمم الوجه واليدان فقط، دون بقية الأعضاء.
الحادي والأربعون: أن قوله: {بِوُجُوهِكُمْ} شامل لجميع الوجه وأنه يعممه بالمسح، إلا أنه معفو عن إدخال التراب في الفم والأنف، وفيما تحت الشعور، ولو خفيفة.
الثاني والأربعون: أن اليدين تمسحان إلى الكوعين فقط، لأن اليدين عند الإطلاق كذلك.
** فلو كان يشترط إيصال المسح إلى الذراعين لقيده الله بذلك، كما قيده في الوضوء.
الثالث والأربعون: أن الآية عامة في جواز التيمم، لجميع الأحداث كلها، الحدث الأكبر والأصغر، بل ولنجاسة البدن، لأن الله جعلها بدلا عن طهارة الماء، وأطلق في الآية فلم يقيد .
** [وقد يقال أن نجاسة البدن لا تدخل في حكم التيمم لأن السياق في الأحداث وهو قول جمهور العلماء].
الرابع والأربعون: أن محل التيمم في الحدث الأصغر والأكبر واحد، وهو الوجه واليدان.
الخامس والأربعون: أنه لو نوى مَنْ عليه حدثان التيمم عنهما، فإنه يجزئ أخذا من عموم الآية وإطلاقها.
السادس والأربعون: أنه يكفي المسح بأي شيء كان، بيده أو غيرها، لأن الله قال {فامسحوا} ولم يذكر الممسوح به، فدل على جوازه بكل شيء.
السابع والأربعون: اشتراط الترتيب في طهارة التيمم، كما يشترط ذلك في الوضوء، ولأن الله بدأ بمسح الوجه قبل مسح اليدين.
الثامن والأربعون: أن الله تعالى – فيما شرعه لنا من الأحكام – لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر، وإنما هو رحمة منه بعباده ليطهرهم، وليتم نعمته عليهم.
وهذا هو التاسع والأربعون: أن طهارة الظاهر بالماء والتراب، تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد، والتوبة النصوح.
الخمسون: أن طهارة التيمم، وإن لم يكن فيها نظافة وطهارة تدرك بالحس والمشاهدة، فإن فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال أمر الله تعالى.
الحادي والخمسون: أنه ينبغي للعبد أن يتدبر الحِكَم والأسرار في شرائع الله، في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلما، ويزداد شكرا لله ومحبة له، على ما شرع من الأحكام التي توصل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 3 / 2/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/11613
================
132 ذكر مَرَاتِبُ الْجُودِ
سلسة الفوائد اليومية:
132 ذكر مَرَاتِبُ الْجُودِ
** قال ابن القيم في كتابه القيم: (مدارج السالكين ), (2/ 279):
** وَالْجُودُ عَشْرُ مَرَاتِبَ.
** إِحْدَاهَا: الْجُودُ بِالنَّفْسِ. وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
يَجُودُ بِالنَّفْسِ، إِذْ ضَنَّ الْبَخِيلُ بِهَا *** وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الْجُودِ
** الثَّانِيَةُ: الْجُودُ بِالرِّيَاسَةِ. وَهُوَ ثَانِي مَرَاتِبِ الْجُودِ.
** فَيَحْمِلُ الْجَوَادَ جُودُهُ عَلَى امْتِهَانِ رِيَاسَتِهِ، وَالْجُودِ بِهَا. وَالْإِيثَارِ فِي قَضَاءِ حَاجَاتِ الْمُلْتَمِسِ.
** الثَّالِثَةُ: الْجُودُ بِرَاحَتِهِ وَرَفَاهِيَتِهِ، وَإِجْمَامِ نَفْسِهِ. فَيَجُودُ بِهَا تَعَبًا وَكَدًّا فِي مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ.
** وَمِنْ هَذَا جُودُ الْإِنْسَانِ بِنَوْمِهِ وَلَذَّتِهِ لِمُسَامِرِهِ، كَمَا قِيلَ:
مُتَيَّمٌ بِالنَّدَى، لَوْ قَالَ سَائِلُهُ * * * هَبْ لِي جَمِيعَ كَرَى عَيْنَيْكَ، لَمْ يَنَمِ
** الرَّابِعَةُ: الْجُودُ بِالْعِلْمِ وَبَذْلِهِ. وَهُوَ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجُودِ.
** وَالْجُودُ بِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْجُودِ بِالْمَالِ. لِأَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ مِنَ الْمَالِ.
** وَالنَّاسُ فِي الْجُودِ بِهِ عَلَى مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٍ.
** وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ وَتَقْدِيرُهُ النَّافِذُ: أَنْ لَا يَنْفَعَ بِهِ بَخِيلًا أَبَدًا.
** وَمِنَ الْجُودِ بِهِ: أَنْ تَبْذُلَهُ لِمَنْ يَسْأَلُكَ عَنْهُ، بَلْ تَطْرَحُهُ عَلَيْهِ طَرْحًا.
** وَمِنَ الْجُودِ بِالْعِلْمِ: أَنَّ السَّائِلَ إِذَا سَأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ: اسْتَقْصَيْتَ لَهُ جَوَابَهَا جَوَابًا شَافِيًا، لَا يَكُونُ جَوَابُكَ لَهُ بِقَدْرِ مَا تُدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، كَمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُ فِي جَوَابِ الْفُتْيَا: نَعَمْ، أَوْ: لَا. مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا.
** وَلَقَدْ شَاهَدْتُ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ – قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ – فِي ذَلِكَ أَمْرًا عَجِيبًا:
** كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ حُكْمِيَّةٍ، ذَكَرَ فِي جَوَابِهَا مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، إِذَا قَدَرَ، وَمَأْخَذَ الْخِلَافِ، وَتَرْجِيحَ الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. وَذَكَرَ مُتَعَلَّقَاتِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَكُونُ أَنْفَعَ لِلسَّائِلِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ. فَيَكُونُ فَرَحُهُ بِتِلْكَ الْمُتَعَلَّقَاتِ، وَاللَّوَازِمِ: أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِهِ بِمَسْأَلَتِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
** الْخَامِسَةُ: الْجُودُ بِالنَّفْعِ بِالْجَاهِ. كَالشَّفَاعَةِ وَالْمَشْيِ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ.
** وَذَلِكَ زَكَاةُ الْجَاهِ الْمُطَالَبُ بِهَا الْعَبْدُ. كَمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ وَبَذْلَ الْعِلْمِ زَكَاتُهُ.
** السَّادِسَةُ: الْجُودُ بِنَفْعِ الْبَدَنِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. كُلُّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ: صَدَقَةٌ. وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ: صَدَقَةٌ. وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ: صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ يُمْشِيهَا الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ: صَدَقَةٌ. وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ: صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
** السَّابِعَةُ: الْجُودُ بِالْعِرْضِ، كَجُودِ «أَبِي ضَمْضَمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا مَالَ لِي أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِمْ بِعِرْضِي، فَمَنْ شَتَمَنِي، أَوْ قَذَفَنِي: فَهُوَ فِي حِلٍّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَسْتَطِيعُ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ؟».
** وَفِي هَذَا الْجُودِ مِنْ سَلَامَةِ الصَّدْرِ، وَرَاحَةِ الْقَلْبِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ مُعَادَاةِ الْخَلْقِ مَا فِيهِ.
** الثَّامِنَةُ: الْجُودُ بِالصَّبْرِ، وَالِاحْتِمَالِ، وَالْإِغْضَاءِ.
** وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ شَرِيفَةٌ مِنْ مَرَاتِبِهِ.
** وَهِيَ أَنْفَعُ لِصَاحِبِهَا مِنَ الْجُودِ بِالْمَالِ، وَأَعَزُّ لَهُ وَأَنْصَرُ، وَأَمَلَكُ لِنَفْسِهِ، وَأَشْرَفُ لَهَا. وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا النُّفُوسُ الْكِبَارُ.
** فَمَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الْجُودُ بِمَالِهِ فَعَلَيْهِ بِهَذَا الْجُودِ. فَإِنَّهُ يَجْتَنِي ثَمَرَةَ عَوَاقِبِهِ الْحَمِيدَةِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ. وَهَذَا جُودُ الْفُتُوَّةِ. قَالَ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]
** وَفِي هَذَا الْجُودِ قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40]
** فَذَكَرَ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَقَامَ الْعَدْلِ، وَأَذِنَ فِيهِ. وَمَقَامَ الْفَضْلِ، وَنَدَبَ إِلَيْهِ. وَمَقَامَ الظُّلْمِ، وَحَرَّمَهُ.
** التَّاسِعَةُ: الْجُودُ بِالْخُلُقِ وَالْبِشْرِ وَالْبَسْطَةِ.
** وَهُوَ فَوْقَ الْجُودِ بِالصَّبْرِ، وَالِاحْتِمَالِ وَالْعَفْوِ. وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَهُوَ أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ»
** وَفِي هَذَا الْجُودِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَسَارِّ، وَأَنْوَاعِ الْمَصَالِحِ مَا فِيهِ.
** وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسَعَهُمْ بِخُلُقِهِ وَاحْتِمَالِهِ.
** الْعَاشِرَةُ: الْجُودُ بِتَرْكِهِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ عَلَيْهِمْ. فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ. وَلَا يَسْتَشْرِفُ لَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِحَالِهِ، وَلَا لِسَانِهِ.
** وَهَذَا الَّذِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَخَاءِ النَّفْسِ بِالْبَذْلِ.
** فَلِسَانُ حَالِ الْقَدَرِ يَقُولُ لِلْفَقِيرِ الْجَوَادِ: وَإِنْ لَمْ أُعْطِكَ مَا تَجُودُ بِهِ عَلَى النَّاسِ، فَجُدْ عَلَيْهِمْ بِزُهْدِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ، تُفَضَّلْ عَلَيْهِمْ، وَتُزَاحِمْهُمْ فِي الْجُودِ، وَتَنْفَرِدْ عَنْهُمْ بِالرَّاحَةِ.
** وَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجُودِ مَزِيدٌ وَتَأْثِيرٌ خَاصٌّ فِي الْقَلْبِ وَالْحَالِ.
** وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ الْمَزِيدَ لِلْجَوَادِ، وَالْإِتْلَافَ لِلْمُمْسِكِ.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. اهـ باختصار .
** (تنبيه): حديث: ( أَبِي ضَمْضَمٍ . . . ) رواه أبو دواد وغيره.
** [ وضعفه العلامة الألباني في ضعيف الجامع برقم :(2185) ]
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 20 / 1/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
131 ذكر بعض أحكام المطر وآدابه
سلسة الفوائد اليومية:
131 ذكر بعض أحكام المطر وآدابه
** إن نعم الله علينا كثيرة جدا , لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى :
{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}
** وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}
** وإن من أعظم هذه النعم نعمة نزول المطر الذي به حياة العباد والبلاد , وهو رحمة من الله يرحمهم بها .
** قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}
* وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ () يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
** وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}
** فالمطر نعمة عظيمة ومنة جسيمة ورحمة عميمة لا يستغنى عنها أبدا .
** قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
** وقال سبحانه : {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}
** ألا وإن لهذه النعمة أحكاما وآدابا يجهلها كثير من الناس ويغفل عنها آخرون .
** وسأذكر ما تيسر من هذه الأحكام والآداب في الفقرات التالية :
(1) تعريف المطر :
** المَطَرُ: الْمَاءُ الْمُنْسَكِبُ مِنَ السَّحابِ.
** وَالْجَمْعُ أَمْطارٌ.
** ويَوْمٌ مُمْطِرٌ وماطِرٌ ومطِرٌ ومَطِيرٌ: ذُو مطَر.
* قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ () أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ }
** وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}
** وانظر : (لسان العرب) (5/ 178)
** و(تهذيب اللغة) (13/ 231)
** و(العين) (7/ 425)
(2) جاء لفظ (المطر) في القرآن الكريم على معنيين:
* الأول : بمعنى العذاب, كقوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ() فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ }.
** وهذا المعنى هو الأكثر استعمالا في القران الكريم.
** الثاني : بمعني الغيث كقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
** (تنبيهان) :
** أحدهما: جاء في صحيح البخاري (6/ 62) معلقا عن سفيان بْن عُيَيْنَةَ رحمه الله أنه قَالَ: « مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي القُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا , وَتُسَمِّيهِ العَرَبُ الغَيْثَ »، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُنْزِلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) . اهـ
** وهذا القول قد رده أهل العلم .
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري), (8/ 308) :
** وَقد تعقب كَلَام بن عُيَيْنَةَ بِوُرُودِ الْمَطَرِ بِمَعْنَى الْغَيْثِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى من مطر} فَالْمُرَاد بِهِ هُنَا الْغَيْث قطعا.
** وَمعنى التَّأَذِّي بِهِ الْبَلَلُ الْحَاصِلُ مِنْهُ لِلثَّوْبِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
اهـ المراد
** ثانيهما: إذا كان المطر بمعنى الرحمة فالأكثر في فعله أن يكون ثلاثيا , تقول: (مَطِرَتِ السماءُ),
** ويجوز على قلة أن يكون رباعيا تقول: (أُمْطِرَتِ السماءُ) ,
** وإذا كان بمعنى العذاب فبالعكس تماما , وهذا على الصحيح.
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه : (فتح الباري) (8/ 308):
** وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنْ كَانَ مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ (أُمْطِرَتْ) وَإِنْ كَانَ مِنَ الرَّحْمَة فَهُوَ (مُطِرَتْ) , وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا. اهـ
** وفي شرح النووي على مسلم (6/ 192)
** قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَمْطَرَتْ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَكَذَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ (أَمْطَرَتْ) بِالْأَلِفِ , وَهُوَ صَحِيحٌ , وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: (مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ) لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ .
** وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَا يُقَالُ (أَمْطَرَتْ) بِالْأَلِفِ إِلَّا فِي الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وأمطرنا عليهم حجارة}, وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ .
** وَلَفْظَةُ (أَمْطَرَتْ) تُطْلَقُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ , وَتُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} , وَهَذَا مِنْ أَمْطَرَ , وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ فِي الْخَيْرِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوهُ خَيْرًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ به}.
** ومن أحكام المطر وآدابه :
(3) الفرح بنزوله ؛ لأنه نعمة عظيمة , ورحمة واسعة.
* قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ () وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (*) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
** وقال تعالى:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
(4) شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة.
(5) وجوب اعتقاد أن هذه النعمة من عند الله جل وعلا وحده لا شريك له.
** عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ” أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ ” متفق عليه.
** وفي شرح النووي على مسلم (2/ 60)
** وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ: (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا )عَلَى قَوْلَيْنِ :
** أَحَدُهُمَا : هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَالِبٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ مُخْرِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ قَالُوا وَهَذَا فِيمَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشىء لِلْمَطَرِ كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُ وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ .
** وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبِرَحْمَتِهِ وَأَنَّ النَّوْءَ مِيقَاتٌ لَهُ وَعَلَامَةٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا , فَهَذَا لَا يَكْفُرُ .
** وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ , وَالْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ ؛ لَكِنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا إِثْمَ فِيهَا .
** وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهَا كَلِمَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ فَيُسَاءُ الظَّنُّ بِصَاحِبِهَا وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ .
** وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى إِضَافَةِ الْغَيْثِ إِلَى الْكَوْكَبِ , وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ تَدْبِيرَ الْكَوْكَبِ .
** وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الْبَابِ: (أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَكَافِرٌ) ,
** وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ) ,
** وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ)
** فَقَوْلُهُ: (بِهَا) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
(6) هل ثبت ذكر معين عن النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع الرعد؟
** لم يثبت في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , ولكن قد ثبت عن بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ , وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي {يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ .
** رواه البخاري في كتابه: (الأدب المفرد)
** [وقال الشيخ الألباني: صحيح]
** فمن عمل بهذا اقتداءً بهذا الصحابي الجليل فلا بأس بذلك.
(7) قول الدعاء المأثور عند نزول المطر :
** عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُمْطِرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رواه البخاري.
** وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1320)
** قوله: ((صيباً نافعًا)) نصبه بفعل مضمر، أي اسقنا صيبًا نافعًا،
** و((نافعًا)) تتميم في غاية من الحسن؛ لأن لفظة صيبًا مظنة للضرر والفساد.
** ((الكشاف)): الصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع: وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء،
** دل على أنه نوع من المطر شديد هائل، فتممه بقوله ((نافعًا)) صيانة عن الإضرار والفساد. نحوه قول الشاعر:
فَسَقَى دِيَارَكَ غَيْرُ مُفْسِدِهَا * * * صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمَى
** لكن ((نافعًا)) في الحديث أوقع وأحسن وأنفع من قوله:
((غير مفسدها)).
(8) أن يكشف شيئاً من بدنه غير عورته تبركاً به.
** عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» رواه مسلم.
** شرح النووي على مسلم (6/ 195)
** مَعْنَى: (حَسَرَ) كَشَفَ , أَيْ كَشَفَ بَعْضَ بَدَنِهِ ,
** وَمَعْنَى: (حَدِيثُ عهد بربه) أي بتكوين ربه اياه , ومعناه أَنَّ الْمَطَرَ رَحْمَةٌ وَهِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا فَيُتَبَرَّكُ بِهَا.
** وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَطَرِ أَنْ يَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيَنَالَهُ الْمَطَرُ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا.
** وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى مِنَ الْفَاضِلِ شَيْئًا لَا يَعْرِفُهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ لِيُعَلِّمَهُ فَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ غيره.
** المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (8/ 23)
** وقوله : (( لأنه حديث عهدٍ بربه )) ؛ أي : بإيجاد ربّه له ، وهذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبرُّك بالمطر ، واستشفاء به ؛ لأن الله تعالى قد سَمّاه رحمة ، ومباركًا وطهورًا، وجعله سبب الحياة، ومُبعدًا عن العقوبة.
** ويستفاد منه احترام المطر ، وترك الاستهانة به .
** وانظر : (مجموع فتاوى ابن باز), (13/ 63)
** و(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين), (16/ 363)
** و(شرح سنن أبي داود للعباد) (578/ 34)
(9) استحباب قول المؤذن في المطر : (صلوا في رحالكم) , أو (ألا صلوا في الرحال) , أو (صلوا في بيوتكم) , أو (ومن قعد فلا حرج).
(**) وتقال إحدى هذه الألفاظ في ثلاثة مواضع:
(أ) إما بدلاً من قول: (حي على الصلاة) لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: ” إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ “، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ». متفق عليه
(ب) أو بعد (حي على الفلاح) لحديث رجل من ثقيف رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُنَادِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَعْنِي فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ فِي السَّفَرِ – يَقُولُ: «حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» رواه النسائي وغيره وصححه الشيخان .
** والرجل الثقفي المبهم : صحابي ، فلا يضر إبهامه ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول .
(ج) أو بعد انتهاء الآذان لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» . متفق عليه
** وحديث نُعَيمِ بنِ النَّحّامِ مِن بنى عَدِىِّ بنِ كَعبٍ رضي الله عنه قال: نودِىَ بالصُّبحِ في يَومٍ بارِدٍ وهو في مِرطِ امرأَتِه فقالَ: لَيتَ المُنادِىَ يُنادِى: ومَن قَعَدَ فلا حَرَجَ. فنادَى مُنادِى النبيِّ – صلى الله عليه وسلم في آخِرِ أذانِه: ومَن قَعَدَ فلا حَرَجَ، وذَلِكَ في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
** رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2605).
(10) يستحب أن يصلي الناس في بيوتهم، أخذا بالرخصة المذكورة في هذه الأحاديث في قول المؤذن (صلوا في رحالكم) , ولحديث :
** عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ فِي رَحْلِهِ »
** رواه الترمذي وقال: « حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ » ,
** وَقَدْ رَخَّصَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ وَالطِّينِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ . اهـ
** وقال الشيخ الألباني: صحيح.
** والله جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه كما جاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ)
** رواه الطبراني وغيره [وصححه الألباني]
** قال ابن عبد البر في كتابه: (التمهيد), (13/ 274):
( . . . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّأَخُّرِ فِي حِينِ الْمَطَرِ الدَّائِمِ عَنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَذَى الْمَطَرِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِهَذِهِ الْحَالِ . . . الخ). اهـ
(11) الجمع بين الصلوات – إن احتيج إلى ذلك – كأن يكون المطر شديدا أو متواصلا ؛ لما في ذلك من التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم.
** وقد ثبت في صحيح مسلم من طريق أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ»
** قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا، لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ»
** وفي رواية أخرى له: (فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ)
** فإذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين هذه الصلوات لِيَرْفَع عن أمته الحرج الحاصل بدون خوف ولا مطر ولا سفر، فالجمع لهذه الأعذار المحرجة لأمته أولى من الجمع لغيرها.
** قَالَ الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (1/ 259) :
** وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْمَطَرِ.
** وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. اهـ
** وقَالَ الخطابي رحمه الله في كتابه: (معالم السنن),(1/ 264) :
** قلت : وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للممطور في الحضر فأجازه جماعة من السلف،
** روي ذلك عن ابن عمر وفعله عروة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة وعامة فقهاء المدينة , وهو قول مالك والشافعي وأحمد ,
** غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائماً وقت افتتاح الصلاتين معاً , وكذلك قال أبو ثور , ولم يشترط ذلك غيرهما. اهـ
** وفي كتابه: (تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام), (ص: 124) للعلامة ابن باز رحمه الله تعالى.[الجمع بين المغرب والعشاء للمطر في الوقت الحاضر]
65 – ما رأي سماحتكم في الجمع للمطر بين المغرب والعشاء في الوقت الحاضر في المدن , والشوارع معبدة ومرصوفة ومنارة إذا لا مشقة ولا وحل؟
الجواب: لا حرج , والجمع بين المغرب والعشاء ولا بين الظهر والعصر في أصح قولي العلماء للمطر الذي يشق معه الخروج إلى المساجد، وهكذا الدحض والسيول الجارية في الأسواق لما في ذلك من المشقة.
والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء» . زاد مسلم في روايته من غير خوف ولا مطر ولا سفر.
فدل ذلك على أنه استقر عند الصحابة رضي الله عنهم أن الخوف والمطر عذر في الجمع كالسفر لكن لا يجوز القصر في هذه الحال وإنما يجوز الجمع فقط لكونهم مقيمين لا مسافرين والقصر من رخص السفر الخاصة.
والله ولي التوفيق. اهـ
** (مسألة) والجمع بين كل صلاتين يكون بأذان واحد وإقامتين تماما من غير قصر إلا إذا كانوا مسافرين .
** وفي فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (8/ 134) برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
(جمع الصلاة لأجل المطر)
السؤال الثالث من الفتوى رقم (9688)
س3: هل يجب أن نضيف الصلاة على صلاة؛ مثل أن نضيف صلاة المغرب على صلاة العشاء؟ وهل يحسن الأذان والإقامة عليهما؟
ج3: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء في الحضر لمطر شديد أو مرض، ونحوهما، وذلك بأذان واحد للأولى منهما، وبإقامة لكل منهما، ويجوز ذلك في السفر أيضا بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، في وقت إحداهما، بأذان واحد وإقامتين، لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ
** (مسألة أخرى) وهل يجمع بين كل صلاتين جمع تقديم أو جمع تأخير؟
الجواب : يُفعلُ الأسهلُ على الناس والأرفقُ بهم .
** قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه : (الشرح الممتع على زاد المستقنع), (4/ 396):
** (مسألة): الجمع في المطر هل الأفضل التقديم أو التأخير؟
** الأفضل التقديم؛ لأنه أرفق بالناس، ولهذا تجد الناس كلهم في المطر لا يجمعون إلا جمع تقديم.
** هذا إذا قلنا: إن الجمع للمطر خاص في العشائين.
** أما إذا قلنا بأنه عام في العشائين والظهرين، فإن الأرفق قد يكون بالتأخير. اهـ
(12) الدعاء بـ(الاستصحاء) وهو رفع المطر , أو تحويله إلى بطون الأودية ونحوها, وذلك عند كثرة المطر وخشية الضرر أو حصوله.
** عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ، فَادْعُ اللَّهَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَمُطِرُوا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ » . فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ.
متفق عليه , وهذا لفظ البخاري.
** و(الآكام): جمع الأكمة , وهى التل.
** و(انجاب) معناه : انكشف.
(13) لا يعلم بوقت نزول المطر أحد إلا الله سبحانه وتعالى :
** قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
** وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ ” رواه البخاري
(14) الدعاء أثناء نزول المطر :
** وهذا – وإن لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , فيما أعلم – إلا أن نزول المطر وقت لتنزل الرحمات فالدعاء في ذلك الوقت مناسب.
** قال الله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}
** وقد جاء أثر مرسل عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: « اُطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ »[أخرجه الشافعي في كتابه: ” الأم ” (1/ 289) ] ** [قال الألباني: (صحيح)] ** انظر: (صحيح الجامع), رقم: (1906)
** قَالَ الشَّافِعِيُّ: – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: بعد أن ذكر أثر مكحول المتقدم :
** وَقَدْ حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ. اهـ
** قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (3/ 453)
رقم الحديث : (1469) بعد أن ذكر أثر مكحول المتقدم :
** ” قلت: لكن الحديث له شواهد من حديث سهل بن سعد وابن عمر وأبي أمامة خرجتها في” التعليق الرغيب ” (1 / 116) , وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة إلا أنه إذا ضمت إلى هذا المرسل أخذ بها قوة وارتقى إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. اهـ
(15) التأمل والتفكر في آيات الله الكونية التي تحصل قبل نزول المطر ومعه وبعده : من رعد , وبرق , وظلمة , وتحمل السحاب لتلك البحار العظيمة في جوفه , وما فيها من جبال من برد، وكيفية نزول المطر على شكل قطرات، ونحو ذلك , فإن ذلك يزيد في إيمان العبد.
* قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ() يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}
* وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ () وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}
* وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ () وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (*) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
( 16) (فائد): في ترتيب نزول المطر عند العرب من الضعف إلى القوة:
** قال أبو منصور الثعالِبي في كتابه: (فقه اللغة وسر العربية) (ص:190):
** الفصل الرابع “في تَرْتِيبِ المَطَرِ الضَّعِيفِ”.
** أَخَفُّ المَطَرِ وَأَضْعَفُهُ الطَّلُّ. ثُمَّ الرَّذَاذُ أقوَى مِنْهُ. ثُمَّ البَغْشُ والدَّثُّ. ومثله الرّكّ والرّهمة.
** الفصل الخامس “في تَرْتِيبِ الأمْطَارِ”.
** أوَّلُ المَطَرِ رَشٌّ وَطَشُّ. ثُمَّ طَلّ وَرَذَاذ. ثُمَّ نَضْح ونَضْخ “وهو قَطْر بَيْنَ قَطْرَيْنِ”. ثُمَّ هَطْل وَتَهْتَان. ثمّ وابل وجود. اهـ
** وقال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه : (المدهش), (ص: 46):
** ويفرقون (يعني العرب) فِي الْمَطَر.
** فأوله : رش , ثمَّ طش , ثمَّ طل ورذاذ , ثمَّ نضخ , ثمَّ هطل وتهتان , ثمَّ وابل وجود.
** فَإِذا أحيى الأَرْض بعد مَوتهَا فَهِيَ الْحيَاء.
** فَإِذا جَاءَ عقيب الْمحل أَو عِنْد الْحَاجة فَهُوَ الْغَيْث.
** وَإِن كَانَ صغَار الْقطر فَهُوَ القطقط.
** فَإِذا دَامَ مَعَ سُكُون فَهُوَ الديمة.
** فَإِذا كَانَ عَاما فَهُوَ الجداء.
** وَإِذا روى كل شَيْء فَهُوَ الْجُود.
** فَإِذا كَانَ كثير الْقطر فَهُوَ الهطل والتهتان.
** فَإِذا كَانَ ضخم الْقطر شَدِيد الوقع فَهُوَ الوابل. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 13 / 1/ 1441 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
130 من أعظم أخلاق الحلماء الكرام التي حث عليها الإسلام : دفع السيئة بالحسنة
سلسة الفوائد اليومية:
130 من أعظم أخلاق الحلماء الكرام التي حث عليها الإسلام : دفع السيئة بالحسنة
** قال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
** وقال تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
** وقال تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
** وعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ»
** رواه أَبُو دَاوُدَ وغيره , [وحسنه الألباني]
** وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّهَا قَالَتْ: ” لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
** رواه الإمام أحمد وغيره . [وصححه الألباني]
** وجاء هذا اللفظ في صحيح البخاري ضمن حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
** وفي كتاب :(أدب الدنيا والدين), لأبي الحسن لماوردي (ص: 252):
** فَالْحِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الْأَلْبَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ الْعِرْضِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلَابِ الْحَمْدِ.
** وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [رضي الله عنه]: أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ عَنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ.
. . . . . . . . . . . . . . .
** وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ :
** إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ ،
** وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ ،
** وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ .
** فَأَخَذَهُ الْخَلِيلُ، فَنَظَمَهُ شِعْرًا فَقَالَ:
سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ
وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ
فَمَا النَّاسُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ
شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ
فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ
وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لَازِمُ
وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا
أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لَائِمُ
وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا
تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ
** قال أبو عبد الله النقذي الجعدي وفقه الله :
** وأكثر المصادر تنسب هذه الأبيات لمحمود الوراق.
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 24 / 12/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/11613
================
129 ذكر أفضل أيام الدنيا , وسبب تفضليها
سلسة الفوائد اليومية:
129 ذكر أفضل أيام الدنيا , وسبب تفضليها
** إن من حكمة الله الحكيم الله أنه لما خلق الخلق لم يجعلهم على حد سواء بل فاضل بينهم , فجعل بعضهم أفضل من بعض .
** كما قال الله تعالى :
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
** ومما فضله الله على غيره العشر الأول من شهر ذي الحجة , فقد جعلها الله سبحانه وتعالى مواسم للخيرات، وأياما للعبادات، وأوقاتا للطاعات والقربات .
** ومما يدل على فضلها ما يلي :
(1) أن هذه الأيام هي أفضل أيام الدنيا:
** عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ :
(( أفضلُ أيامِ الدُّنْيا أيامُ العَشْرِ )) [رواه الْبَزَّار , وصحيح الألباني ]
(2) أن الله أقسم بها في كتابه الكريم , والله لا يقسم إلا بشيء عظيم:
** قال تعالى : { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ }
** وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
قاله ابن كثير في
( تفسيره ) (8/ 390):
(3) أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله وأزكى من العمل في غيرها:
** وعَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى ».
** قِيلَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ : « وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ »
** قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ” رواه الدارمي , وحسنه الألباني .
(4) أنها الأيام المعلومات:
** قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) , وهي أيام العشر عند الجمهور .
(6) أن فيها يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنة عند الله , وهو يوم الحج الأكبر:
** عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ”
رواه أبو داود وغيره , وصححه الألباني
(7) أن فيها ذبح الهدايا والضحايا:
** وأما سبب تفضليها فلأنه تجتمع فيها أمهات العبادة , من صلاة وصيام وصدقة وحج .
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه : ( فتح الباري ) , (2/ 460) :
** وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ . اهـ
** فإذا كانت هذه العشر بهذه المنزلة الرفيعة , والفضائل الكثيرة والكبيرة فحري بكل مسلم عاقل لبيب يرجو رحمة ربه , ويطمع في ثوابه ومغفرته , ورفع درجاته , أن يشمر عن ساعد الجد , فينافس ويسابق في الأعمال الصالحات فرضها ونفلها بشتى أنواعها .
** وهذا سرد بعض الأعمال الصالحة , من باب التذكير :
(1) التَّوْبَةُ الصادقة إلى اللهِ تعالَى مِن جميعِ الذُّنوبِ ؛ فإنَّها مِفْتاحُ النجاح وعلامة الفلاح.
(2) المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها وأماكنها , والإكثار من النوافل.
(3) العمرة والحج للمستطيع.
(4) الصيام , لدخوله في الأعمال الصالحة، فمن قدر على صيام التسع فليصمها , وإلا صام ما تيسر منها.
(5) الإكثار من ذكر الله جل وعلا , من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير, وسائر أنواع الذكر.
(6) صوم يوم عرفة لغير الحاج.
(7) الأضحية يوم العيد.
(8) الإكثار من قراءة القران مع التدبر.
(9) الصدقة.
(11) الإكثار من الأعمال الصالحة عموما :
** مثل : صلاة الضحى ,
وصلاة الليل ,
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ,
وكثرة الاستغفار ,
وصلة الأرحام – ولو بالهاتف – ,
وبر الوالدين ,
والإحسان إلى الزوجة والأولاد والجيران
والابتسامة , وطلاقة الوجه ,
والمحافظة على الوضوء , والسواك , والصف الأول , والأذكار ,
وعيادة المرضى , وزيارة القبور , وغير ذلك.
** ( تنبيه ): هذه الفائدة اختصرتها من منشور لي سابق بعنوان :
(( فضائل عشر ذي الحجة ))
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 28 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
128 أقسام (أل)
سلسة الفوائد اليومية:
128 أقسام (أل)
** قال المرادي في كتابه :(الجنى الداني في حروف المعاني) (ص: 203):
** (تنبيه)
** وقد اتضح، بما ذكرته، أن الألف واللام في كلام العرب أربعة عشر قسماً، على التفصيل، بالمتفق عليه والمختلف فيه. وهي:
العهدية،
والجنسية،
والتي للكمال وهي نوع من الجنسية،
والتي للحقيقة،
والتي للحضور،
والتي للغلبة،
والتي للمح الصفة، والزائدة اللازمة،
والزائدة للضرورة،
والتي هي عوض من الضمير،
والتي هي عوض من الهمزة،
والتي للتفخيم،
وبقية الذي،
والموصولة .
** وكلها عند التحقيق، راجعة إلى ثلاثة أقسام:
معرفة ،
وزائدة ،
وموصولة.
** وقد نظمتها في هذه الأبيات:
أقسام أل أربع، وعشر … للعهد، والجنس، والكمال
ثم لماهية، ولمح أو غالب، أو حضور حال
وزيد نثراً، وزيد نظماً وفخمت، في اسم ذي الجلال
وناب عن مضمر، وهمز ومن، بذي الوصل، ذا احتفال
وقيل: بعض الذي أتانا فاحفظه، وابحث عن المثال
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 24 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
127 أصح كيفيات صلاة الكسوف أو الخسوف أنها ركعتان , في كل ركعة ركوعان وسجودان
سلسة الفوائد اليومية:
127 أصح كيفيات صلاة الكسوف أو الخسوف أنها ركعتان , في كل ركعة ركوعان وسجودان
** قال الإمام الصنعاني في كتابه : (سبل السلام), (1/ 445):
( . . . إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ اتِّفَاقًا إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي كَمِّيَّةِ الرُّكُوعَاتِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي سَاقَهَا الْمُصَنِّفُ أَرْبَعُ صُوَرٍ.
(الْأُولَى) : رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَبِهَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَيْهَا دَلَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ
** قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ.
(الثَّانِيَةُ:) رَكْعَتَانِ أَيْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ، وَهِيَ الَّتِي أَفَادَتْهَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ – عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
(وَالثَّالِثَةُ) : رَكْعَتَانِ أَيْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَعَلَيْهَا دَلَّ حَدِيثُ جَابِرٍ.
(وَالرَّابِعَةُ:) رَكْعَتَانِ أَيْضًا يَرْكَعُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ
وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَالْجُمْهُورُ أَخَذُوا بِالْأُولَى لِمَا عَرَفْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ،
** وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ أَخَذَ بِكُلِّ نَوْعٍ بَعْضُ الصَّحَابَةِ،
** وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ فَأَيُّهَا فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعَدَّدَ الْكُسُوفُ، وَأَنَّهُ فَعَلَ هَذِهِ تَارَةً، وَهَذَا أُخْرَى
** وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ كُلَّ الرِّوَايَاتِ حِكَايَةٌ عَنْ وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ صَلَاتُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَوْمَ وَفَاةِ إبْرَاهِيمَ، وَلِهَذَا عَوَّلَ الْآخَرُونَ عَلَى إعْلَالِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي حَكَتْ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ
** قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: كِبَارُ الْأَئِمَّةِ لَا يُصَحِّحُونَ التَّعَدُّدَ لِذَلِكَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَيَرَوْنَهُ غَلَطًا.
** وَذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. اهـ
** وانظر : زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 438)
** وشرح النووي على مسلم (6/ 198)
** وفي فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (8/ 324)
السؤال الخامس من الفتوى رقم (9527)
س5: كم عدد ركعات صلاة الخسوف وماذا يقرأ فيهما؟
ج5: صلاة كسوف الشمس وصلاة خسوف القمر كل منهما ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، وفي كل ركعة ركوعان؛ الثاني منهما أقصر من الأول، وقراءتان، يقرأ بعد تكبيرة الإحرام بالفاتحة وسورة طويلة ويقرأ بعد الركوع الأول بالفاتحة، وسورة طويلة، لكنها أقصر مما قبلها، وفي كل ركعة سجدتان. هذا هو أصح ما ورد فيها. اهـ
** وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
** الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
** نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 14 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
126 ذكر بعض آيات موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم
سلسة الفوائد اليومية:
126 ذكر بعض آيات موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم
** قَال اللَّه تَعَالَى :{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا}
** وقَال تَعَالَى :{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ»(ق)
** قال ابن كثير في تفسيره (5/ 114):
** يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ مُوسَى بِتِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَهِيَ الدَّلَائِلُ الْقَاطِعَةُ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَهِيَ: الْعَصَا ، وَالْيَدُ ، وَالسِّنِينَ ، وَالْبَحْرُ ، وَالطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
** وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ الْيَدُ وَالْعَصَا، وَالْخَمْسُ فِي الْأَعْرَافِ وَالطَّمْسَةُ وَالْحَجَرُ،
** وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: هِيَ يَدُهُ ، وَعَصَاهُ ، وَالسِّنِينَ ، وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ ، وَالطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ،
** وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ حَسَنٌ قَوِيٌّ، وَجَعَلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ السِّنِينَ وَنَقْصَ الثَّمَرَاتِ وَاحِدَةً، وَعِنْدَهُ أَنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ تَلَقُّفُ الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ . اهـ
** وقال الزبيدي في كتابه (تاج العروس) (20/ 390):
** وقَوْلُهُ تَعَالَى: ولَقَدْ آتَيْنَا مُوَسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيَّناتٍ هِيَ:
** أَخْذُ آلِ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ، وإِخْرَاجُ مُوسَى عَلَيْه السّلامُ يَدَهُ بَيْضَاءَ ، والعَصَا، والطُّوفانُ، والجَرَادُ، والقُمَّلُ، والضَّفَادِعُ، والدَّمُ، وانْفِلاقُ البَحْرِ.
** وقَدْ جَمَعَ ذلِكَ المُصَنِّفُ فِي بَيْتٍ واحدٍ فَقَالَ:
(عَصاً، سَنَةٌ، بَحْرٌ، جَرَادٌ، وقُمَّلٌ *
دَمٌ، ويَدٌ، بَعْدَ الضَّفادِعِ، طُوفانُ)
** وقَدْ ضَمَّنْتُه بِبَيْتٍ آخَرَ، فقُلْتُ:
(آياتُ مُوسَى الكَلِيمِ التِّسْعُ يَجْمَعُهَا *
بَيْتٌ فَرِيدٌ لَهُ فِي السَّبْك عُنْوَانُ)
. . . . . . . . . . . . . . .
** وجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيّ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً،: فَزَاد الطَّمْسَةَ، والنُّقْصَانَ فِي مَزَارِعِهِم،
** وعِبَارَتُه : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كانَتِ الآيَاتُ إِحْدَى عَشرَةَ: ثِنْتَانِ مِنْهَا اليَدُ والعَصَا، والتَّسْعُ: الفَلقُ، والطُّوفانُ، والجَرَادُ، والقُمَّلُ، والضّفادِعُ، والدَّمُ، والطَّمْسُ، والجَدْبُ فِي بَوادِيهِمْ، والنَّقْصُ من مَزَارِعِهِم . انْتَهَى .
** ولَمْ يَذْكُرِ الجَوَابَ. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 10 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
125 الأشهر في لفظ: ( ذي القعدة وذي الحجة ) فتح القاف و كسر الحاء
سلسة الفوائد اليومية:
125 الأشهر في لفظ: ( ذي القعدة وذي الحجة ) فتح القاف و كسر الحاء
** قال الإمام النووي في شرح على مسلم (11/ 168):
(أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ
وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ
هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ
وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ). اهـ
** قال بعضهم :
وَفَتْحَ قَافِ قَعْدَةٍ قَدْ رَجَّحُوا * * *
وَكَسْرَ حَاءِ حِجَّةٍ قَدْ صَحَّحُوا
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 8 / 11 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
124 ذكر بعض الصحابة الكرام الذين جمعوا القران على عهد النبي عليه الصلاة والسلام
سلسة الفوائد اليومية:
124 ذكر بعض الصحابة الكرام الذين جمعوا القران على عهد النبي عليه الصلاة والسلام
** وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ” جَمَعَ القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ” قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي . متفق عليه
** وعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ – فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» متفق عليه
** شرح النووي على مسلم (16/ 19)
(جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ)
** قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ فِي تَوَاتُرِ الْقُرْآنِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَجْمَعْهُ فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ الَّذِينَ عَلِمَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ فَلَمْ يَنْفِهِمْ , وَلَوْ نَفَاهُمْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى غَيْرُ مُسْلِمٍ حِفْظَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مِنْهُمُ الْمَازِرِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا .
** وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَكَانَتِ الْيَمَامَةُ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ جَامِعِيهِ يَوْمئِذٍ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِمَنْ لَمْ يُقْتَلْ مِمَّنْ حَضَرَهَا وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَبَقِيَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا .
** وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يَبْعُدُ كُلُّ الْبُعْدِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ مَعَ كَثْرَةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَكَيْفَ نَظُنُّ هَذَا بِهِمْ وَنَحْنُ نَرَى أَهْلَ عَصْرِنَا حَفِظَهُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ أُلُوفٌ مَعَ بُعْدِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَحْكَامٌ مُقَرَّرَةٌ يَعْتَمِدُونَهَا فِي سَفَرِهِمْ وَحَضَرِهِمْ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمَا سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ نَظُنُّ بِهِمْ إِهْمَالِهِ فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدٌ يَجْمَعُ الْقُرْآنَ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ .
الْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَوَاتُرِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ حَفِظَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ يَحْصُلُ التَّوَاتُرُ بِبَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعُهُمْ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا نَقَلَ كُلَّ جُزْءٍ عَدَدُ التَّوَاتُرِ صَارَتِ الْجُمْلَةُ مُتَوَاتِرَةً بِلَا شَكٍّ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا مُسْلِمٌ وَلَا مُلْحِدٌ . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
** قَوْلُهُ (قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي)
** أبوزيد هَذَا هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانَ الْأَوْسِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَدْرِيٌّ يعرف بسعد القاريء اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
** قال بن عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ الْخَزْرَجِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بَدْرِيٌّ .
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جَيْشِ أَبِي عُبَيْدٍ بِالْعِرَاقِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْضًا . اهـ
** شرح النووي على مسلم (16/ 17)
** (خُذُوا القرآن من أربعة وذكر منهم بن مَسْعُودٍ)
** قَالَ الْعُلَمَاءُ : سَبَبُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ ضَبْطًا لِأَلْفَاظِهِ وَأَتْقَنُ لِأَدَائِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَفْقَهَ فِي مَعَانِيهِ مِنْهُمْ .
** أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ تَفَرَّغُوا لِأَخْذِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً وَغَيْرُهُمُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ..
** أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَفَرَّغُوا لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ .
** أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقَدُّمِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَتَمَكُّنِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَقْعَدُ من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم . اهـ
** وفي فتح الباري لابن حجر (9/ 52)
** ( … وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ الْحَدِيثَ , وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ .
** وَتَقَدَّمَ فِي الحَدِيث الَّذِي مضى ذكر بن مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ .
** وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ , وَمِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ .
** وَلَكِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ .
** وعد بن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا : تَمِيمَ بْنَ أَوْسٍ الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ , وَمِنَ الْأَنْصَارِ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجْمِّعَ بْنَ حَارِثَةَ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ وَغَيْرَهُمْ وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا جَمَعَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
** وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ .
** وَعَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَسَعْدَ بْنَ عَبَّادٍ وَأُمَّ وَرَقَةَ . اهـ
** وفي كتاب : (المدهش) , لابن الجوزي (ص: 51)
(تَسْمِيَة من جمع الْقُرْآن حفظا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
** عُثْمَان بن عَفَّان , أبي , معَاذ بن جبل , أَبُو الدَّرْدَاء , زيد بن ثَابت , أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ .
** قَالَ ابْن سِيرِين : وَتَمِيم الدَّارِيّ .
** وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَعبادَة بن الصَّامِت , وَأَبُو أَيُّوب . اهـ
** وانظر كتاب : ( إكمال المعلم بفوائد مسلم) , للقاضي عياض اليحصبي (7/ 492)
** وكتاب : ( المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم), لأبي العبَّاس القرطبيُّ (20/ 113)
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 6 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
===============
123 حالات المأموم مع إمامه من حيث الموافقة والمخالفة
سلسة الفوائد اليومية:
123 حالات المأموم مع إمامه من حيث الموافقة والمخالفة
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
” إِنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ” متفق عليه
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟» متفق عليه
** وفي كتاب (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) , (12/ 498)
** حال المأموم مع إمامه تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: مسابقة.
الثاني: تخلف.
الثالث: موافقة.
الرابع: متابعة.
القسم الأول: المسابقة:
** وهي أن يصل المأموم إلى الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع قبل ركوع الإمام، أو يسجد قبل سجود الإمام، أو يرفع من الركوع قبل رفع الإمام، أو يرفع من السجود قبل رفع الإمام.
** وهذا الذي يسبق الإمام قد عرض نفسه للعقوبة التي حذر منها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي: ((أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يحول صورته صورة حمار)) .
وظاهر الحديث أنه حسا يعني أن يكون رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار.
** وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بذلك التحويل المعنوي بأن يجعل رأسه رأس حمار أي رأساً بليداً، لأن الحمار من أبلد الحيوانات، ولهذا وصف الله اليهود الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
** ووصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب بأنه مثل الحمار يحمل أسفاراً.
** وعلى كل حال فالحديث دال على أن مسابقة الإمام محرمة بل يوشك أن تكون من كبائر الذنوب.
** ولكن هل تبطل الصلاة بذلك أو لا؟
** الصحيح أنه إذا تعمد السبق فإن صلاته تبطل سواء سبقه بركن أو سبقه إلى الركن، فإذا تعمد السبق مع علمه بالنهي فإن صلاته تبطل، لأنه أتى محظوراً من محظورات العبادات على وجه يختص بها، والقاعدة أن من فعل محظوراً من محظورات العبادة على وجه يختص بها فإنها تبطل.
القسم الثاني: التخلف:
** يعني أن يتأخر عن إمامه، مثل أن يركع الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من الركوع، أو يسجد الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من السجود أو يقوم الإمام من السجود ويبقى المأموم ساجداً حتى ربما ينتصف الإمام بقراءة الفاتحة أو يكلمها.
** وحكم التخلف أنه حرام، لأنه خلاف أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: ((إذا ركع فأركعوا، وإذا سجد فأسجدوا)) . فإن الفاء في قوله ((فأركعوا)) وقوله: ((فاسجدوا)) تدل على التعقيب، أي على أن فعل المأموم يقع عقب فعل الإمام لأن قوله: ((فاركعوا فاسجدوا)) جواب الشرط، وجواب الشرط يلي المشروط مباشرة ولا يجوز أن يتخلف عنه.
القسم الثالث: الموافق:
** بمعنى أن يشرع المأموم مع الإمام في أفعاله يركع معه، ويسجد معه ويقوم معه، وهذا أقل أحواله أن يكون مكروهاً، وتحتمل أن يكون محرماً لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد)).
** والأصل في النهي والتحريم، إلا الموافقة في تكبيرة الإحرام فإن أهل العلم يقولون إنه إذا وافقه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته فتكون باطلة، بل يجب أن ينتظر حتى يكمل الإمام تكبيرة الإحرام، ولا يجوز أن يشرع في تكبيرة الإحرام قبل أن يكمل الإمام تكبيرة الإحرام،
** ويستثنى أيضاً التسليم فإن بعض أهل العلم يقول إذا سلم الإمام التسليمة الأولى وهي التي على اليمين فللمأموم أن يسلم التسليمة الأولى وإن لم يسلم الإمام التسليمة الثانية، ثم يتابع التسليمة الثانية.
القسم الرابع: المتابعة:
** بأن يفعل المأموم ما فعله الإمام بعد الأمام مباشرة، بدون تخلف، وهذا هو الموافق للسنة ولأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، لأن صفة المؤمن إذا أمر الله ورسوله بأمر أن يقول سمعنا وأطعنا , كما قال الله تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) , كما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) . اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 5 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
122 أكثر أعمار الأمة المحمدية إلى سبعين سنة , وقليل من يزيد على ذلك , وذكر بعض المعمرين
سلسة الفوائد اليومية:
122 أكثر أعمار الأمة المحمدية إلى سبعين سنة , وقليل من يزيد على ذلك , وذكر بعض المعمرين
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ »[ رواه الترمذي وغيره , وصححه الشيخان ]
** وفي كتاب: (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح),للملا علي القاري (8/ 3303):
** أَيْ : نِهَايَةُ أَكْثَرِ أَعْمَارِ أُمَّتِي غَالِبًا مَا بَيْنَهُمَا ,
(وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ), أَيْ : السَّبْعِينَ فَيَصِلُ إِلَى الْمِائَةِ فَمَا فَوْقَهَا .
** وَأَكْثَرُ مَا اطَّلَعْنَا عَلَى طُولِ الْعُمُرِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ فِي الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ :
** سِنُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , فَإِنَّهُ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ .
** وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ , مَاتَتْ وَلَهَا مِائَةُ سَنَةٍ . وَلَمْ يَقَعْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ .
** وَأَزْيَدُ مِنْهُمَا عُمُرُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ , مَاتَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً عَاشَ , مِنْهَا سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ .
** وَأَكْثَرُ مِنْهُ عُمُرًا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ , فَقِيلَ : عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً .
** وَقِيلَ : ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً , وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ،
** ثُمَّ مِنْ تَارِيخِ مَوْتِهِ يُفْهَمُ أَنَّهُ عَاشَ فِي الْإِسْلَامِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ،
** وَقَدْ أَدْرَكْنَا سَيِّدَنَا السَّيِّدَ زَكَرِيَّا وَسَمِعْنَا مِنْهُ أَنَّ عُمُرَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . اهـ
** وفي كتاب: (مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني), للمناوي (2/ 6)
(أعمار أمتي) أمة الدعوة لا أمة الإجابة كما هو بين ولكل مقام مقال .
(ما بين الستين) من السنين (إلى السبعين) أي ما بين الستين والسبعين.
** وإنما عبر بـ(إلى) التي للانتهاء , ولم يقل :(والسبعين) الذي هي حق التعبير ؛ ليبين أنها لا تدخل إلا على متعدد ؛ لأن التقدير :(ما بين الستين وفوقها إلى السبعين) فـ(إلى) غاية الفوقية لدلالة الكلام عليه .
** وقال بعضهم : معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين وانتهاؤه سبعون.
(وأقلهم من يجوز ذلك) قال الطيبي: هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال ؛ فإن منهم من لم يبلغ ستين .
** وهذا من رحمة اللّه بهذه الأمة ورفقه بهم , أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلاً ؛
** فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك , كان أحدهم يعمر ألف سنة , وطوله ثمانون ذراعاً وأكثر وأقل ,
** وحبة القمح ككلوة البقرة .
** والرمانة يحملها عشرة , فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد وفي تلك الأعمار فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن اللّه {فصب عليهم ربك سوط عذاب} ,
** فلم يزل الخلق ينقصون خلقاً ورزقاً وأجلاً إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم يأخذون أرزاقاً قليلة بأبدان ضعيفة في مدة قصيرة كيلا يبطروا فذلك رحمة بهم .
** قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ :
** الْأَسْنَانُ أَرْبَعَةٌ : سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ , ثُمَّ الشَّبَابِ , ثُمَّ الْكُهُولَةِ , ثُمَّ الشَّيْخُوخَةِ ,
** وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ , وَغَالِبُ مَا يَكُونُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ .
** فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنَ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ . اهـ
** وفي كتاب :(التنوير شرح الجامع الصغير), الصنعاني (2/ 513):
** (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين) ينتهي في هذه العشر التي سمتها العرب وفاقة الرقاب كما قيل:
وإن امرأ قد صار ستين حجة إلى منهل من ورده لقريب
** ولذا ورد أنه قد أعذر الله من بلغ هذه السن،
** وروي أنها المراد من قوله {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّر} [فاطر: 37]
** وفائدة الإخبار بهذا حث من بلغ إليها أن يتزود للمعاد ويقطع عن الدنيا علائق كل مراد،
** وفيه رد لمن يدعي إثبات العمر الطبيعي الذي لا دليل عليه.
** (وأقلهم من يجوز) تجاوز (ذلك). اهـ
** (قلت): العمر الطبيعي للإنسان الذي ادعاه بعض الفقهاء والأطباء هو مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً .
** قال ابن كثير في تفسيره / ط العلمية (6/ 492):
** وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً،
** فَالْإِنْسَانُ لَا يَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ إِلَى كَمَالِ السِّتِّينَ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ هَذَا فِي النَّقْصِ وَالْهَرَمِ، كَمَا قَالَ الشاعر [الوافر] :
إِذَا بَلَغَ الْفَتَى سِتِّينَ عَامًا
فَقَدْ ذَهَبَ الْمَسَرَّةُ وَالْفَتَاءُ . اهـ المراد
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 2 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
121 فضائل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد
سلسة الفوائد اليومية:
121 فضائل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد
** ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه القيم :(فتح الباري) (2/ 133) أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بأكثر من عشرين خصلة .
** فقال رحمه الله :
** وَقَدْ نَقَّحْتُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَحَذَفْتُ مَا لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ .
** فَأَوَّلُهَا : إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ .
** وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ .
** وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسْجِدِ بِالسَّكِينَةِ .
** وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ دَاعِيًا .
** وَصَلَاةُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ دُخُولِهِ كُلُّ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ .
** سَادِسُهَا : انْتِظَارُ الْجَمَاعَةِ .
** سَابِعُهَا : صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ .
** ثَامِنُهَا : شَهَادَتُهُمْ لَهُ .
** تَاسِعُهَا : إِجَابَةُ الْإِقَامَةِ .
** عَاشِرُهَا : السَّلَامَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ حِينَ يَفِرُّ عِنْدَ الْإِقَامَةِ .
** حَادِيَ عَاشِرَهَا : الْوُقُوفُ مُنْتَظِرًا إِحْرَامَ الْإِمَامِ أَوِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِي أَي هَيْئَة وجده عَلَيْهَا .
** ثَانِيَ عَشَرَهَا : إِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَذَلِكَ .
** ثَالِثَ عَشَرَهَا : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَسَدُّ فُرَجِهَا .
** رَابِعَ عَشَرَهَا : جَوَابُ الْإِمَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
** خَامِسَ عَشَرَهَا : الْأَمْنُ مِنَ السَّهْوِ غَالِبًا وَتَنْبِيهُ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا بِالتَّسْبِيحِ أَوِ الْفَتْحِ عَلَيْهِ .
** سَادِسَ عَشَرَهَا : حُصُولُ الْخُشُوعِ وَالسَّلَامَةِ عَمَّا يُلْهِي غَالِبًا .
** سَابِعَ عَشَرَهَا : تَحْسِينُ الْهَيْئَةِ غَالِبًا .
** ثَامِنَ عَشَرَهَا : احْتِفَافُ الْمَلَائِكَةِ بِهِ .
** تَاسِعَ عَشَرَهَا : التَّدَرُّبُ عَلَى تَجْوِيدِ الْقِرَاءَةِ وَتَعَلُّمِ الْأَرْكَانِ وَالْأَبْعَاضِ
** الْعِشْرُونَ : إِظْهَارُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ .
** الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : إرغام الشَّيْطَان بالاجتماع على الْعِبَادَة والتعاون على الطاعة وَنَشَاطِ الْمُتَكَاسِلِ .
** الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : السَّلَامَةُ مِنْ صِفَةِ النِّفَاقِ وَمِنْ إِسَاءَةِ غَيْرِهِ الظَّنَّ بِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ رَأْسًا .
** الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ : رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ .
** الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الِانْتِفَاعُ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَعَوْدُ بَرَكَةِ الْكَامِلِ عَلَى النَّاقِصِ .
** الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ : قِيَامُ نِظَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْجِيرَانِ وَحُصُولُ تَعَاهُدِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ .
** فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ خَصْلَةً , وَرَدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَمْرٌ أَوْ تَرْغِيبٌ يَخُصُّهُ .
** وَبَقِيَ مِنْهَا أَمْرَانِ يَخْتَصَّانِ بِالْجَهْرِيَّةِ وَهُمَا : الْإِنْصَاتُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعُ لَهَا , وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ تَأْمِينِهِ لِيُوَافِقَ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ , وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ أَنَّ السَّبْعَ تَخْتَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 1 / 11/ 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
================
120 من فوارس الإسلام الذين يضرب بهم المثل في الشجاعة : أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيّ , شيخ الإمام البُخَارِيُّ
سلسة الفوائد اليومية:
120 من فوارس الإسلام الذين يضرب بهم المثل في الشجاعة : أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيّ , شيخ الإمام البُخَارِيُّ
** وفي سير أعلام النبلاء / ط الرسالة (13/ 37)
22 – أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ أَبُو إِسْحَاقَ * (خَ (1))
** الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، المُجَاهِدُ، فَارِسُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ: مِنْ أَهْلِ سُرْمَارَى، مِنْ قُرَى بُخَارَى.
** سَمِعَ: مَنْ يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَطَبَقَتِهِم.
** حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ فِي (صَحِيْحِهِ) ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدَكَ، وَآخَرُوْنَ.
** وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ، وَبِشَجَاعَتِهِ يُضْرَبُ المَثَلُ.
** قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَفَّانَ البَزَّازُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، فَجَرَى ذِكْرُ أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ، فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَحِيْدُ رَئِيْسُ المُطَّوِّعَةِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ وَدَخَلَ عَلَى البُخَارِيِّ، وَسَأَلَهُ.
فَقَالَ: مَا كَذَا قُلْتُ: بَلْ: مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ الجَاهِلِيَّةِ مِثْلُهُ.
سَمِعَهَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ مِنِ ابْنِ عَفَّانَ.
** قَالَ أَبُو صَفْوَانَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْماً، وَهُوَ يَأْكُلُ وَحَدَهُ، فَرَأَيتُ فِي مَائِدتِهِ عُصْفُوراً يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآنِي طَارَ.
** وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: يَنْبَغِي لِقَائِدِ الغُزَاةِ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ يَكُوْنَ فِي قَلْبِ الأَسَدِ لاَ يَجْبُنُ، وَفِي كِبْرِ النَّمِرِ لاَ يَتَوَاضَعُ، وَفِي شَجَاعَةِ الدُّبِّ يَقْتُلُ بِجَوَارِحِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَمْلَةِ الخِنْزِيرِ لاَ يُوَلِّي دُبُرَهُ، وَفِي غَارَةِ الذِّئْبِ إِذَا أَيِسَ مِنْ وَجْهٍ أَغَارَ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَمْلِ السِّلاَحِ كَالنَّمْلَةِ تَحْمِلُ أَكثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَفِي الثَّبَاتِ كَالصَّخْرِ، وَفِي الصَّبْرِ كَالحِمَارِ، وَفِي الوَقَاحَةِ كَالكَلْبِ لَوْ دَخَلَ صَيْدُهُ النَّارَ لَدَخَلَ خَلْفَهُ، وَفِي التِمَاسِ الفُرْصَةِ كَالدِّيْكِ.
** غُنْجَارُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ المُطَّوِّعِيَّ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُكَاتِبُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيَّ، فَكَتَبَ إلِيَّ: إِذَا أَرَدْتَ الخُرُوجَ إِلَى بلاَدِ الغُزَيَّةِ فِي شِرَاءِ الأَسْرَى، فَاكْتُبْ إلِيَّ.
** فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَقَدِمَ سَمَرْقَنْدَ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا عَلِمَ جَعْبَوَيْه، اسْتَقْبَلَنَا فِي عِدَّةٍ مِنْ جُيُوْشِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ، فَعَرَضَ يَوْماً جَيْشَهُ، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَعَظَّمَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَسَأَلنِي عَنْهُ السُّرْمَارِيُّ، فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ مُبَارِزٌ، يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ.
** قَالَ: أَنَا أُبَارِزُهُ.
** فَسَكَتُّ، فَقَالَ جَعْبَوَيْه: مَا يَقُوْلُ هَذَا؟
** قُلْتُ: يَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا.
** قَالَ: لَعَلَّهُ سَكْرَانُ لاَ يَشْعُرُ، وَلَكِنْ غَداً نَرْكَبُ.
** فَلَمَّا كَانَ الغَدُ رَكِبُوا، فَرَكِبَ السُّرْمَارِيُّ مَعَهُ عَمُوْدٌ فِي كُمِّهِ، فَقَامَ بإِزَاءِ المُبَارِزِ، فَقَصَدَهُ، فَهَرَبَ أَحْمَدُ حَتَّى بَاعَدَهُ مِنَ الجَيْشِ، ثُمَّ كَرَّ، وَضَرَبَهُ بِالعَمُوْدِ قَتَلَهُ، وَتَبِعَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، لأَنَّهُ كَانَ سَبَقَهُ، فَلَحِقَهُ،
** وَعَلِمَ جَعْبَوَيه، فَجَهَّزَ فِي طَلَبِهِ خَمْسِيْنَ فَارِساً نَقَاوَةً، فأَدْرَكُوهُ، فَثَبَتَ تَحْتَ تَلٍّ مُخْتَفِياً، حَتَّى مَرُّوا كُلُّهُم، وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِعَمُودِهِ مِنْ وَرَائِهِم، إِلَى أَنْ قَتَلَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِيْنَ، وَأَمْسَكَ وَاحِداً، قَطَعَ أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ لِيُخْبِرَ،
** ثُمَّ بَعْدَ عَامَيْن تُوُفِّيَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ ابْنُ شَمَّاسٍ فِي الفِدَاءِ، فَقَالَ لَهُ جَعْبَوَيْه: مَنْ ذَاكَ الَّذِي قَتَلَ فُرْسَانَنَا ؟
** قَالَ: ذَاكَ أَحْمَدُ السُّرْمَارِيُّ.
** قَالَ: فَلِمَ لَمْ تَحْمِلْهُ مَعَكَ؟
** قُلْتُ: تُوُفِّيَ، فَصَكَّ فِي وَجْهِي، وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمْتَنِي أَنَّهُ هُوَ لَكُنْتُ أُعْطِيْهِ خَمْسَ مائَةَ بِرْذَوْنٍ (1) ، وَعَشْرَةَ آلاَفِ شَاةٍ.
وَعَنْ بَكْرِ بنِ مُنِيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ السُّرْمَارِيَّ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، ضَخْماً، مَاتَ بِقَرْيَتِهِ، فَبَلَغَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ إِلَيْهَا عَشْرَةَ دَرَاهِم،
** وَخَلَّفَ دُيُوْناً كَثِيْرَةً، فَكَانَ غُرَمَاؤُهُ، رُبَّمَا يَشْتَرُوْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ حُزْمَةَ القَصَبِ بخَمْسِيْنَ دِرْهَماً، إِلَى مائَةٍ، حُبّاً لَهُ، فَمَا رَجَعُوا حَتَّى قُضَيَ دَيْنُهُ.
** عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المُطَّوِّعِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ عَمُودُ المُطَّوِّعِيِّ السُّرْمَارِيِّ وَزْنَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَنّاً (2) ، فَلَمَّا شَاخَ جَعَلَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مَنّاً، وَكَانَ بِهِ يُقَاتِلُ.
** قَالَ غُنْجَارُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خَالِدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
سَمِعْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ وَاصِلٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ السُّرْمَارِيَّ يَقُوْلُ، وَأَخْرَجَ سَيْفَهُ، فَقَالَ: أَعْلَمُ يَقِيْناً أَنِّي قَتَلْتُ بِهِ أَلْفَ تُرْكِيٍّ،
** وَإِنْ عِشْتُ قَتَلْتُ بِهِ أَلْفاً أُخرَى،
** وَلَوْلاَ خُوْفِي أَنْ يَكُوْنَ بِدْعَةً لأَمَرْتُ أَنْ يُدْفَنَ مَعِي (3) .
** وَعَنْ مَحْمُوْدِ بنِ سَهْلٍ الكَاتِبِ، قَالَ: كَانُوا فِي بَعْضِ الحُرُوبِ يُحَاصِرُوْنَ مَكَاناً، وَرَئِيْسُ العَدُوِّ قَاعِدٌ عَلَى صُفَّةٍ (4) ، فَرَمَى السُّرْمَارِيُّ سَهْماً، فَغَرَزَهُ فِي الصُّفَّةِ، فَأَوْمَأَ الرَّئيسُ لِيَنْزِعَهُ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ خَاطَ يَدَهُ، فَتَطَاوَلَ الكَافِرُ لِيَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ ثَالثٍ فِي نَحْرِهِ، فَانْهَزَمَ العَدُوُّ، وَكَانَ الفَتْحُ.
** قُلْتُ: أَخْبَارُ هَذَا الغَازِي تَسُرُّ قَلْبَ المُسْلِمِ.
** قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (5) – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ فَرْطِ شَجَاعَتِهِ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ العُبَّادِ.
** قَالَ وَلَدُهُ أَبُو صَفْوَانَ: وَهَبَ المَأْمُوْنُ لأَبِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَعَشْرَةَ أَفْرَاسٍ، وَجَارِيَةً، فَلَمْ يَقْبَلْهَا. اهـ
____
(1) البرذون: ضرب من الدواب، يخالف الخيل العراب، عظيم الخلقة، غليظ الاعضاء.
(2) المن: زنة رطلين.
(3) انظر: تهذيب التهذيب: 1 / 14.
(4) الصفة: الظلة، والبهو الواسع العالي السقف.
(5) وذكر الصفدي وفاته في حدود سنة (250) . انظر: الوافي بالوفيات: 6 / 241.
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 28 / 10 / 1440 هـ
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
===============
119 ليس للعبد غنى عن الله طرفة عين ولا أقل من ذلك
سلسة الفوائد اليومية:
119 ليس للعبد غنى عن الله طرفة عين ولا أقل من ذلك
** قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
** وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}
** قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: (تيسير الكريم الرحمن) (ص: 687):
** يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
** فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
** فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم [بها] ، لما استعدوا لأي عمل كان.
** فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
** فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
** فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
** فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
** فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
** فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا،
** ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
** {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال.
** ومن غناه تعالى، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة،
** {الحميد} في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى،
وأوصافه، لكونها عليا،
وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة،
وفي أوامره ونواهيه،
فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه،
وهو الحميد في غناه [الغني في حمده] .اهـ
** وعَنِ الْبَرَاء بْن عَازِبٍ – رضى الله عنهما – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: « إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلِ: . . . لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ . . .» متفق عليه
** وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « . . . يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ،
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ،
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ،. . . » رواه مسلم .
** قال ابن القيم- رحمه الله – في كتابه:(مدارج السالكين), (3/ 156):
** ” فِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ.
** وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ.
** وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ.
** وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ.
** وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ.
** وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ.
** وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا. “. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 26/ 10 / 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
118 ذكر بعض صفات قائد الجند فِي الْحُرُوبِ
سلسة الفوائد اليومية:
118 ذكر بعض صفات قائد الجند فِي الْحُرُوبِ
118 ذكر بعض صفات قائد الجند فِي الْحُرُوبِ
قال الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، المُجَاهِدُ، فَارِسُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيّ البُخَارِيُّ رحمه الله تعالى , كما في ترجمته من كتاب : (سير أعلام النبلاء), (13/ 37) / ط الرسالة :
** يَنْبَغِي لِقَائِدِ الغُزَاةِ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ عَشْرُ خِصَالٍ:
** أَنْ يَكُوْنَ فِي قَلْبِ الأَسَدِ لاَ يَجْبُنُ .
** وَفِي كِبْرِ النَّمِرِ لاَ يَتَوَاضَعُ [ للِعَدُوِّ ] .
** وَفِي شَجَاعَةِ الدُّبِّ يَقْتُلُ بِجَوَارِحِهِ كُلِّهَا .
** وَفِي حَمْلَةِ الخِنْزِيرِ لاَ يُوَلِّي دُبُرَهُ ، [ إِذَا حُمِلَ ] .
** وَفِي غَارَةِ الذِّئْبِ إِذَا أَيِسَ مِنْ وَجْهٍ أَغَارَ مِنْ وَجْهٍ [ آخَرَ ] .
** وَفِي حَمْلِ السِّلاَحِ [ الثقيل ] كَالنَّمْلَةِ تَحْمِلُ أَكثَرَ مِنْ وَزْنِهَا .
** وَفِي الثَّبَاتِ كَالصَّخْرِ [ لَا يَزُولُ عنْ مَكَانِهِ ] .
** وَفِي الصَّبْرِ كَالحِمَارِ [ إِذَا أثقله ضرب السيوف، وطعن الرماح، ونصول السهام ] .
** وَفِي الوَقَاحَةِ كَالكَلْبِ لَوْ دَخَلَ صَيْدُهُ النَّارَ لَدَخَلَ خَلْفَهُ .
** وَفِي التِمَاسِ الفُرْصَةِ كَالدِّيْكِ . اهـ بزيادة ما بين المعكوفين من
كتاب :(حياة الحيوان الكبرى) للدميري (2/ 297)
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 4 / 3/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
117 من أكثر النعم التي فرط فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ
سلسة الفوائد اليومية:
117 من أكثر النعم التي فرط فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ
قال الله تعالى :{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
** وقال تعالى :{ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
** وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ). رواه البخاري
** وفي (حاشية السندي على سنن ابن ماجه), (2/ 542):
** قَوْلُهُ: (مَغْبُونٌ فِيهِمَا) أَيْ: ذُو خُسْرَانٍ فِيهِمَا .
** قَالَ ابْنُ الْخَازِنِ : النِّعْمَةُ مَا يَتَنَعَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَسْتَلِذُّهُ .
** (وَالْغَبَنُ) : أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَضْعَافِ الثَّمَنِ، أَوْ يَبِيعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ،
** فَمَنْ صَحَّ بَدَنُهُ وَتَفَرَّغَ مِنَ الْأَشْغَالِ الْعَائِقَةِ وَلَمْ يَسْعَ لِصَلَاحِ آخِرَتِهِ فَهُوَ كَالْمَغْبُونِ فِي الْبَيْعِ . اهـ
** وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ غَالِبَ النَّاسِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ، بَلْ يَصْرِفُونَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَالِّهِمَا فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِمْ وَبِالاً بْعَدِ أنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ صَرَفُوهُ فِي مَحِلِّهِ لَكَانَ لَهُمْ خَيْرًا أَيَّ خَيْر , فَكَانُوا يَتَبَدَّلُونَ بِذَلِكَ الْخَيْرِ هَذَا الْوَبَالَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ
** وفي كتاب : (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين),
لابن علان (2/ 313):
** و(نعمتان) مبتدأ , وخبره : (مغبون فيهما) من الغبن , وهو الشراء بأضعاف الثمن، أو البيع بدون ثمن المثل وهو وصف،
و: (كثير من الناس) نائب فاعله .
** أو مبتدأ , وخبره (مغبون) و(فيهما) ظرف لغو،
** والجملة الخبر،
** والرابط ضمير الوصف ,
** وأفرد باعتبار لفظ : (كثير) .
** (الصحة والفراغ) بدلان من :(نعمتان) بدل مفصل من مجمل.
** شبه (المكلف) بالتاجر , و(الصحة) : أي في البدن، و(الفراغ): أي من العوائق عن الطاعة برأس المال ؛ لأنهما من أسباب الأرباح ومقدمات نيل النجاح،
** فمن عامل الله تعالى بامتثال أوامره وابتدر الصحة والفراغ يربح،
** ومن لا ضاع رأس ماله ولا ينفعه الندم .اهـ
** وفي كتاب (فتح الباري),لابن حجر (11/ 230) شرح أوسع لهذا الحديث فارجع إليه إن شئت :
** وفي كتاب ( الازدهار في ما عقده الشعراء من الأحاديث والآثار) , للسيوطي (ص: 5):
** أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن خلف بن المهلّب السختياني بالبصرة لنفسه:
أنْبَـأنـا خـيـرُ بـني آدمٍ
وما على أحمد إلاَّ البلاغْ
الناسُ مغبونون في نعمتَيْ
صـحة أبدانهم والفراغْ
** أخرجه ابن النجّار في تاريخ بغداد من طريق ابن روزبة أنه قرئ عليه هذا في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. اهـ المراد
** وفي كتاب (جامع العلوم والحكم) ت الأرنؤوط (2/ 387) :
** وَمِمَّا أَنْشَدَ بَعْضُ السَّلَفِ:
إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا
وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا
فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ.
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 3 / 3/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=================
116 الشتاء غنيمة المؤمن , نهاره قصيرٌ فيصومه، وليله طويل فيقومه
سلسة الفوائد اليومية:
116 الشتاء غنيمة المؤمن , نهاره قصيرٌ فيصومه، وليله طويل فيقومه
** قال تعالى : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) )
** وعَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ.
** رواه الترمذي في سننه برقم (797 ) ( 2/ 154) وقال : هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَالِدُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ القُرَشِيِّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ. اهـ
** وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع برقم : (3943) ,
** ثم حسنه في الصحيحة برقم: (1922) ببعض الشواهد .
** وفي كتاب : (تحفة الأحوذي), للمباركفورى (3/ 427):
** (عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ) بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ , يُقَالُ : لَهُ صُحْبَةٌ , وذكره بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .
** قَوْلُهُ (الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ) لِوُجُودِ الثَّوَابِ بِلَا تَعَبٍ كَثِيرٍ وَفِي الْفَائِقِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ هِيَ الَّتِي تَجِيءُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْطَلِيَ دُونَهَا بِنَارِ الْحَرْبِ وَيُبَاشِرُ حَرَّ الْقِتَالِ فِي الْبَلَاءِ .
** وَقِيلَ : هِيَ الْهَيْئَةُ الطَّيِّبَةُ , مأخوذة مِنَ الْعَيْشِ الْبَارِدِ ,
** وَالْأَصْلُ فِي وُقُوعِ الْبَرْدِ عِبَارَةٌ عَنِ الطِّيبِ وَالْهَنَاءَةِ أَنَّ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ لما كان طيبهما ببردهما خصوصا في بلاد الحارة قيل : ماء بارد وهواء بارد على طَرِيقِ الِاسْتِطَابَةِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ : عَيْشٌ بَارِدٌ , وَغَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ , وَبَرَدَ أَمْرُنَا .
** قَالَ الطِّيبِيُّ : وَالتَّرْكِيبُ مِنْ قَلْبِ التَّشْبِيهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ : الصَّوْمِ فِي الشِّتَاءِ كَالْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ ,
** وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَنْ يَلْحَقَ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ كَمَا يُقَالُ : زَيْدٌ كَالْأَسَدِ , فَإِذَا عُكِسَ وَقِيلَ : الْأَسَدُ كَزَيْدٍ , يُجْعَلُ الْأَصْلُ كَالْفَرْعِ وَالْفَرْعُ كَالْأَصْلِ يَبْلُغُ التَّشْبِيهُ إِلَى الدَّرَجَةِ الْقُصْوَى فِي الْمُبَالَغَةِ ,
** وَالْمَعْنَى : أَنَّ الصائم يحوز الْأَجْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ حَرُّ الْعَطَشِ أَوْ يُصِيبَهُ أَلَمُ الْجُوعِ مِنْ طُولِ الْيَوْمِ . انْتَهَى
** وقال ابن رجب رحمه الله في كتابه :(لطائف المعارف), (ص: 326):
(المجلس الثالث في ذكر فصل الشتاء).
** خرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الشتاء ربيع المؤمن”
** وخرجه البيهقي وغيره وزاد فيه: “طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه”
** إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات ؛
** فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام
** وفي المسند والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة”
** وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى فيقول: الصيام في الشتاء ومعنى كونها غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة.
** وأما قيام ليل الشتاء فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن وقد أخذت نفسه حظها من النوم فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه.
** ومن كلام يحيى بن معاذ : الليل طويل فلا تقصره بمنامك , والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك .
** بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره وحره يغلب النوم فيه فلا تكاد تأخذ النفس حظها بدون نومه كله فيحتاج القيام فيه إلى مجاهدة وقد لا يتمكن فيه لقصره من الفراغ من ورده من القرآن .
** ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام .
** وروي عنه مرفوعا ولا يصح رفعه .
** وعن الحسن قال: نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه
** وعن عبيد بن عمير : أنه كان إذا جاء الشتاء قال: يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرأوا , وقصر النهار لصيامكم فصوموا.
** قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ؛ ولهذا بكى معاذ عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر .
** وقال معضد: لولا ثلاث : ظمأ الهواجر , وقيام ليل الشتاء , ولذاذة التهجد بكتاب الله , ما بليت أن أكون يعسوبا .
** القيام في ليل الشتاء يشق على النفوس من وجهين:
** أحدهما : من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد .
قال داود بن رشيد: قام بعض إخواني إلى ورده بالليل في ليلة شديدة البرد فكان عليه خلقان فضربه البرد فبكى , فهتف به هاتف : أقمناك وأنمناهم وتبكي علينا خرجه أبو نعيم.
** والثاني: بما يحصل بإسباغ الوضوء في شدة البرد من التألم .
** وإسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال .
** وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات”؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: “إسباغ الوضوء على الكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط” . . . الخ . اهـ المراد
(تنبيه): حديث :(الشتاء ربيع المؤمن) ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم: (7172)
** وفي كتاب ( فتح الباري ) , لابن حجر (1/ 481) :
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه من شعره [ يعني البخاري ] قَوْله :
اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ
فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ
كَمْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ
ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ
** وفي كتاب :(تفسير القرطبي), (5/ 384)
** وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا
فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ
وَلَا تَغْفُلْ عَنِ الْإِحْسَانِ فِيهَا
فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 29 / 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=================
115 من طبيعة الإنسان التضجر من حاله ولو كان هذا الحال طيبا, فلا يشكر عند السراء ولا يصبر عند الضراء إلا المؤمن
سلسة الفوائد اليومية:
115 من طبيعة الإنسان التضجر من حاله ولو كان هذا الحال طيبا, فلا يشكر عند السراء ولا يصبر عند الضراء إلا المؤمن
** قال تعالى :{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)}
وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 280):
** يَقُولُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي إِنْزَالِي عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، طَعَامًا طَيِّبًا نَافِعًا هَنِيئًا سَهْلًا وَاذْكُرُوا دَبَرَكم وَضَجَرَكُمْ مِمَّا رزَقتكم وَسُؤَالَكُمْ مُوسَى اسْتِبْدَالَ ذَلِكَ بِالْأَطْعِمَةِ الدَّنِيَّةِ مِنَ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا سَأَلْتُمْ.
** وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَبَطَرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا عَيْشَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَكَانُوا قَوْمًا أَهْلَ أَعْدَاسٍ وَبَصَلٍ وَبَقْلٍ وَفُومٍ، فَقَالُوا: {يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [وَهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، لِأَنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ وَلَا يَتَغَيَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ كَأَكْلٍ وَاحِدٍ]. فَالْبُقُولُ وَالْقِثَّاءُ وَالْعَدَسُ وَالْبَصَلُ كُلُّهَا مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا “الْفُومُ” فَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَاهُ
. . .
** وَالْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي سَأَلْتُمْ لَيْسَ بِأَمْرٍ عَزِيزٍ، بَلْ هُوَ كَثِيرٌ فِي أَيِّ بَلَدٍ دَخَلْتُمُوهُ وَجَدْتُمُوهُ، فَلَيْسَ يُسَاوِي مَعَ دَنَاءَتِهِ وَكَثْرَتِهِ فِي الْأَمْصَارِ أَنْ أَسْأَلَ اللَّهَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} أَيْ: مَا طَلَبْتُمْ،
** وَلَمَّا كَانَ سُؤَالُهُمْ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ، لَمْ يُجَابُوا إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ
** وقال تعالى :{ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) }
** قال العلامة السعدي في تفسيره :(تيسير الكريم الرحمن),(ص: 887):
** وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.
** وفسر الهلوع بأنه: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
** {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء.
** {إِلا الْمُصَلِّينَ} الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. اهـ
** وعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ طَعَامًا فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فَوَجَدَهُ حَارًّا فَقَالَ:(حَسٍّ)
** وَقَالَ:(ابْنُ آدَمَ إِنَّ أَصَابَهُ بردٌ قَالَ: حَسٍّ وَإِنَّ أَصَابَهُ حرٌّ قَالَ: حَسٍّ)
رواه أحمد وغيره , [الألباني : صحيح]
* * وفي كتاب : (التنوير شرح الجامع الصغير) , للصنعاني (3/ 556):
** قوله :(إن أصابه حر قال: حس)
بالحاء المهملة المفتوحة والسين، وفي الشرح: المكسور والسين المهملة، كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه أو أحرقه غفلة كالجمرة أو الضربة، أفاده في النهاية .
** وليست هذه الكلمة باسم ولا فعل بل صوت كالأنين الحادث عند المرض.
** وقوله : (وإن أصابه برد قال حس) أي فهو يتوجع من الأمرين الحر والبرد،
** وهو إعلام بأن هذا طبعه وليس فيه نهي إلا أن يدعي أن السياق يفيده
** كما قال من أشار إلى معناه:
يَتَمَنَّى الْمَرْءُ فِي الصَّيْفِ الشِّتَا
فَإِذَا جَاءَ الشِّتَا أَنْكَرَهُ
فَـهْوَ لَا يَرْضَى بِحَـالٍ وَاحِـدٍ
قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . اهـ بتصرف
** وقال محمود العقاد:
صغير يطلب الكبرا
وشيخ ” ودّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملاً
وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب
وفي تعب من افتقرا
ويشقى المرء منهزما
ولا يرتاح منتصرا
ويبغى المجد في لهف
فإن يظفر به فترا . اهـ
** وعَنْ أبي يحيى صُهَيْبٍ بن سنانٍ – رضي الله عنه -، ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم.
** وفي كتاب : (التنوير شرح الجامع الصغير), للصنعاني (7/ 204):
** (إن أصابته سراء) يسر به ونعمة حادثة. (شكر فكان) الشكر، (خيراً له) لما فيه من الأجر.
** (وإن أصابته ضراء صبر فكان) الصبر، (خيراً له) لأنه يحوز أجر الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب فكان أمره كله خير،
** هذا إن عمل بحق الإيمان فشكر وصبر وإلا كان أمره كله شرًّا له إن لم يشكر ولم يصبر. اهـ باختصار
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 267/ 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=================
114 ذكر بعض آداب الكلام
سلسة الفوائد اليومية:
114 ذكر بعض آداب الكلام
** قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد الماوردي في كتابه : (أدب الدنيا والدين), (ص: 282):
** وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْكَلَامِ آدَابًا إنْ أَغْفَلَهَا الْمُتَكَلِّمُ أَذْهَبَ رَوْنَقَ كَلَامِهِ، وَطَمَسَ بَهْجَةَ بَيَانِهِ، وَلَهَا النَّاسَ عَنْ مَحَاسِنِ فَضْلِهِ بِمُسَاوِي أَدَبِهِ، فَعَدَلُوا عَنْ مَنَاقِبِهِ بِذِكْرِ مَثَالِبِهِ.
** فَمِنْ آدَابِهِ: أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ فِي مَدْحٍ وَلَا يُسْرِفَ فِي ذَمٍّ وَإِنْ كَانَتْ النَّزَاهَةُ عَنْ الذَّمِّ كَرَمًا وَالتَّجَاوُزُ فِي الْمَدْحِ مَلَقًا يَصْدُرُ عَنْ مَهَانَةٍ.
وَالسَّرَفُ فِي الذَّمِّ انْتِقَامٌ يَصْدُرُ عَنْ شَرٍّ، وَكِلَاهُمَا شَيْنٌ وَإِنْ سَلِمَ مِنْ الْكَذِبِ.
** عَلَى أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْكَذِبِ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مُتَعَذِّرَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا مَدَحَ تَقَرُّبًا وَذَمَّ تَحَنُّقًا.
** وَحُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: سَهِرْت لَيْلَتِي أُفَكِّرُ فِي كَلِمَةٍ أُرْضِي بِهَا سُلْطَانِي وَلَا أُسْخِطُ بِهَا رَبِّي فَمَا وَجَدْتهَا.
** وَسَمِعَ ابْنُ الرُّومِيِّ رَجُلًا يَصِفُ رَجُلًا وَيُبَالِغُ فِي مَدْحِهِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
إذَا مَا وَصَفْتَ امْرَأً لِامْرِئٍ
فَلَا تَغْلُ فِي وَصْفِهِ وَاقْصِدِ
فَإِنَّك إنْ تَغْلُ تَغْلُ الظُّنُونُ
فِيهِ إلَى الْأَمَدِ الْأَبْعَدِ
فَيَضْأَلُ مِنْ حَيْثُ عَظَّمْتَهُ
لِفَضْلِ الْمَغِيبِ عَلَى الْمَشْهَدِ
** وَمِنْ آدَابِهِ: أَنْ لَا تَبْعَثَهُ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ فِي وَعْدٍ أَوْ وَعِيدٍ يَعْجِزُ عَنْهُمَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِمَا. فَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ بِهِمَا لِسَانَهُ وَأَرْسَلَ فِيهِمَا عِنَانَهُ، وَلَمْ يَسْتَثْقِلْ مِنْ الْقَوْلِ مَا يَسْتَثْقِلُهُ مِنْ الْعَمَلِ، صَارَ وَعْدُهُ نَكْثًا وَوَعِيدُهُ عَجْزًا.
** وَمِنْ آدَابِهِ: إنْ قَالَ قَوْلًا حَقَّقَهُ بِفِعْلِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ صَدَّقَهُ فَعَمِلَهُ، فَإِنَّ إرْسَالَ الْقَوْلِ اخْتِيَارٌ، وَالْعَمَلَ بِهِ اضْطِرَارٌ. وَلَئِنْ يَفْعَلَ مَا لَمْ يَقُلْ أَجْمَلُ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَفْعَلْ.
** وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَحْسَنُ الْكَلَامِ مَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكَلَامِ أَيْ يَكْتَفِي بِالْفِعْلِ مِنْ الْقَوْلِ.
** وَقَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ:
الْقَوْلُ مَـا صَدَّقَهُ الْفِعْلُ
وَالْفِعْلُ مَا وَكَّدَهُ الْعَقْلُ
لَا يَثْبُتُ الْقَوْلُ إذَا لَمْ يَكُنْ
يُقِلُّهُ مِنْ تَحْتِهِ الْأَصْلُ
** وَمِنْ آدَابِهِ: أَنْ يُرَاعِيَ مَخَارِجَ كَلَامِهِ بِحَسَبِ مَقَاصِدِهِ وَأَغْرَاضِهِ فَإِنْ كَانَ تَرْغِيبًا قَرَنَهُ بِاللِّينِ وَاللُّطْفِ، وَإِنْ كَانَ تَرْهِيبًا خَلَطَهُ بِالْخُشُونَةِ وَالْعُنْفِ، فَإِنَّ لِينَ اللَّفْظِ فِي التَّرْهِيبِ وَخُشُونَتُهُ فِي التَّرْغِيبِ خُرُوجٌ عَنْ مَوْضِعِهِمَا وَتَعْطِيلٌ لِلْمَقْصُودِ بِهِمَا، فَيَصِيرُ الْكَلَامُ لَغْوًا وَالْغَرَضُ الْمَقْصُودُ لَهْوًا. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إنْ كُنْت فِي قَوْمٍ فَلَا تَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ مَنْ هُوَ فَوْقَك فَيَمْقُتُوك، وَلَا بِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُونَك فَيَزْدَرُوك.
** وَمِنْ آدَابِهِ: أَنْ لَا يَرْفَعَ بِكَلَامِهِ صَوْتًا مُسْتَنْكَرًا وَلَا يَنْزَعِجَ لَهُ انْزِعَاجًا مُسْتَهْجَنًا، وَلْيَكُفَّ عَنْ حَرَكَةٍ تَكُونُ طَيْشًا وَعَنْ حَرَكَةٍ تَكُونُ عِيًّا، فَإِنَّ نَقْصَ الطَّيْشِ أَكْثَرُ مِنْ فَضْلِ الْبَلَاغَةِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ: أَخَطِيبٌ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَوْلَا أَنَّك تُكْثِرُ الرَّدَّ، وَتُشِيرُ بِالْيَدِ، وَتَقُولُ أَمَّا بَعْدُ.
** وَمِنْ آدَابِهِ: أَنْ يَتَجَافَى هَجَرَ الْقَوْلِ وَمُسْتَقْبَحَ الْكَلَامِ، وَلْيَعْدِلْ إلَى الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَقْبَحُ صَرِيحُهُ وَيُسْتَهْجَنُ فَصِيحُهُ؛ لِيَبْلُغَ الْغَرَضَ وَلِسَانُهُ نَزِهٌ وَأَدَبُهُ مَصُونٌ.
** وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.
قَالَ: كَانُوا إذَا ذَكَرُوا الْفُرُوجَ كَنَّوْا عَنْهَا.
** وَكَمَا أَنَّهُ يَصُونُ لِسَانَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهَكَذَا يَصُونُ عَنْهُ سَمْعَهُ، فَلَا يَسْمَعُ خَنَاءً وَلَا يُصْغِي إلَى فُحْشٍ فَإِنَّ سَمَاعَ الْفُحْشِ دَاعٍ إلَى إظْهَارِهِ، وَذَرِيعَةٌ إلَى إنْكَارِهِ.
** وَإِذَا وَجَدَ عَنْ الْفُحْشِ مَعْرِضًا كَفَّ قَائِلُهُ وَكَانَ إعْرَاضُهُ أَحَدَ النَّكِيرَيْنِ، كَمَا أَنَّ سَمَاعَهُ أَحَدُ الْبَاعِثَيْنِ.
** وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْحَارِثِ الْهَاشِمِيُّ:
تَحَرَّ مِنْ الطُّرُقِ أَوْسَاطَهَا
وَعُدْ عَـنْ الْمَـوْضِعِ الْمُشْتَبِهْ
وَسَمْعَك صُنْ عَنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ
كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنْ النُّطْقِ بِهِ
فَإِنَّك عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقَبِيحِ
شَرِيكٌ لِقَائِلِهِ فَانتَبِهْ
** وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَجْتَنِبَ أَمْثَالَ الْعَامَّةِ الْغَوْغَاءِ وَيَتَخَصَّصَ بِأَمْثَالِ الْعُلَمَاءِ الْأُدَبَاءِ فَإِنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ النَّاسِ أَمْثَالًا تُشَاكِلُهُمْ، فَلَا تَجِدْ لِسَاقِطٍ إلَّا مَثَلًا سَاقِطًا وَتَشْبِيهًا مُسْتَقْبَحًا.
** وَلِلسُّقَّاطِ أَمْثَالٌ فَمِنْهَا تَمَثُّلُهُمْ لِلشَّيْءِ الْمُرِيبِ، كَمَا قَالَ الصَّنَوْبَرِيُّ:
إذَا مَا كُنْتَ ذَا بَوْلٍ صَحِيحٍ … أَلَا فَاضْرِبْ بِهِ وَجْهَ الطَّبِيبِ
** وَلِذَلِكَ عِلَّتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْأَمْثَالَ مِنْ هَوَاجِسِ الْهِمَمِ وَخَطِرَاتِ النُّفُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ لِذِي الْهِمَّةِ السَّاقِطَةِ إلَّا مَثَلٌ مَرْذُولٌ، وَتَشْبِيهٌ مَعْلُولٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَمْثَالَ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَمَثِّلِينَ بِهَا، فَبِحَسَبِ مَا هُمْ عَلَيْهِ تَكُونُ أَمْثَالُهُمْ. فَلِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَمْثَالِ الْخَاصَّةِ وَأَمْثَالِ الْعَامَّةِ.
** وَرُبَّمَا أَلَّفَ الْمُتَخَصِّصُ مَثَلًا عَامِّيًّا أَوْ تَشْبِيهًا رَكِيكًا؛ لِكَثْرَةِ مَا يَطْرُقُ سَمْعَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَرَاذِلِ فَيَسْتَرْسِلُ فِي ضَرْبِهِ مَثَلًا فَيَصِيرُ بِهِ مَثَلًا،
** كَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ يَوْمًا عَنْ أَنْسَابِ بَعْضِ الْعَرَبِ فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: أَسْقَطَ اللَّهُ جَنْبَيْك أَتَخَاطَبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ؟ فَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، مَعَ قِلَّةِ عِلْمِهِ أَعْلَمَ بِمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْكَلَامِ فِي مُحَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْأَصْمَعِيِّ الَّذِي هُوَ وَاحِدُ عَصْرِهِ وَقَرِيعُ دَهْرِهِ.
** وَلِلْأَمْثَالِ مِنْ الْكَلَامِ مَوْقِعٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَتَأْثِيرٌ فِي الْقُلُوبِ لَا يَكَادُ الْكَلَامُ الْمُرْسَلُ يَبْلُغُ مَبْلَغَهَا، وَلَا يُؤَثِّرُ تَأْثِيرَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ بِهَا لَائِحَةٌ، وَالشَّوَاهِدَ بِهَا وَاضِحَةٌ، وَالنُّفُوسَ بِهَا وَامِقَةٌ، وَالْقُلُوبَ بِهَا وَاثِقَةٌ، وَالْعُقُولُ لَهَا مُوَافِقَةٌ. فَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ الْأَمْثَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَجَعَلَهَا مِنْ دَلَائِلِ رُسُلِهِ وَأَوْضَحَ بِهَا الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْعُقُولِ مَعْقُولَةٌ، وَفِي الْقُلُوبِ مَقْبُولَةٌ.
** وَلَهَا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: صِحَّةُ التَّشْبِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِهَا سَابِقًا وَالْكُلُّ عَلَيْهَا مُوَافِقًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسْرِعَ وُصُولُهَا لِلْفَهْمِ، وَيُعَجَّلَ تَصَوُّرُهَا فِي الْوَهْمِ، مِنْ غَيْرِ ارْتِيَاءٍ فِي اسْتِخْرَاجِهَا وَلَا كَدٍّ فِي اسْتِنْبَاطِهَا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تُنَاسِبَ حَالَ السَّامِعِ لِتَكُونَ أَبْلَغَ تَأْثِيرًا وَأَحْسَنَ مَوْقِعًا.
** فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ كَانَتْ زِينَةً لِلْكَلَامِ وَجَلَاءً لِلْمَعَانِي وَتَدَبُّرًا لِلْأَفْهَامِ . اهـ باختصار
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 26/ 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=================
113 ذكر أسماء المكثرين في رواية الحديث من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ممن روى فوق الألف.
سلسة الفوائد اليومية:
113 ذكر أسماء المكثرين في رواية الحديث من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ممن روى فوق الألف.
** الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الصحابة الأبرار – رضوان الله عليهم أجمعين –
** وهم : أبو هريرة , وابن عمر , وابن عباس , وأنس , وجابر , وأبو سعيد الخدري , وعائشة أم المؤمنين .
** وهؤلاء السبعة – بعد مجاوزتهم الألف – ما بين مقل ومكثر .
** فأولهم – وهو رئيسهم في الحفظ باتفاق – : أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه ,
روى من الأحاديث:(5374)، وقيل : (5472)
** قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (1/ 67):
** وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
** وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وسبعين حديثا.
** وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْقَدْرِ وَلَا مَا يُقَارِبهُ
** قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ .اهـ المراد
الثاني : أبوعبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما –
روي من الأحاديث ألفين وستمائة وثلاثين حديثا , (2630)
الثالث : أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري – رضي الله عنه –
روى من الأحاديث ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثا,(2286)
الرابع : عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق – رضي الله تعالى عنهما -،
روت من الأحاديث ألفين ومائتين وعشرة أحاديث ,(2210)
الخامس : أبو العباس عبد الله بن عبّاس – رضي الله تعالى عنهما -،
روي من الأحاديث ألفا وستمائة وستين حديثا,(1696)
السادس : أبو عبد الرحمن، أو أبو عبد الله، أو أبو محمَّد المدني، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنهما،
روي من الأحاديث ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا.,(1540)
السابع : أبو سعيد الخدريّ سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ،
روي من الأحاديث ألفا ومائة وسبعين حديثا ,(1170)
** وفي كتاب :(فتح المغيث بشرح ألفية الحديث), (4/ 102):[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ]
الرَّابِعَةُ: فِي الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِوَايَةً وَإِفْتَاءً.
** (وَالْمُكْثِرُونَ) مِنْهُمْ رِوَايَةً كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ، الَّذِينَ زَادَ حَدِيثُهُمْ عَلَى أَلْفٍ (سِتَّةُ) ، وَهُمْ:
** (أَنَسٌ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ،
** وَ(ابْنُ عُمَرَ) عَبْدُ اللَّهِ،
** وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ (الصِّدِّيقَةُ) ابْنَةُ الصِّدِّيقِ،
** وَ(الْبَحْرُ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ.
** وَسُمِّيَ بَحْرًا ; لِسَعَةِ عِلْمِهِ وَكَثْرَتِهِ،
** وَمِمَّنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ التَّابِعِينَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ، فَقَالَ فِي شَيْءٍ: وَأَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ، يُرِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
** وَ(جَابِرٌ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
** وَ(أَبُو هُرَيْرَةِ) ، وَهُوَ بِإِجْمَاعٍ حَسْبَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ (أَكْثَرُهُمْ) كَمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِتَرْتِيبِ مَنْ عَدَاهُ فِي الْأَكْثَرِيَّةِ.
** وَالَّذِي يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا نُسِبَ لِبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ مِمَّا أَوْدَعَهُ فِي مُسْنَدِهِ خَاصَّةً كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا لَا مُطْلَقًا ; فَإِنَّهُ رَوَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَسِتِّينَ،
** وَلِابْنِ عُمَرَ أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ،
** وَلِأَنَسٍ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَمَانِينَ،
** وَلَعَائِشَةَ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً،
** وَلِابْنِ عَبَّاسٍ ألْفًا وَسِتَّمِائَةٍ وَسِتِّينَ،
** وَلِجَابِرٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ.
** وَلَهُمْ سَابِعٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ كَثِيرٍ، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَرَوَى لَهُ بَقِيٌّ أَلْفًا وَمِائَةً وَسَبْعِينَ،
** وَقَدْ نَظَمَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ:
أَبُو سَعِيدٍ نِسْبَةً لِخُدْرَةِ * * * سَابِعُهُمْ أُهْمِلَ فِي الْقَصِيدَةِ. اهـ المراد
** وهؤلاء السبعة المكثرون قد جمعهم السيوطي رحمه الله في ألفيته في علوم الحديث / ت ماهر الفحل (ص: 108)، فقال:
661 – وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ:
أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَرْ
662 – وَأَنَسٌ وَالْبَحْرُ كَالْخُدْرِيِّ
وَجَابِرٌ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ .اهـ
** والبحر هو ابن عباس كما تقدم .
** وزوجة النبي هي عائشة رضي الله عن الصحابة أجمعين.
** وفي كتاب (منظومة مصباح الراوي في علم الحديث), (ص: 110):
** ونظمهم جميعا الجمال ابن ظهيرة في بيت فقال :
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا
من الحديث عن المختار خير مضر
أبو هريرة ، سعد، جابر، أنس
صديقة ، وابن عباس كذا ابن عمر .
** ونظمهم مرتبا لهم من حيث الأكثرية الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي في كتابه : (مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه), (1/ 49) فقال :
** والمكثر من روى فوق الألف، وهم الذين جمعتهم مرتّبًا بقولي:
المُكْثِرُونَ في رِوَايةِ الخُبَر
مِنَ الصَّحَابَةِ الأكارِم الْغُرَرْ
أبو هُرَيْرَةَ يَليه ابْنُ عُمَرْ
فَأنَسٌ فَزَوْجَةُ الهادي الأَبَرْ
ثُمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلِيهِ جَابِرُ
وَبَعْدَهُ الخُدْرِيُّ فَهْوَ الآخِرُ
** فأما أبو هريرة -رضي الله عنه- فروى (5374) حديثًا، اتفق الشيخان على (326) وانفرد البخاريّ (93) ومسلم (98) (1).
** وأما ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فروى (2630) اتفقا على (170) وانفرد البخاريّ (81) ومسلم (31).
** وأما أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فروى (2286)، اتفقا على (168) وللبخاريّ (83) ولمسلم (71).
** وأما عائشة رضي الله تعالى عنها، وهي المرادة بقولي: “فزوجة الهادي الأبرّ”، فروت (2210) اتفقا على (174) وللبخاريّ (54) ولمسلم (68).
** وأما ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، فروى (1696)، اتفقا على (75) وللبخاري (28) ولمسلم (49).
** وأما جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فروى (1540) اتفقا على (58) وللبخاريّ (26) ولمسلم (126).
** وأما أبو سعيد الخدريّ، وهو المراد بقولي “الخدريّ”، فروى (1170) اتفقا على (43) وللبخاريّ (26) ولمسلم (52). والله تعالى أعلم.
____
(1) هكذا في “سير أعلام النبلاء” 2/ 632 والذي في “خلاصة الخزرجي” أن المتفق عليه (325) وما للبخاريّ (79) وما لمسلم (93) فليحرر.
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 25/ 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
==================
112 ذكر بعض المعلومات عن الذباب
سلسة الفوائد اليومية:
112 ذكر بعض المعلومات عن الذباب
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه :(فتح الباري), (10/ 250):
** الذُّبَاب بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَخْفِيف ،
** قَالَ أَبُو هِلَال الْعَسْكَرِيّ : الذُّبَاب وَاحِد وَالْجَمْع ذِبَّان كِغِرْبَان ،
** وَالْعَامَّة تَقُول ذُبَاب لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ ذُبَابَة بِوَزْنِ قُرَادَة ، وَهُوَ خَطَأ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ إِنَّهُ خَطَأ ،
** وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الذُّبَاب وَاحِدَة ذُبَابَة وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَة ،
** وَنَقَلَ فِي ” الْمُحْكَم ” عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ خَلَف الْأَحْمَر تَجْوِيز مَا زَعَمَ الْعَسْكَرِيّ أَنَّهُ خَطَأ ،
** وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي الْجَمْع ذُبَّ .
** وَقَرَأْته بِخَطِّ الْبُحْتُرِيِّ مَضْبُوطًا بِضَمِّ أَوَّله وَالتَّشْدِيد .
قَوْلُهُ :(إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ )
** قِيلَ سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ .
** وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَن ابن عُمَرَ مَرْفُوعًا : (عُمْرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً , وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إِلَّا النَّحْلَ ) ,وَسَنَدُهُ لَا بَأْس بِهِ .
** وَأخرجه بن عَدِيٍّ دُونَ أَوَّلِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ .
** قَالَ الْجَاحِظُ : كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ .
** قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : يُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطُّيُورِ يَلَغُ إِلَّا الذُّبَابُ .
** وَقَالَ أَفْلَاطُونُ : الذُّبَابُ أَحْرَصُ الْأَشْيَاءِ , حَتَّى إِنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ .
** وَيَتَوَلَّدُ مِنَ الْعُفُونَةِ .
** وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ ؛ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا , وَالْجَفْنُ يَصْقُلُ الْحَدَقَةَ , فَالذُّبَابَةُ تَصْقُلُ بِيَدَيْهَا فَلَا تَزَالُ تمسح عينيها .
** وَمن عَجِيب أمره : أَن رجعيه يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ أَبْيَضَ وَبِالْعَكْسِ .
** وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ فِي أَمَاكِنِ الْعُفُونَةِ , وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا ثُمَّ مِنَ التَّوَالُدِ .
** وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا , رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى .
** وَيُحْكَى : أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ ؟! فَقَالَ : مَذَلَّةً لِلْمُلُوكِ , وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ .
** وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَالِقِيُّ : ذُبَابُ النَّاسِ يَتَوَلَّدُ مِنَ الزِّبْلِ .
** وَإِنْ أُخِذَ الذُّبَابُ الْكَبِيرُ فَقُطِعَتْ رَأْسُهَا وَحُكَّ بِجَسَدِهَا الشَّعْرَةِ الَّتِي فِي الْجَفْنِ حَكًّا شَدِيدًا أَبْرَأَتْهُ , وَكَذَا دَاءُ الثَّعْلَبِ .
** وَإِنْ مُسِحَ لَسْعَةُ الزُّنْبُورِ بِالذُّبَابِ سَكَنَ الْوَجَعُ . اهـ
** وقال ابن القيم في كتابه القيم (زاد المعاد) ,(4/ 101):
** فصل فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِصْلَاحِ الطَّعَامِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ، وَإِرْشَادِهِ إِلَى دَفْعِ مَضَرَّاتِ السُّمُومِ بِأَضْدَادِهَا .
** فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» .
** وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَحَدُ جَنَاحَيِ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَالْآخَرُ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» .
** هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَمْرَانِ: أَمْرٌ فِقْهِيٌّ، وَأَمْرٌ طِبِّيٌّ،
** فَأَمَّا الْفِقْهِيُّ، فَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ جِدًّا عَلَى أَنَّ الذُّبَابَ إِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ.
** وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَقْلِهِ، وَهُوَ غَمْسُهُ فِي الطَّعَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا. فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ لَكَانَ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَ بِإِصْلَاحِهِ،
** ثُمَّ عُدِّيَ هَذَا الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنَّحْلَةِ وَالزُّنْبُورِ، وَالْعَنْكَبُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، إِذِ الْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَيَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سببه، فلما كَانَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ هُوَ الدَّمُ الْمُحْتَقِنُ فِي الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَفْقُودًا فِيمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.
** ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ عَظْمِ الْمَيْتَةِ: إِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فِي الْحَيَوَانِ الْكَامِلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ، وَالْفَضَلَاتِ، وَعَدَمِ الصَّلَابَةِ، فَثُبُوتُهُ فِي الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ عَنِ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ، وَاحْتِقَانِ الدَّمِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى.
** وَأَوَّلُ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَقَالَ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَنْهُ تَلَقَّاهَا الْفُقَهَاءُ-
** وَالنَّفْسُ فِي اللُّغَةِ: يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الدَّمِ، وَمِنْهُ نَفَسَتِ الْمَرْأَةُ- بِفَتْحِ النُّونِ- إِذَا حَاضَتْ، وَنُفِسَتْ- بِضَمِّهَا- إِذَا وَلَدَتْ.
** وَأَمَّا الْمَعْنَى الطِّبِّيُّ، فَقَالَ أبو عبيد: مَعْنَى امْقُلُوهُ: اغْمِسُوهُ ليخرج الشفاء بضمها مِنْهُ، كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ، يُقَالُ لِلرَّجُلَيْنِ: هُمَا يَتَمَاقَلَانِ، إِذَا تَغَاطَّا فِي الْمَاءِ.
** وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الذُّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ، وَالْحِكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بِسِلَاحِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الْآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فَيُغْمَسُ كُلُّهُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النَّافِعَةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا، وَهَذَا طِبٌّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ كِبَارُ الْأَطِبَّاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفَّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ، وَيُقِرُّ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَنَّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ خَارِجٍ عَنِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ.
** وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إِذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا، وَسَكَّنَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلْمَادَّةِ الَّتِي فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ،
** وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شعر العين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب، أبرأه. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 24/ 2 / 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
111 أهل السنة يدعون إلى صحة الاعتقاد وحسن العبادة والأخلاق , وهذا هو الدين القيم
سلسة الفوائد اليومية:
111 أهل السنة يدعون إلى صحة الاعتقاد وحسن العبادة والأخلاق , وهذا هو الدين القيم
** قال شيخ الإسلام رحمه الله في آخر عقيدته الواسطية بعدما ذكر أصول الإيمان عند أهل السنة:
** فَصْلٌ:
** ثُمَّ هُم مَّعَ هّذِهِ الأُصُولِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ.
** وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا.
** وَيُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمَاعَاتِ. وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّةِ.
** وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا)) ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)) .
** وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ، وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ.
** وَيَدْعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ،
وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)) .
** وَيَنْدُبُونَ إِلَى أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
** وَيَأْمُرُونَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالإِحْسِانِ إلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ.
** وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ، وَالْخُيَلاءِ، وَالْبَغْيِ، وَالاسْتِطَالَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ.
** وَيَأْمُرُونَ بِمَعَالِي الأَخْلاَقِ، َوَيَنْهَوْنَ عَنْ سَفْسَاِفِهَا.
** وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّمَا هُمْ فِيهِ مُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
وَطَرِيقَتُهُمْ هِيَ دِينُ الإسْلاَمِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.
اهـ المراد
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 23/ 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
110 من كانت منيته بأرض دعته حاجة إلى الذهاب إليها فيموت فيها
سلسة الفوائد اليومية:
110 من كانت منيته بأرض دعته حاجة إلى الذهاب إليها فيموت فيها
** قال الله تعالى :
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
** عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
” مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ:
لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ،
وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ،
وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي المَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ،
وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ،
وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ ” رواه البخاري
** عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عَزَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً، أَوْ قَالَ: بِهَا حَاجَةً.
** رواه الترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
** وَأَبُو عَزَّةَ لَهُ صُحْبَةٌ وَاسْمُهُ يَسَارُ بْنُ عَبْدٍ، وَأَبُو الْمَلِيحِ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الهُذَلِيُّ،
وَيُقَالُ: زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ. اهـ
** قال شيخنا الوادعي رحمه الله في كتابه القيم : الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (ص: 98):
** قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلما أن يخرجاه. اهـ
** وصححه أيضا الشيخ الألباني رحمه الله . كما في “صحيح الجامع” برقم [748].
** وفي كتاب : (تحفة الأحوذي), (6/ 300)
** (وَأَبُو عَزَّةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ
** (اسْمُهُ يَسَارُ بْنُ عَبْدٍ) الْهُذَلِيُّ , صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي التَّقْرِيب
ِ
** وَصَرَّحَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ . اهـ
** وفي كتاب :(مرقاة المفاتيح), (1/ 184)
(إِذَا قَضَى اللَّهُ) أَيْ: أَرَادَ، أَوْ قَدَّرَ، أَوْ حَكَمَ .
(لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ) : وَهُوَ فِي غَيْرِهَا .
(جَعَلَ) أَيْ: أَظْهَرَ اللَّهُ .
(لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً) أَيْ: فَيَأْتِيهَا، وَيَمُوتُ فِيهَا , إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} .اهـ
** قال الشاعر :
مَشَيْنَاها خُطَىً كُتِبَتْ عَلَيْنَا
وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خُطَىً مَشَاهَا
وَأَرْزَاقٌ لَـنَـا مُـتـَفَـرِّقَـاتٌ
فَـمَـنْ لَـمْ تَـأتِـهِ مـشيا أَتَـاهَـا
وَمَنْ كُتِبَتْ مَنِيَّتُهُ بِأَرْضٍ
فَلَيْسَ يَمُوْتُ فِي أرْضٍ سِوَاهَا
** وقال آخر:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة
دعته إليها حاجة فيطير
** وَقَالَ أَعْشَى هَمْدَانَ ,
وهو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ :
لَا تَأسَيَنّ عَلَى شَيْء فَكُلّ فَتَى
إلَى مَنيّته سَيَّارُ فِي عَنَق
وَكُلّ مَنْ ظَنّ أَنَّ الموتَ يُخْطِئهُ
مُعَلَّلٌ بأعَاليل مِنَ الحَمـق
بـأيّمَا بَـلْـدَة تُـقْـدَر مَنِيَّتُـهُ
إنْ لَا يُسَيَّرْ إلَيها طَائعًا يُسَق
** انظر : تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 319)
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 10/ 8/ 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
109 العلم النافع المقرون بالعمل الصالح يرفع صاحبه إلى أعلا مقام وأرفع مكان في الدنيا والآخرة
سلسة الفوائد اليومية:
109 العلم النافع المقرون بالعمل الصالح يرفع صاحبه إلى أعلا مقام وأرفع مكان في الدنيا والآخرة
** قال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
** وقال الله تعالى:{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}
** قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ رحمه الله : بِالْعِلْمِ. رواه أحمد وغيره , وإسناده صحيح.
** عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. رواه البخاري
** وعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ،
** فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي،
** فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى،
** قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟
** قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا،
** قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟
** قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ،
** قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». رواه مسلم
** وفي كتاب: (المفهم) , للقرطبي (7/ 78):
** وقوله : ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا))
** يعني : يُشرف ، ويكرم في الدنيا والآخرة ، وذلك بسبب الاعتناء به ، والعلم به ، والعمل بما فيه.
** “ويضع” : يعني : يحقِّر ويصغِّر في الدنيا والآخرة ، وذلك بسبب تركه ، والجهل به ، وترك العمل به. اهـ
** وفي كتاب : ( نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف )- للحبيشي – (1 / 171):
** وقال بعض الحكماء :
لم أجد رتبة أرفع ، ولا شيء أنفع ، ولا خيرا أجمع من العلم ، إذا قارنته سكينة .
** وإني رأيته يرفع وضيع الحسب إلى أرفع الرتب حتى تكون له الأشراف أتباعا والأخيار أشياعا .
** وأنشد بعضهم:
العلم زين ومحمود عواقبه
فمن ينله يكن من أسعد الناس
وهو المقدم والمختار بينهم
كالرأس ما في الفتى أعلا من الراس
** وأنشد آخر :
العلم زين وفخر لا خفاء به
من ناله نال أعلى عالي الرتب
يكسو الفتى حللا تبقى عليه وما
نال الفتى حلة أبهى من الأدب
** وفي ( ديوان الإمام الشافعي ) , (ص: 94) :
رَأَيْتَ العِلْمَ صَاحِبُهُ كَرِيـم
ولـو ولـدتهُ آباءٌ لئامُ
ولـيسَ يـزالُ يـرفعهُ إلى أن
يُعَظِّمَ أمرَهُ القَومُ الـكِرامُ
وَيَتَّبِـعُـونَهُ فِـي كـلِّ حَـالٍ
كراعي الضأنِ تتبعهُ السَّوامُ
فَلَولاَ العِلْمُ مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ
ولا عرفُ الحلالُ ولا الحرامُ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 9/ 8/ 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
108 بيان شيء من الحكمة في دعوة الناس إلى الله
سلسة الفوائد اليومية:
108 بيان شيء من الحكمة في دعوة الناس إلى الله
** قال الله تعالى :{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }
** وقال: { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } .
** وفي كتاب :(شرح الزرقاني على الموطأ) (4/ 683):
** قَالَ النَّوَوِيُّ[يعني في تعريف الحكمة]:
** فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ صَفَا لَنَا مِنْهَا :
** أَنَّهَا الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، مَعَ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ، وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ لِلْعَمَلِ، وَالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ، وَالْحَكِيمُ مَا حَازَ ذَلِكَ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
** عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ» فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ . رواه مسلم .
** وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم .
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا “، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ ” رواه أحمد
** وفي صحيح البخاري (1/ 37)
(بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا)
127 – وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ .
** وفي صحيح مسلم (1/ 11)
** عَنْ عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً»
** وقال ابن القيم في كتابه القيم :(الفوائد), (ص: 169):
** العارف لا يأمر الناس بترك الدنيا ؛ فإنهم لا يقدرون على تركها ، ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم ، فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة ، فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقم الفريضة ؟! .
** فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن تحبب الله إليهم بذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلاله ؛ فإن القلوب مفطورة على محبته ،فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والاستقلال منها والإصرار عليها .
** وقد قال يحيى بن معاذ : طلب العاقل للدنيا خير من ترك الجاهل لها
* العارف يدعو الناس إلى الله من دنياهم فتسهل عليهم الإجابة ، والزاهد يدعوهم إلى الله بترك الدنيا فتشق عليهم الإجابة ؛ فإن الفطام عن الثدي الذي ما عقل الإنسان نفسه إلا وهو يرتضع منه شديد ، ولكن تخير من المرضعات أزكاهن وأفضلهن ؛ فإن للبن تأثيرا في طبيعة المرتضع ، * ورضاع المرأة الحمقى يعود بحمق الولد ،
** وأنفع الرضاعة ما كان من المجاعة ،
** فإن قويت على مرارة الفطام وإلا فارتضع بقدر ؛ فإن من البشم ما يقتل . اهـ
** ومن كتاب :(شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم), (1/ 535):
[بَشِمَ] من الطعام بَشَماً،** يقال: الشِّبَعُ داعيَةُ البَشَم،
والبَشَمُ داعيةُ السُّقْم،
والسُّقْم داعيةُ الموت.اﻫ
** وفي كتاب (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) (2/ 447):
** فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ
** وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ.
** قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
** وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}
** وَقَالَ عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 48] .
** الْحِكْمَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: مُفْرَدَةٌ. وَمُقْتَرِنَةٌ بِالْكِتَابِ.
** فَالْمُفْرَدَةُ: فُسِّرَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وَفُسِّرَتْ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ.
** قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ عِلْمُ الْقُرْآنِ: نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ. وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ. وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ. وَأَمْثَالِهِ.
** وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْقُرْآنُ وَالْفَهْمُ فِيهِ.
** وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ.
** وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: هِيَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
** وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هِيَ مَعَانِي الْأَشْيَاءِ وَفَهْمُهَا.
** وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ. كَأَنَّهُ فَسَّرَهَا بِثَمَرَتِهَا وَمُقْتَضَاهَا.
** وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْكِتَابِ: فَهِيَ السُّنَّةُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ.
** وَقِيلَ: هِيَ الْقَضَاءُ بِالْوَحْيِ. وَتَفْسِيرُهَا بِالسُّنَّةِ أَعَمُّ وَأَشْهَرُ.
** وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ. قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَمَالِكٍ: إِنَّهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْعَمَلُ بِهِ. وَالْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.
** وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ، فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ.
** وَالْحِكْمَةُ حِكْمَتَانِ: عِلْمِيَّةٌ، وَعَمَلِيَّةٌ.
** فَالْعِلْمِيَّةُ: الِاطِّلَاعُ عَلَى بَوَاطِنِ الْأَشْيَاءِ. وَمَعْرِفَةُ ارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِمُسَبِّبَاتِهَا، خَلْقًا وَأَمْرًا. قَدَرًا وَشَرْعًا.
** وَالْعِلْمِيَّةُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ ” الْمَنَازِلِ ” وَهِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ.
** قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ.
** الدَّرَجَةُ الْأُولَى: أَنْ تُعْطِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَقَّهُ وَلَا تَعُدِّيَهُ حَدَّهُ، وَلَا تُعَجِّلَهُ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَا تُؤَخِّرَهُ عَنْهُ.
** لَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ لَهَا مَرَاتِبُ وَحُقُوقٌ، تَقْتَضِيهَا شَرْعًا وَقَدَرًا.
** وَلَهَا حُدُودٌ وَنِهَايَاتٌ تَصِلُ إِلَيْهَا وَلَا تَتَعَدَّاهَا.
** وَلَهَا أَوْقَاتٌ لَا تَتَقَدَّمُ عَنْهَا وَلَا تَتَأَخَّرُ –
** كَانَتِ الْحِكْمَةُ مُرَاعَاةَ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ.
** بِأَنْ تُعْطَى كُلُّ مَرْتَبَةٍ حَقَّهَا الَّذِي أَحَقَّهُ اللَّهُ بِشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.
** وَلَا تَتَعَدَّى بِهَا حَدَّهَا. فَتَكُونَ مُتَعَدِّيًا مُخَالِفًا لِلْحِكْمَةِ.
** وَلَا تَطْلُبُ تَعْجِيلَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَتُخَالِفَ الْحِكْمَةَ.
** وَلَا تُؤَخِّرُهَا عَنْهُ فَتُفَوِّتَهَا.
** وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَسْبَابِ مَعَ مُسَبَّبَاتِهَا شَرْعًا وَقَدَرًا.
** فَإِضَاعَتُهَا تَعْطِيلٌ لِلْحِكْمَةِ بِمَنْزِلَةِ إِضَاعَةِ الْبَذْرِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ.
** وَتَعَدِّي الْحَقِّ: كَسَقْيِهَا فَوْقَ حَاجَتِهَا، بِحَيْثُ يَغْرِقُ الْبَذْرُ وَالزَّرْعُ وَيَفْسُدُ.
** وَتَعْجِيلُهَا عَنْ وَقْتِهَا: كَحَصَادِهِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وَكَمَالِهِ.
** وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ: إِخْلَالٌ بِالْحِكْمَةِ، وَتَعَدِّي الْحَدِّ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، خُرُوجٌ عَنْهَا أَيْضًا. وَتَعْجِيلُ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِهِ: إِخْلَالٌ بِهَا. وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ: إِخْلَالٌ بِهَا.
** فَالْحِكْمَةُ إِذًا: فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي.
** وَاللَّهُ تَعَالَى أَوْرَثَ الْحِكْمَةَ آدَمَ وَبَنِيهِ. فَالرَّجُلُ الْكَامِلُ: مَنْ لَهُ إِرْثٌ كَامِلٌ مِنْ أَبِيهِ، وَنِصْفُ الرَّجُلِ – كَالْمَرْأَةِ – لَهُ نِصْفُ مِيرَاثٍ، وَالتَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
** وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا: الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
** وَأَكْمَلُهُمْ أُولُو الْعَزْمِ.
** وَأَكْمَلُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
** وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى أُمَّتِهِ بِمَا آتَاهُمْ مِنَ الْحِكْمَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}.
** وَقَالَ تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
** فَكُلُّ نِظَامِ الْوُجُودِ مُرْتَبِطٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
** وَكُلُّ خَلَلٍ فِي الْوُجُودِ، وَفِي الْعَبْدِ فَسَبَبُهُ: الْإِخْلَالُ بِهَا.
** فَأَكْمَلُ النَّاسِ: أَوْفَرُهُمْ نَصِيبًا. وَأَنْقَصُهُمْ وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ الْكَمَالِ: أَقَلُّهُمْ مِنْهَا مِيرَاثًا.
** وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْعِلْمُ، وَالْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ.
** وَآفَاتُهَا وَأَضْدَادُهَا:
الْجَهْلُ، وَالطَّيْشُ، وَالْعَجَلَةُ.
** فَلَا حِكْمَةَ لِجَاهِلٍ، وَلَا طَائِشٍ، وَلَا عَجُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
** ومن الحكمة في الدعوة إلى الله نصيحة المقصر وحده برفق ولين ,
فإن ذلك أدعى لقبول النصيحة والانتفاع بها .
** ورحم الله الامام الشافعي حيث يقول :
تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في اِنفِرادي
وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَه
فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه
وَإِن خالَفتَني وَعَصِيتَ قَولي
فَلا تَجزَع إِذا لَم تُعطَ طاعَه
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الاثنين 7/ 8/ 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
107 الترغيب في كثرة ذكر الله عز وجل
سلسة الفوائد اليومية:
107 الترغيب في كثرة ذكر الله عز وجل
** قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }
** وقال الله تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
** وقال الله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}
** قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه : (الوابل الصيب من الكلم الطيب) (ص: 42)
وهو يعدد فوائد الذكر:
(الخامسة عشرة)
** أنه يورثه ذكر الله تعالى له كم قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}
** ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً،
** وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» .اهـ
** وعَنِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
“إنَّ ممَّا تذكرونَ مِنْ جلالِ الله؛ التسبيحُ والتهليلُ والتحميدُ، ينعطِفنَ حوْلَ العرْشِ، لهُنَّ دوِيٌّ كدويِّ النَّحْلِ، تُذَكَّر بصاحِبِها. أما يُحِبُّ أحدُكُمْ أنْ يكونَ لَهُ -أو لا يزال لَهُ- مَنْ يُذكَّر به”.
رواه ابن أبي الدنيا وابن ماجه -واللفظ له-، والحاكم وقال: “صحيح على شرط مسلم”. [وصححه الألباني]
** وفي صحيح الترغيب والترهيب (2/ 205)
1497 – (11) [حسن لغيره]
** وعن جابرٍ رضي الله عنه رفعه إلى النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:
“ما عمل آدميٌّ عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله تعالى”.
قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:”ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع”.
رواه الطبراني في “الصغير” و”الأوسط”، ورجالهما رجال “الصحيح”.
** وقال الشاعر:
عَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ في كُلِّ لَحْظَةٍ
فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَذْكُرُ
** وقال آخر :
لَوْ يَعْلَمُ العَبْدُ مَا فِي الذِّكْرِ مِنْ شَرَفٍ
أَمْضَى الحَيَاةَ بِتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 1/ 8/ 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
106 فضل شعبان, وكونه مقدمة لرمضان
سلسة الفوائد اليومية:
106 فضل شعبان, وكونه مقدمة لرمضان
** إن في اختلاف الليل والنهار وتعاقب الليالي والأيام لآيات ظاهرة
وعبرا زاجرة وعظات كافية لمن تفكر في تقلب أحولها وسرعة انقضائها
** فإننا كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رجب , وها هو قد مضى وانقضى , ونحن اليوم نستقبل شهر شعبان ,
** فما أسرع مرور الليالي والأيام , فكل يوم وكل شهر وكل سنة وكل وقت يمر عليك محسوب من عمرك وعملك ويدنيك من أجلك ,
** فهل من معتبر , وهل متفكر , وهل من مشمر للأعمال الصالحة من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وصدقة وصلة للأرحام وغير ذلك من أنواع البر والخير والإحسان استغلالا لما بقي من الأعمار قبل فوات الأوان وانتهاء الزمان .
** إن شهر شعبان شهر عظيم جعله الله بين شهرين عظيمين , وهما شهر رجب وشهر رمضان .
** وهو كالمقدمة بين يدي رمضان ؛ ولهذا يستحب فيه الإكثار من الصيام والقيام وقراءة القران وغير ذلك من الأعمال الصالحة حتى تعتاد النفوس على فعل الخيرات ,
فما يأتي رمضان إلا وقد استعدت له أتم الاستعداد .
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب
(ص: 134):
** وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر:
أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على
الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
** ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن
** روينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان
** وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء .
** وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء .
** وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .
** قال الحسن بن سهل:
قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن . اهـ
** وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شعبان .
** عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ” متفق عليه
** وعَنْها رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» رواه الإمام أحمد وغيره , [وصححه الألباني]
** والحكمة من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان
ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ،
قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [وحسنه الألباني]
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب
(ص: 130):
(. . . وقد ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور وفيه معان أخر:
** وقد ذكر منها النبي في حديث أسامة معنيين:
** أحدهما: أنه شهر “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولا عنه .
** وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك .
** وروى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله ناس يصومون رجبا؟ فقال: “فأين هم عن شعبان”.
** وفي قوله: “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.
** وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة , وأن ذلك محبوب لله عز وجل ,
** كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة
** ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن” ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: “ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم”
** وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له .
** ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق وسبب ذلك أنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة . . .
** وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط . . . . الخ , )
وقد تقدم . اهـ
وفي (شرح النووي على مسلم), (8/ 37):
** فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب (ص: 135)
يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها.
مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شـعبان المبارك
فيا من ضيـع الأوقـات جـهلا بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسرا ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلص واجعـل مدارك
على طلب السلامة من جحيم
فخير ذوي الجرائم من تدارك
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 30/ 7 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
====================
105 لا يقال: شعبان الأكرم
سلسة الفوائد اليومية:
105 لا يقال : شعبان الأكرم
** وفي كتاب : ( معجم المناهي اللفظية) لبكر بن عبد الله أبو زيد (ص: 308):
** (شعبان الأكرم)
** لا يعرف في السُّنَّة إثبات فضل لشهر شعبان إلا ما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من إكثار الصيام فيه.
** وأما حديث: ((فضل شعبان على سائر الشهور كفضلي على سائر الأنبياء)) فهو موضوع.
** قال ابن عاشور – رحمه الله تعالى -:
((ولعلَّ هذا الحديث هو الذي حمل الكُتاب على أن يُتْبِعُون اسم شعبان بوصف الأكرم، وهو فُضُوْلٌ زايد)) انتهى.
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 29/ 7 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/11613
====================
104 من حسن كلام العرب: توكيد الكلام بإتباع بعض الكلمات بما يشابهها من الألفاظ في الوزن وأكثر الحروف
سلسلة الفوائد اليومية:
104 من حسن كلام العرب: توكيد الكلام بإتباع بعض الكلمات بما يشابهها من الألفاظ في الوزن وأكثر الحروف
(1) المراد بـ(الإِتباع) أن تتبع الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الوزن وأكثر الحروف، مثل قول العرب:(حسن بسن). و(عفريت نفريت) ونحوهما.
(2) ويصح في كلمة:(الإِتباع) فتح الهمزة وكسرها.
* فإن فتحت كانت جمعا مفردها:(تبع) بفتح التاء والباء، بمعنى التابع.
* وإن كسرت كانت مصدرا للفعل:(تبع)، بكسر الباء، بمعنى: جاء خلفه.
(3) والأكثر في (الإتباع) أن يكون بكلمة واحدة كما تقدم.
* وقد يكون بكلمتين نحو:(حسن بسن قسن) و(ثقة تقة نقة).
(4) والمراد من هذا الإتباع: تقوية المعنى أو تزيين اللفظ أو مجرد التلميح، أو السخرية، أو المدح، أو الذم، أو محض التَّصويت والتنغيم.
(5) اشترط بعضهم في (الإتباع) عدم توسط حرف العطف بين اللفظتين، فلا يقال:(هذا رجل حسن وبسن).
** واشترط بعض أخر عدم وجود معنى مستقل للفظة الثانية، أي أنها لا تنفرد بنفسها في تركيب آخر، فلا يقال:(هذا رجل بسن).
* فإن وجد حرف العطف، أو وجد للفظة الثانية معنى مستقل بنفسها في تركيب آخر، كان من باب التوكيد لا من باب الإتباع نحو:(حَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاكَ).
** قال أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ) في كتابه:(غريب الحديث)، (2/ 279):
(… وبعض النَّاس يرويهِ:(حارّ يارّ) وَأكْثر كَلَامهم بِالْيَاءِ.
** قَالَ الْكسَائي وَغَيره:(حَار) من الْحَرَارَة و(يارّ)إتباع كَقَوْلِهِم:
(عطشان نطشان)، و(جائع نائع)، و(حسن بسن)، وَمثله كثير فِي الْكَلَام.
** وَإِنَّمَا سمي إتباعا لِأَن الْكَلِمَة الثَّانِيَة إِنَّمَا هِيَ تَابِعَة للأولى على وَجه التوكيد لَهَا وَلَيْسَ يتَكَلَّم بهَا مُنْفَرِدَة فَلهَذَا قيل: إتباع.
** وَأما حَدِيث آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين قتل ابْنه فَمَكثَ مائَة سنة لَا يضْحك ثمَّ قيل لَهُ: حياك اللَّه وبياك فَقَالَ: وَمَا بياك قيل: أضْحكك.
وَقَالَ بعض النَّاس فِي بَيّاك: إِنَّمَا هُوَ إتباع وَهُوَ عِنْدِي [على -] مَا جَاءَ تَفْسِيره فِي الحَدِيث أَنه لَيْسَ بِاتِّبَاع؛ وَذَلِكَ أَن الإتباع لَا [يكَاد -] يكون بِالْوَاو وَهَذَا بِالْوَاو.
** وَمن ذَلِك قَول الْعَبَّاس [بْن عبد الْمطلب -] فِي زَمْزَم: [إِنِّي -] لَا أحلهَا لمغتسل وَهِي لشارب حِلّ وبِلّ. وَيُقَال أَيْضا: إِنَّه إتباع وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَلِك لمَكَان الْوَاو…الخ).
** وقال أبو الطيب الحلبي، اللغوي عبد الواحد بن علي
(المتوفى: 351هـ) في كتابه:(الإتباع)، (ص: 2):
(… وإنما قرنا الإتباع بالتوكيد لأن أهل اللغة اختلفوا،
** فبعض جعلوها واحداً، وأكثرهم اختاروا الفرق بينهما:
** فجعلوا الإتباع: مالا تدخل عليه الواو نحو قولهم:(عطشان نطشان)، و(شيطان ليطان).
** والتوكيد: ما دخل عليه الواو نحو قولهم:(هو في حلٍّ وبلٍّ)، و(أخذ في كلِّ فن وفنن).
** ونحن بحمد الله نذهب إلى أن الإتباع ما لم يختص به بمعنى يمكن إفراده به.
** والتوكيد: ما اختص بمعنى وجاز إفراده.
والدليل على صحة قولنا هذا أنَّهم يقولون:(هذا جائع نائع) فهو عندهم إتباع، ثم يقولون في الدُّعاء على الإنسان: (جُوعاً ونُوعاً) فيدخلون الواو وهو مع ذلك إتباع: إذ كان محالاً أن تكون الكلمة مَرَّةً إتباعاً ومرة غير إتباع فقد وضح أنَّ الاعتبار ليس بالواو وثبت ما حددناه به. اهـ المراد
** وقال السيوطي في كتابه:(المزهر)، (1/ 330)
** (… وقال قوم: هذه الألفاظُ تسمى تأكيدا وإتباعا.
** وزعم قوم: أن التأكيد غير الإتباع واخُتِلف في الفرق فقال قوم: الإتباع منها ما لم يحسن فيه واو نحو حَسن بَسَن وقَبِيح شَقِيح.
** والتأكيد يحسنُ فيه الواو نحو حِلّ وبِلّ.
** وقال قوم: الإتباع للكلمة التي يختص بها معنى ينفرد بها من غير حاجة إلى متبوع). اهـ
** وقال عباس حسن في كتابه:(النحو الوافي)، (3/ 469):
** نرى في بعض الأساليب الواردة عن العرب كلمة زائدة، لا تنفرد بنفسها في جملة، دون أن تسبقها – مباشرة في هذه الجملة كلمة أخرى مسموعة تماثلها في وزنها، وفي أكثر حروفها الهجائية ”
** أي: أنه ليس لهذه الكلمة المتأخرة الزائدة، المسموعة في الأسلوب الوارد استقلالٌ بنفسها في جملة ما، ولا استغناءٌ عن كلمة سابقة توافقها في وزنها وفي أكثر حروفها”.
** وأيضًا ليس لهذه الكلمة الزائدة المسموعة معنى تَجلبه، ولا حُكم إعرابيّ خاصّ بها تُوصف معه بأنها مبتدأ، أو فاعل، أو نعت، أو مفعول، أو غير ذلك..، أو أنها معربة أو مبنية؛
** فهي – لكل ما تقدم – خارجة عن نطاق الاستقلال بنفسها، وصوغها، خالية في معنى لغويّ تؤديه، وبعيدة من الاتّصاف بالإعراب أو البناء، أو التأثر بالعوامل.
** وإنما تزاد لمجرد التلميح، أو السخرية، أو المدح، أو محض التَّصويت والتنغيم. وتسمَّى هذه الكلمة الزائدة الواردة في الأسلوب السّماعيّ هي ونظائرها: “الأَتباع” – بفتح الهمزة – جمع: “تَبَع” – بمعنى التابع-
** ويراد به: كل لفظ مسموع، لا يستقل بنفسه في جملة،
** وإنما يجيء بعد كلمة تسبقه مباشرة “بغير فاصل”
** فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، ويماثلها في أكثر حروفها، دون أنْ يكون له معنى خاص ينفرد به في هذه الجملة،
** ولا نصيبٌ في الإعراب أو البناء؛ مثل “بَسَن” في قولهم: “محمد حسَنٌ بَسَنٌ”. ومثل: “نَيْطان، ونِفْريت” في قولهم، اللصّ شيطانٌ نَيْطانٌ، أو: اللصّ عِفريتٌ نِفريتٌ…
** وعند إعراب هذا اللفظ الزائد نقول: إنه تابع للكلمة التي قبله مباشرة، أي: من أتباعها في الوزن، وضبط الآخر، والمشاركة في معظم الحروف الهجائية، دون أن يكون لهذه التبعية العارضة بوصفها السالف علاقة بالتوابع الأصلية الأربعة المعروفة “وهي: النعت، التوكيد، العطف بنوعيه، البدل” كما سبقت الإشارة؛ إذ لا يجري شيء من أوصاف هذه التوابع الأربعة الأصلية وأحكامها على التابع العارض المذكور فيما سبق؛ حيث يقتصر حكمه على أمر واحد، هو: أنه مثل الكلمة التي قبله مباشرة في وزنها، وأكثر حروفها، وضبط آخرها، دون بقية أحكامها النحوية، أو غير النحوية…. اهـ المراد
(6) يفرق بين التابع والتأكيد: أن التابع يُشترط فيه: أن يكون على وزن متبوعه مثل: ” حسن بسن ” و” شيطان ليطان “، ونحوهما.
** أما التأكيد مع المؤكد فلا يشترط ذلك فيه، مثل: ” جاء زيد نفسه “.
(7) يفرق بين التابعٍ والمرادف: أن التابع لا يفيد شيئا غير تقوية الأول، فلا يفيد بدون المتبوع.
أما اللفظان المترادفان: فإن كل واحد منهما يفيد المعنى لو انفرد؛ لأنه مثل مرادفه في الرتبة، مثل: ” الليث والأسد”.
(8) (الإِتباع) ليس خاصا بكلام العرب، بل قد شاركتهم الْعَجم في ذلك.
** قال السيوطي في كتابه: (الإتباع)، (ص: 88):
** قَالَ ابْن فَارس فِي فقه اللُّغَة: للْعَرَب الإتباع، وَهُوَ أَن تتبع الْكَلِمَة الْكَلِمَة على وَزنهَا، أَو رويها إشباعاً وتوكيداً.
** وَقد شاركت الْعَجم الْعَرَب فِي هَذَا الْبَاب.اهـ المراد
وانظر: (الصاحبي في فقه اللغة العربية)، لابن فارس (ص: 209)
و(البلغة الى أصول اللغة) لأبي الطيب محمد صديق خان (ص: 120)
و(المزهر في علوم اللغة وأنواعها)، (1/ 324)
(9) ذكر جملة من الألفاظ من باب الإتباع.
** قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) في كتابه:(المدهش)، (ص: 37):
** وَمن عاداتهم ـ (أي العرب) ـ تَكْرِير الْكَلَام وَفِي الْقُرْآن {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ}
** وَقد يُرِيدُونَ تَكْرِير الْكَلِمَة ويكرهون إِعَادَة اللَّفْظ فيغيرون بعض الْحُرُوف وَذَلِكَ يُسمى:(الِاتِّبَاع) فَيَقُولُونَ:
** وَمن عاداتهم ـ (أي العرب) ـ تَكْرِير الْكَلَام وَفِي الْقُرْآن {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ}
** وَقد يُرِيدُونَ تَكْرِير الْكَلِمَة ويكرهون إِعَادَة اللَّفْظ فيغيرون بعض الْحُرُوف وَذَلِكَ يُسمى:(الِاتبَاع) فَيَقُولُونَ:
** (أُسْوَانُ أَتْوَانُ) أَي حَزِين، وَ (شَيْء تَافِهٌ نَافِهٌ)، وَ (انه ثَقِفٌ لَقِفٌ)،
و(جَايِعٌ نَايِعٌ)، و(حِلٌّ وبِلٌّ)، و(حَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاكَ)، و(حَقِيرٌ نَقِيرٌ)،
وَ (عَيْنٌ حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ) أَي: عَظِيمَة، و(نضر مُضر)، و(سَمْجٌ لَمْجٌ)،
و(سيغ ليغ)، و(شَكِسٌ لَكِسٌ)، وَ (شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ)، و(تفرقوا شَذَرٌ مَذَرٌ، وَشَغَرٌ بَغَرٌ)، وَ (يَوْم عَكٌّ لَكٌّ)، إِذا كَانَ حارا
** و(عَطْشَانُ نَطْشَانُ) و(عِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ)، وَ (كَثِيرٌ بَثِيرٌ) و(كز لز)، وَ (كن أَن)، و(حار جَار يار)، و(قَبِيحٌ لَقِيحٌ شَقِيحٌ)، و(ثِقَةٌ تِقَةٌ نِقَةٌ)، وَ (هُوَ أَشَقٌّ أَمَقٌّ حَبِقٌ) للطويل، وَ (حَسَنٌ بَسَنٌ قَسَنٌ)، وَ (فعلت ذَلِك على رَغْمِهِ وَدَغْمِهِ وشَغْمِهِ)، وَ (مررت بهم أَجْمَعِينَ اكتعين أبصعين). اهـ
(10) ذكر تفسير بعض هذه الكلمات.
** (أُسْوَانُ أَتْوَانُ)
** أي حزين متردد يَذْهب ويجيء من شدة الحزن. اهـ من كتاب:
(المزهر) للسيوطي (1/ 326)
** وَ (شَيْء تَافِهٌ نَافِهٌ)
** للشِّيءِ إِذا كانَ قليلاً حقيراً. اهـ من كتاب:
(الإتباع) لأبي الطيب الحلبي، (ص: 93)
** وَ (إنه ثَقِفٌ لَقِفٌ)
** وَرَجُلٌ ثَقِفٌ لَقِفٌ وثَقْفٌ لَقْف أَي خَفِيف حاذِق،
** وَقِيلَ: سريعُ الفَهْم لِما يُرمى إِلَيْهِ مِنْ كَلَامٍ بِاللِّسَانِ وَسَرِيعُ الأَخذ لِمَا يُرْمَى إِلَيْهِ بِالْيَدِ،
** وَقِيلَ: هُوَ إِذَا كَانَ ضَابِطًا لِمَا يَحْويه قَائِمًا بِهِ،
** وَقِيلَ: هُوَ الْحَاذِقُ بصِناعته. اهـ من كتاب: (لسان العرب) (9/ 320)
** و(جَائِعٌ نَائِعٌ)
** يُقالُ:(رَجُلٌ جَائِعٌ نَائِعٌ)،
** والنَّائعُ زَعَمُوا: المُتمايلَ مِنْ ضَعفِ الجُوعِ، مِنْ قَولِكَ: نَاعَ الغُصْنُ، إِذا مالَ،
** قالَ الرَّاجِزُ:
مَيَّالةٌ مِثلُ القَضيبِ النائِعِ
** وبعضُهُم يَقولُ: النَّائعُ العَطْشانُ ولا نَعْلَمُهُمْ يَقولونَ: رَجُلٌ نَائِعٌ مَفرداً، ويُقالُ في الدُّعاءِ على الرَّجُلِ: جُوعاً لَهُ ونُوعاً!. اهـ من كتاب:
(الإتباع)، لأبي الطيب الحلبي، (ص: 92)
** وفي كتاب:(الزاهر في معاني كلمات الناس) (2/ 47):
554 – وقولهم: فلان جائعٌ نائعٌ
** قال أبو بكر: في النائع قولان:
** قال أكثر أهل اللغة: النائع هو الجائع، وقالوا: هذا إتباع، كقولهم:(شيطان ليطان)، و(حَسَن بَسَن)، و(عطشان نطشان).
** وقال بعضهم: النائع: العطشان. واحتج بقول الشاعر: (347)
(لَعَمْرُ بني شهاب ما أقاموا *** صدورَ الخيلِ والأسَلَ النياعا)
** فالأسل: أطراف الأسِنة، والنياع: العِطاش إلى الدَّم. اهـ من كتاب:
(الزاهر في معاني كلمات الناس)، (2/ 47)
** و(حِلٌّ بِلٌّ)
** و(البِلُّ)، بِالْكَسْرِ: الشِّفاءُ من قَوْلهم:(بَلَّ الرجُلُ مِن مَرضِه): إِذا بَرأ، وَبِه فَسَّر أَبُو عبيد حَدِيث زَمْزم:( لَا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ، وَهِي لِشارِبٍ حِلٌّ وبِلٌّ).
** قِيل: البِلُّ هُنَا: المُباحُ، نقلَه ابنُ الأثِير، وغيرُه من أئمّة الغَرِيب.
ويُقال:(حِلٌّ وبلٌّ) أَي حَلالٌ ومُباحٌ. أَو هُوَ إتْباعٌ وَيمْنَعُ مِن جَوازِه الواوُ،
** وَقَالَ الأصمَعِي: كنت أرى أنّ(بِلّاً) إتْباعٌ، حتّى زَعم المُعْتَمِرُ بن سُليمان أَن:(بِلاًّ) فِي لُغة حِمْير: مُباحٌ، وكَرَّر لاخْتِلَاف اللَّفْظ، توكيداً.
** قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ أَوْلَى لأنّا قَلَّما وجدنَا الإتْباعَ بواو العَطْف. اهـ
(تاج العروس) (28/ 107)
** و(حَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاكَ)
** ويُدْعَى للرَّجُلِ فيقال:(حَيَّاك اللهُ وبَيَّاكَ)! قالَ الأصمعيُّ: (بَيَّاكَ) أَضْحَكَكَ، وقالَ أبو عُبيدة: بَيَّاكَ: مَلَّكَكَ، وقالَ أبو زَيد وابن الأَعرابيّ يُقال: اعْتمدَكَ بالتحيةِ. اهـ
** (الإتباع)لأبي الطيب الحلبي، (ص: 24)
** و(حَقِيرٌ نَقِيرٌ)
** وَقَالَ يَعْقُوب: قَالَ الغنوي: عنز نقرة، وتيس نقر، وَلم أر كَبْشًا نقراً، وَهُوَ ظلع يَأْخُذ الْغنم، ثمَّ قيل لكل حقير متهاون بِهِ: حقر نقر، وحقير نقير، وحقر نقر،
** وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ النقير الذي فِي النواة، فَيكون مَعْنَاهُ حَقِيرًا متناهياً فِي الحقارة، وَالْمذهب الأول أَجود. اهـ من كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 78)
** وَ (عَيْنٌ حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ)
** وقالوا:(عَينٌ حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ، أَيْ: عَظيمةٌ، والبَدرةُ الكاملةُ التامةُ، ومنهُ سُمِّي البدرُ لتمامِهِ. اهـ ** (الإتباع)لأبي الطيب الحلبي (ص: 26)
** و(خَضِرٌ مَضِرٌ)
وَيَقُولُونَ:(ذهب دَمه خضرًا مضراً)، و(خضرا مضراً)، أى بَاطِلا،
** فالخضر: الْأَخْضَر، وَيُقَال: مَكَان خضر، وَيُمكن أَن يكون مُضر لُغَة فِي نضر،
** وَيكون معنى الْكَلَام: أَن دَمه بَطل كَمَا يبطل الْكلأ الَّذِي يحصده كل من قدر عَلَيْهِ، أَو يُمكن أَن يكون خضر من قَوْلهم: عشب أَخْضَر، إِذا كَانَ رطبا، وَمُضر: أَبيض، لِأَن المضر إِنَّمَا سمى مضراً لبياضه، وَمِنْه مضيرة الطبيخ، فَيكون مَعْنَاهُ أَن دَمه بَطل طرياً، فَكَأَنَّهُ لما لم يثأر بِهِ فيراق لأَجله الدَّم بقى أَبيض. اهـ من كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 78)
** وفي كتاب: (الإتباع والمزاوجة)، لابن فارس (ص: 45)
** ويقولون:(دَمٌ خَضِرٌ مَضِرٌ)، وذلكَ إذا طُلَّ فَذَهَبَ.
** وبعضُ العَرَبِ يقول:(هو لك خَضِراً مَضِراً)، أي: هنيئاً مريئاً. اهـ
** و(سَمْجٌ لَمْجٌ)
** (سمج): سَمُجَ الشيءُ، بِالضَّمِّ: قَبُحَ، يَسْمُجُ سَماجَةً إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَلاحَةٌ، وَهُوَ سَمِيجٌ لَمِيجٌ، وسَمْجٌ لَمْجٌ. وَقَدْ سَمَّجَه تَسْمِيجاً إِذا جَعَلَهُ سَمْجاً؛. اهـ من كتاب:
(لسان العرب) (2/ 300)
** وَيَقُولُونَ (سمج لمج)، فاللمج: الْكثير الْأكل الَّذِي يلمج كل مَا وجده، أَي يَأْكُلهُ. اهـ من كتاب:(الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 79)
** و(سيغ ليغ)
** و(سَيْغٌ لَيْغ)، و(سائِغٌ لائغ) وهو [الطعام] الذي يَسُوغ سهلا في الحَلْق. اهـ من كتاب:(المزهر في علوم اللغة وأنواعها) (1/ 327)
** وفي كتاب: (مجمل اللغة) لابن فارس (ص: 799)
** (ليغ): [يقال] : سيغٌ ليغٌ: إتباع، وهو السَّهْل الخُلُق. اهـ
** و(شَكِسٌ لَكِسٌ)
** وَيَقُولُونَ:(شكس لكس)، فـ(الشكس): السَّيئ الْخلق، و(اللكس): العسير [قَليل الانْقِيادِ]. اهـ من كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 78)
** وَ (شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ)
** وهُوَ الَّذي يَلْزَقُ بالشَّرِّ مِنْ قولِكَ: مَا يَلِيطُ بي هذا: أَيْ مَا يَلزَقُ. اهـ من كتاب:
(الإتباع) لأبي الطيب الحلبي، (ص: 75)
** وفي كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 72)
** وَيَقُولُونَ:(شَيْطَان ليطان)، فـ(ليطان): مَأْخُوذ من قَوْلهم: لَاطَ حَبَّة بقلبي يلوط ويليط، أى لصق،
** وَيُقَال: للْوَلَد فِي الْقلب لوطة، أى حب لازق،
** وَيَقُولُونَ: هُوَ ألوط بقلبي مِنْك وأليط، أَي ألزق،
** وَيُقَال: مَا يليط هَذَا بقلبي، وَمَا يلتاط، أَي مَا يلصق،
** وَيُقَال: ألاط القَاضِي فلَانا بفلان، أَي ألحقهُ بِهِ،
** فَمَعْنَى قَوْلهم:(شَيْطَان ليطان)، شَيْطَان لصوق. اهـ
** و(تفرقوا شَذَرٌ مَذَرٌ، وَشَغَرٌ بَغَرٌ)
** وَكَذَلِكَ:(تَفَرَّقَ الْقَوْمُ شَغَرَ بَغَر، وشَذَرَ مَذَرَ) أَي فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الإِقبال. اهـ من كتاب: (لسان العرب) (4/ 418)
** وَ (يَوْم عَكٌّ أَكٌّ)
** ويُقال:(يومٌ عكيكٌ أكيكٌ)، و(يومٌ عَكٌّ أكٌّ): إِذا كانَ شَديدَ الحَرِّ.
** و:(الأَكيكُ) بمعنَى العكيكِ، إلاَّ أَنَّهُ لا يُفْرَدُ،
** قالَ الرَّاجز:
يَومٌ عَكيكٌ، يَعْصِرُ الجُلودَا *** يَتْرُكُ حُمْرانَ الرِّجالِ سُودا
ولَيلةٌ غامِدة غُمودا *** سَوداءُ تُغْشِي النَّجْمَ والفُرْقودا.
اهـ من كتاب: (الإتباع) لأبي الطيب الحلبي، (ص: 8)
** و(عَطْشَانُ نَطْشَانُ)
** و(عَطْشان نَطْشَان): إِتباع لَهُ لَا يُفْرد. اهـ من كتاب: (لسان العرب) (6/ 319)
** وفي كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 71)
** وَيَقُولُونَ: عَطْشَان نَطْشَان فنَطْشان مَأْخُوذ من قَوْلهم مَا بِهِ نَطيش أَي مَا بِهِ حركةٌ فَمَعْنَاه عَطْشَانٌ قلِقٌ. اهـ
** و(عِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ)
** أَبُو عُبيد: رَجُل عِفْرٌ نِفْرٌ، وعِفْريَةٌ نِفْرِيَةٌ، وعِفْريتٌ نِفْريتٌ، وعُفَارِيَةٌ نُفَاريَةٌ، إِذا كَانَ خَبِيثاً مارداً. اهـ من كتاب: (تهذيب اللغة) (15/ 152)
** وَ (كَثِيرٌ بَثِيرٌ)
** و:(إِنَّهُ لَكَثِيرٌ بَثِيرٌ بَذِيرٌ بَجيرٌ)، كُلُّهُ إتبَاعٌ، و(البَثِيرُ) من قَولِهم: ماءٌ بَثْرٌ: أيْ كثيرٌ؛ إِلاّ أَنَّهُ لا يُقالُ: شَيءٌ بَثِيْرٌ أَي كثيرٌ إِلا عَلى وَجهِ الإِتْباعِ. اهـ من كتاب:
(الإتباع) لأبي الطيب الحلبي (ص: 13)
** و(كز لز)
** و:(كَزٌّ لَزٌّ)، إِتباعٌ لَهُ، قَالَ أَبو زَيْدٍ:(إِنه لَكَزٌّ لَزٌّ)، إِذا كَانَ مُمْسِكًا. اهـ من كتاب:
(لسان العرب) (5/ 405)
** وفي كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 83)
** وَيَقُولُونَ: كز لز، فاللز: اللاصق بالشي، من قَوْلهم: لززت الشَّيْء بالشَّيْء، إِذا أَلْصَقته بِهِ وقرنته إِلَيْهِ، وَالْعرب تَقول: هُوَ لزاز شَرّ، ولزيز شَرّ، ولز شَرّ. اهـ
** و(حار جَار يار)
** قالَ أبو مَالكٍ يُقالُ: حَارٌّ يَارٌّ جَارٌّ، ويُقالُ: رَجُلٌ حَرَّانُ يَرَّانُ جَرَّانُ: إِذا أَصابتْهُ مَصيبَةٌ. اهـ من كتاب: (الإتباع)لأبي الطيب الحلبي، (ص: 35)
** و(قَبِيحٌ لَقِيحٌ شَقِيحٌ)
** وَيَقُولُونَ:(قَبِيح شقيح)، فالشقيح مَأْخُوذ من قَوْلهم:(شقيح الْبُسْر) إِذا تَغَيَّرت خضرته بحمرة أَو صفرَة، وَهُوَ حِينَئِذٍ اقبح مَا يكون، وَتلك البسرة تسمى شقحة، وَحِينَئِذٍ يُقَال: أشقح النّخل، فَمَعْنَى قَوْلهم: قَبِيح شقيح، متناهى الْقبْح،
** وَيُمكن أَن يكون بِمَعْنى مشقوح، من قَول الْعَرَب: لأشقحنك شقح الْجَوْز بالجندل، أَي لأكسرنك، فَيكون مَعْنَاهُ قبيحاً مكسوراً.
** وَقَالَ اللحياني: شقيح لقيح، فالشقيح هَا هُنَا: المكسور على مَا ذكرنَا،
** واللقيح: مَأْخُوذ من قَوْلهم: لقحت النَّاقة، ولقح الشّجر، ولقحت الْحَرْب، فَمَعْنَاه: مكسور حَامِل للشر. اهـ من كتاب: (الإتباع) لأبي علي القالي (ص: 74)
** و(ثِقَةٌ تِقَةٌ نِقَةٌ)
** (و) قَالُوا: (ثِقَةٌ} نِقَةٌ) وَهُوَ (إتْباعٌ) كأنَّهم حَذَفُوا وَاو {نِقْوَة، حَكَى ذلكَ ابنُ الأعْرابي. اهـ من كتاب:(تاج العروس)، (40/ 125)
** وَ (هُوَ أَشَقٌّ أَمَقٌّ حَبِقٌ) للطويل
** [شَقِقَ]: الأَشَقُّ: الطويل. يقال: فرس أشق، والأنثى شقّاء.
قال الأصمعي: سمعت عقبة بن رؤبة يصف فرساً فقال:
أَشَقّ أَمَقّ حَبَقّ.
** وقال بعضهم: الأشق من الخيل: الذي يميل في أحد شقيه عند عدوه. اهـ من كتاب:
** (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)، لنشوان بن سعيد الحميرى اليمني (المتوفى: 573هـ)، (6/ 3345)
** وفي كتاب:(تهذيب اللغة)، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي، (المتوفى:370هـ)، (7/ 22):
** (خبق): أَبُو عبيد عَن الأصمعيِّ قَالَ: الْخِبِقُّ: الطَّوِيل.
** ورَوَى غيرهُ عَنهُ أنَّه قَالَ: سَمِعتُ عُقبَةَ بنَ رُؤبَةَ يصفُ فَرَساً فَقَالَ: أَشَقُّ أَمَقُّ خِبَقُّ.
** قَالَ: وَقيل: (خِبَقُّ) إتْباعٌ للأشق الأَمَقِّ.
** وَالْقَوْل: أَنه يُفْرَدُ بالنعت للطويل.
** أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيِّ قَالَ: خُبَيْقٌ تصغيرُ خَبْقٍ، وَهُوَ الطَّول، وَرجل خِبِقٌّ: طَوِيل.
** وَقَالَ غيرُه: يُقَال:(حَبَقَ وخَبَقَ) إِذا ضَرِطَ. اهـ
** وَ(حَسَنٌ بَسَنٌ قَسَنٌ)
مَعْنَاه: حسن كَامِل الْحسن.
** وَ (فعلت ذَلِك على رَغْمِهِ وَدَغْمِهِ وشَغْمِهِ)
** يُقالُ في الدُّعَاءِ عَلى الرَّجُلِ:(لا باركَ اللهُ فيهِ ولا تَاركَ ولا دَارَكَ)!.
** ودُعَاءٌ آخَرُ:(أَرغَمَهُ اللهُ وأَدْغَمهُ)! (ولهُ مِنّي مَا يُرْغِمُهُ ويَدْغِمُهُ)، ويَقولونَ:(رَغْمَاً دَغْمَاً)!؛ و(فَعلتُ ذَاكَ عَلى رَغْمِهِ ودَغْمِهِ). اهـ من كتاب:(الإتباع) لأبي الطيب الحلبي، (ص: 41)
** وقال في (ص: 58)
** ويُسَبُّ الرَّجُلُ فَيُقالُ:(رَغْماً دَغْماً شِنّغْماً! (وفَعَلْتُ ذَاك عَلى رَغْمِهِ ودَغْمِهِ وشَنَّغْمِهِ؛). اهـ
** وفي كتاب :(المخصص)، لابن سيده (4/ 89):
(أدغمه الْأَمر): سَاءَهُ وأرغمه، وَمن دُعَائِهِمْ: رَغْماً دَغْماً شِنَّغْماً، ويروى بِالْعينِ غير مُعْجمَة،
** وَ (مررت بهم أَجْمَعِينَ أكتعين أبصعين). اهـ
** و (رأَيت الْقَوْمَ أَجمعين أَكْتَعِين أَبْصَعِينَ أَبتعين)، تُوكَّدُ الْكَلِمَةُ بِهَذِهِ التواكِيدِ كُلِّهَا،
** وَلَا يُقَدَّمُ (كُتَعُ) عَلَى جُمَعَ فِي التأْكيد، وَلَا يُفْرَدُ لأَنه إِتباع لَهُ،
** وَيُقَالُ إِنه مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ: (أَتى عَلَيْهِ حَوْلٌ كَتِيعٌ) أَي تامٌّ. اهـ من كتاب:
(لسان العرب) (8/ 305)
** وفي (شرح الكافية الشافية)، لابن مالك (3/ 1172):
** وقد يجاء بعد “أجمع”1 بـ”أكتع”.
** وبعد “جمعاء” بـ”كتعاء”.
** وبعد “أجمعين” بـ”أكتعين”.
** وبعد “جمع” بـ”كتع”.
** وقد يجاء بعد “أكتع” و”كتعاء” و”أكتعين” و”كتع”.بـ”أبصع” و”بصعاء” وأبصعين” و”بصع”.
** وزاد الكوفيون بعد “أبصع” و”بصعاء” و”أبصعين” و”بصع”: “أبتع” و”بتعاء” و “أبتعين” و”بتع”.
** ولا يجاء بـ”أكتع” وأخواته -غالبا- إلا بعد “أجمع”. وأخواته على الترتيب.
** وشذ قول بعضهم: “أجمع أبصع”.
** وإنما حق “أبصع” إن يجيء بعد “أكتع”.
** وأشذ من “أجمع أبصع”1 قول بعضهم: “جمع بتع”.
** وإنما حق “أبتع” و”بتعاء” و”أبتعين” و”بتع” أن يجاء بهن آخرًا….الخ). اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 6/ 3 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
103 من أعظم ما يسأل العبد ربه: العفو والعافية في الدنيا والآخرة
سلسلة الفوائد اليومية:
من أعظم ما يسأل العبد ربه
العفو والعافية في الدنيا والآخرة
** عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، فَقَالَ: ” سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ” قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، قَالَ: فَقَالَ: ” يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ” رواه أحمد وغيره, وصححه الألباني.
** عَنْ مُعَاذ بْن رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
** تحفة الأحوذي (9/ 348)
** قَوْلُهُ (أسْأَلُهُ اللَّهَ) أَيِ أَطْلُبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
(سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ) فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بِالدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْعَبَّاسِ سُؤَالَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ شَيْئًا يَسْأَلُ اللَّهَ بِهِ دَلِيلٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
** وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى (الْعَافِيَةِ): أَنَّهَا دِفَاعُ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ.
** فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْوِيهِ.
** وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْزِلُ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ وَيَرَى لَهُ مِنَ الْحَقِّ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَصْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلَازَمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَسْتَدْفِعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ.
** ثُمَّ كَلَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:(سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)
** فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَدْ صَارَ عُدَّةً لِدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ وَجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ.
** وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا.
** قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي (عِدَّةِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ): لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دعاءه بِالْعَافِيَةِ، وَوَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفظا ومعنى من نحو من خَمْسِينَ طَرِيقًا. اهـ
** قال الشاعر، وهو منصور الفقيه:
رأيت البلاء كقطر السَّماء *** وما تنبت الأرض من ناميه
فلا تسألنّ إذا ما سألت *** إلهك شيئاً سوى العافية
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 4/ 3 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
102 الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ
سلسلة الفوائد اليومية:
الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ
** إن من أعظم القواعد الشرعية والسنن الربانية التي لا تتخلف ولا تتغير قاعدة:(الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ)، وهي أن يجازي الله العبد من جنس عمله في الخير والشر؛ ليعرف العباد عدل الله وحكمته ورحمته، وليرغبوا في فعل الطاعات ويحذروا من ارتكاب المعاصي والمنكرات؛ فإن الْجَزَاءً مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
** قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}
** وفي الحيث: [يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»] رواه مسلم (4/ 1994) برقم:(2577) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه.
** وقد دلت الأدلة الكثيرة المتكاثرة من الكتاب والسنة على هذه القاعدة العظيمة.
** فمن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
** أي: إن تنصروا دين الله وشريعته بالعمل بها، فعلا للمأمورات وتركا للمنهيات، ينصركم الله على أنفسكم، وأعدائكم من شياطين الجنّ والإنس، فإن الجزاء من جنس العمل.
** وقوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
** وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}.
** وقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}
** وقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}
** وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ”
** وقوله تعالى:”وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}
** وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}
** وقوله تعالى:{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ . . . ) الحديث رواه مسلم (4/ 2074)برقم:(2699)
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً “
** وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ ” رواه أحمد وصححه الألباني
** قال ابن القيم في كتابه:(إعلام الموقعين),(1/ 150):
** وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ مُمَاثِلًا لِلْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،
فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ،
** وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
** وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
** وَمَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
** وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ،
** وَمَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّ اللَّهُ بِهِ،
** وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ،
** وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ،
** وَمَنْ سَمَحَ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ،
** وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ،
** وَمَنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ،
** وَمَنْ أَوْعَى أَوْعَى عَلَيْهِ،
** وَمَنْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ عَفَا اللَّهُ لَهُ عَنْ حَقِّهِ،
وَمَنْ تَجَاوَزَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ،
** وَمَنْ اسْتَقْصَى اسْتَقْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ؛
** فَهَذَا شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَوَحْيُهُ وَثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ كُلُّهُ قَائِمٌ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ. اهـ المراد
** وما أحسن هذه الأبيات- وتنسب للأمام الشافعي,رحمه الله تعالى:
عِفُّواْ تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ في المحْرَمِ *** وَتَجَنَّبُواْ مَا لاَ يَلِيقُ بِمُسْلِمِ
مَنْ يَزْنِ في بَيْتٍ بألفَي درهمٍ *** في بَيْتِهِ يُزْنَى بِدُونِ دَرَاهِمِ
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ بِهِ وَلَوْ بجِدَارِهِ *** إِنْ كُنْتَ يَا هَذَا لَبِيبَاً فَافْهَمِ
إِنَّ الزِّنَا دَيْنٌ فإِنِ اقْرَضْتهُ *** كَانَ الوَفَا مِن أَهْلِ بَيْتِكَ فَاعْلَمِ
** وقال آخر:
وَمَا مِنْ يَدٍ إِلَّا يَدُ اللَّهِ فَوْقَهَا *** وَلَا ظَالِمٍ إِلَّا سَيُبلَى بِظَالِمٍ
** وقال آخر:
اصبر على الظلم و لا تنتصر*** فالظلم مردود على الظالم
** وقال آخر:
و كم من حافر حفرة لامرئ*** سيصرعه البغي فيما احتفر
** وقال آخر:
قضى الله أن البغي يصرع أهله *** و أن على الباغي تدور الدوائر
ومن يحتفر بئراً ليوقع غيره *** سيوقع في البئر الذي هو حافر
** وقال آخر:
ومن يبغ أو يسعى إلى الناس ظالما*** يقع غير شك لليدين وللفم
** وأنشد الأزدي:
وقِّر مشايخ أهل العلم قاطبة * * * حتى تُوقَّرَ إن أفضى بك الكبرُ
واخدم أكابرهم حتى تنال به * * * مثلاً بمثلٍ إذا ما شارف العُمُرُ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 29/ 2 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
101 ذكر بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الطب
سلسلة الفوائد اليومية:
ذكر بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الطب
** (ذكر بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الطب)
** قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}
** وقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (*) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
** وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
** وعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شعبة رضي اللَّهُ عَنْهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه.
** وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ»
رواه مسلم وغيره.
** وفي (شرح النووي على مسلم),(1/ 64):
** فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) ضَبَطْنَاهُ (يُرَى) بِضَمِّ الْيَاءِ وَ(الْكَاذِبِينَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللَّفْظَتَيْنِ.
** قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدنَا (الْكَاذِبِينَ) عَلَى الْجَمْعِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كتابه المستخرج على صحيح مسلم في حَدِيثُ سَمُرَةَ (الْكَاذِبَيْنِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ على التثنية، واحتج به على أن الراوي له يُشَارِكَ الْبَادِئَ بِهَذَا الْكَذِبِ ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ (الْكَاذِبَيْنِ أَوِ الْكَاذِبِينَ) عَلَى الشَّكِّ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ.
** وَذَكَرَ بَعْضُ الأئمة جواز فتح الياء من (يُرَى) وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ
** فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاءَ فَمَعْنَاهُ يَظُنُّ، وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ،
** وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ.
** وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إِلَّا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَذِبًا،
** أَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَظُنُّهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا أَوْ عَلِمَهُ.
** وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ: فَظَاهِرٌ، فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ.
** وَسَنُوَضِّحُ حَقِيقَةَ الْكَذِبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ
** قال ابن قيم الجوزية في كتابه: (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) (ص: 43):
** فَصْلٌ-5-
** وَسُئِلْتُ: هَلْ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ بِضَابِطٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْظَرَ فِي سَنَدِهِ؟
** فَهَذَا سُؤَالٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ تَضَلَّعَ فِي مَعْرِفَةِ السَّنَنِ الصَّحِيحَةِ وَاخْتَلَطَتْ بِلَحْمِهِ وَدَمِّهِ وَصَارَ لَهُ فِيهَا مَلَكَةٌ وَصَارَ لَهُ اخْتِصَاصٌ شَدِيدٌ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ وَمَعْرِفَةِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَيُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ وَيُشْرِعُهُ لِلأُمَّةِ بحيث كَأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَاحِدٍ مِنَ أَصَحَابِهِ.
** فَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ وَكَلامِهِ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَمَا لا يَجُوزُ مَا لا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ
** وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُتَّبِعٍ مَعَ مَتْبُوعِهِ فَإِنَّ لِلأَخَصِّ بِهِ الْحَرِيصَ عَلَى تَتَبُّعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَمَا لا يَصِحُّ مَا لَيْسَ لِمَنْ لا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهَذَا شَأْنُ الْمُقَلِّدِينَ مَعَ أَئِمَّتِهِمْ يَعْرِفُونَ أَقْوَالَهُمْ وَنُصُوصَهُمْ وَمَذَاهِبَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
** وقال أيضا المنار في (ص: 51)
فَصْلٌ-7-
وَمِنْهَا: 2-تَكْذِيبُ الْحِسِّ لَهُ كَحَدِيثِ:
** “الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ”.
** “وَالْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ”. قَبَّحَ اللَّهُ وَاضِعَهُمَا فَإِنَّ هَذَا لَوْ قَالَهُ يُوحَنِّسُ أَمْهَرُ الأَطِبَّاءِ لسخر النَّاسُ مِنْهُ وَلَوْ أُكِلَ الْبَاذِنْجَانُ للحمى والسوداء الغالبة وَكَثِيرٍ مِنَ الأَمْرَاضِ لَمْ يَزِدْهَا إِلا شِدَّةً وَلَوْ أَكَلَهُ فَقِيرٌ لِيَسْتَغْنَى لَمْ يُفِدْهُ الْغِنَى أَوْ جَاهِلٌ لِيَتَعَلَّمَ لَمْ يُفِدْهُ الْعِلْمُ.
** وقال أيضا المنار في (ص: 64)
فَصْلٌ-14-
وَمِنْهَا: 9-أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق.
كحديث “الهريسة تشد الظهر”.
** وكحديث “أكل السمك يوهن الجسد”.
** وَحَدِيثِ “الَّذِي شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِلَّةَ الْوَلَدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْبَيْضَ والبصل”.
** وحديث “أتاني جبريل بهريسة من الْجَنَّةِ فَأَكَلْتُهَا فَأُعْطِيتُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلا فِي الجماع”.
** وَحَدِيثِ “الْمُؤْمِنُ حُلْوٌ يحب الحلاوة”.
** وَرَوَاهُ الْكَذَّابُ الأَشَرُّ بِلَفْظٍ آخَرَ “الْمُؤْمِنُ حُلْوِيٌّ والكافر خمري”.
** وَحَدِيثِ “كُلُوا التَّمْرَ عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الدود”.
** وَحَدِيثِ “أَطْعِمُوا نِسَاءَكُمْ فِي نِفَاسِهِنَّ التمر”.
** وَحَدِيثِ “مَنْ لَقَّمَ أَخَاهُ لُقْمَةً حُلْوَةً صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَارَةَ الموقف”.
** وَحَدِيثِ “مَنْ أَخَذَ لُقْمَةً مِنْ مَجْرَى الْغَائِطِ أَوِ الْبَوْلِ فَغَسَلَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا غُفِرَ لَهُ”.
** وَحَدِيثِ “النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ يُذْهِبُ البركة”.
** وَحَدِيثِ “إِذَا طَنَّتْ أُذُنُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ وَلْيَقُلْ: ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ ذَكَرَنِي بِخَيْرٍ” وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي طَنِينِ الأُذُنِ فَهُوَ كِذْبٌ. اهـ المراد
**((تنبيه)): الْهَرِيسَةُ عند العرب: طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْحَبُّ الْمَدْقُوق وَاللَّحْمِ، وَأَطْيَبُهُ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَلَحْمِ الدِّيكِ.
وعند المتأخرين: نَوع من الْحَلْوَى يصنع من الدَّقِيق وَالسمن وَالسكر.
** انظر: (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)، (2/ 637)
و(المعجم الوسيط)، (2/ 981)
و(عون المعبود وحاشية ابن القيم)، (1/ 99)
** وهذه بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة من كتاب:(ضعيف الجامع الصغير وزيادته)
3753 – (عليكم بالأترج فإنه يشد الفؤاد).
** (ضعيف) (رواه الديلمي في ” مسند الفردوس “) عن عبد الرحمن بن دلهم معضلا.
3754 -(عليكم بألبان الإبل والبقر فإنها ترم من الشجر كله وهو دواء من كل داء).
** (ضعيف) (رواه ابن عساكر) عن طارق بن شهاب.
3758 – (عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة فإنها دواء من اثنين وسبعين داء وخمسة أدواء: من الجنون والجذام والبرص ووجع الأضراس).
** (ضعيف) (رواه الطبراني وابن السني أبو نعيم) عن صهيب.
وفي كتاب:(التيسير بشرح الجامع الصغير), (2/ 140):
** (عَلَيْكُم بالحجامة فِي جوز القمحدوة) بِفَتْح الْقَاف وَالْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة وَضم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو نقرة الْقَفَا
** (فَإِنَّهَا دَوَاء من اثْنَيْنِ وَسبعين دَاء وَخَمْسَة أدواء من الْجُنُون والجذام والبرص ووجع الأضراس)
أَي وَخَمْسَة أدواء زِيَادَة على ذَلِك فَذكر خَمْسَة وعد أَرْبعا فَكَأَن الْخَامِسَة سَقَطت من بعض الروَاة أَو من بعض النساخ. اهـ
3760 – (عليكم بالحناء فإنه ينور رءوسكم ويطهر قلوبكم ويزيد في الجماع وهو شاهد في القبر).
** (ضعيف) (رواه ابن عساكر) عن واثلة.
3761 – (عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة ويذهب بالبلغم ويشد العصب ويذهب بالعياء ويحسن الخلق ويطيب النفس ويذهب بالهم).
** (موضوع) (رواه أبو نعيم) عن علي.
3764 – (عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك, يذهب بالحفر وينزع البلغم ويجلو البصر ويشد اللثة ويذهب بالبخر ويصلح المعدة ويزيد في درجات الجنة ويحمد الملائكة ويرضي الرب ويسخط الشيطان).
** (ضعيف) (رواه عبد الجبار الخولاني في تاريخ داريا) عن أنس.
3765 – (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن).
** (ضعيف) (رواه البيهقي والحاكم) عن ابن مسعود.
3772 – (عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا). (ضعيف) (الطبراني) عن واثلة.
3773 – (عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ).
** (موضوع) (رواه البيهقى فى شعب الإيمان) عن عطاء مرسلا.
3776 – (عليكم بالكحل فإنه ينبت الشعر ويشد العين).
** (موضوع) (رواه البغوي في مسند عثمان) عن جابر.
3784 – (عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور).
** (موضوع) (رواه ابن السني) عن عقبة بن عامر.
3785 – (عليكم بسيد الخضاب الحناء يطيب البشرة ويزيد في الجماع).
** (ضعيف) (رواه ابن السني وأبو نعيم) عن أبي رافع.
3794 – (عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة من الباسور).
** (ضعيف) (رواه الطبراني وأبو نعيم) عن عقبة بن عامر.
4606 – (كان يكره الكي والطعام الحار ويقول: عليكم بالبارد فإنه ذو بركة ألا وإن الحار لا بركة له).
** (موضوع) (رواه أبو نعيم في الحلية) عن أنس.
1637 – (إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم).
** (ضعيف جدا) (رواه الطبراني) عن أم سلمة.
2756 – (الحجامة في الرأس شفاء من سبع إذا ما نوى صاحبها: من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينيه).
** (ضعيف) (رواه الطبراني وأبو نعيم) عن ابن عباس.
2759 – (الحجامة يوم الأحد شفاء).
** (موضوع) (رواه الديلمي في ” مسند الفردوس “) عن جابر و(عبد الملك بن حبيب في الطب النبوي) عن عبد الكريم الحضرمي معضلا.
2969 – (درهم حلال يشترى به عسل ويشرب بماء المطر شفاء من كل داء).
** (ضعيف جدا) (رواه الديلمي في ” مسند الفردوس “) عن أنس.
3360 – (السواك شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت).
** (ضعيف) (رواه الديلمي في ” مسند الفردوس “) عن عائشة.
3904 – (غبار المدينة شفاء من الجذام).
** (ضعيف) (رواه أبو نعيم في الطب) عن ثابت بن قيس بن شماس.
3951 – (فاتحة الكتاب شفاء من كل داء).
** (موضوع) (رواه البيهقى فى شعب الإيمان) عن عبد الملك بن عمير مرسلا.
4202 – (كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام).
** (ضعيف) (رواه أبو نعيم في الطب) عن أبي هريرة.
5518 – (من تداوى بحرام لم يجعل الله فيه شفاء).
** (ضعيف) (رواه أبو نعيم في الطب) عن أبي هريرة.
1139 – (أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب).
** (ضعيف) (رواه القالي في أماليه) أنس.
4002 – (في السواك عشر خصال: يطيب الفم ويشد اللثة ويجلو البصر ويذهب البلغم ويذهب الحفر ويوافق السنة ويفرح الملائكة ويرضي الرب ويزيد في الحسنات ويصحح المعدة).
** (ضعيف) (رواه أبو الشيخ في الثواب أبو نعيم في كتاب السواك) عن ابن عباس.
4201 – (كلوا التين فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس).
** (ضعيف) (رواه ابن السني أبو نعيم فر) عن أبي ذر.
2374 – (البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا).
** (ضعيف) (رواه ابن عساكر) عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم وقال: شاذ لا يصح.
وفي كتاب:(كشف الخفاء) لأبي الفداء إسماعيل بن محمد العجلوني (2/ 518):
** وباب فضل العدس والباقلاء والجبن والجوز والباذنجان والرمان
والزبيب؛ لم يصح فيه شيء.
** وإنما وضع الزنادقة في هذه الأبواب أحاديث وأدخلوها في كتب المحدثين شينًا للإسلام – خذلهم الله.
** وباب فضل اللحم، وأن أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم؛ لم يثبت فيه شيء.
** وباب النهي عن قطع اللحم بالسكين؛ لم يثبت فيه شيء.
** وباب فضل الهريسة؛ لم يثبت فيه شيء، والجزء المشهور في ذلك؛ مجموع مفترى.
** وباب النهي عن أكل الطين؛ لم يثبت فيه شيء.
** وباب الأكل في السوق؛ لم يثبت فيه شيء.
** وباب فضائل البطيخ؛ لم يثبت فيه شيء، وأحاديث كتاب البطيخ؛ مجموعها باطل وموضوع،
** والثابت من تلك الجملة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ.
** وباب فضائل النرجس والمردقوش والبنفسج والبان؛ لم يثبت فيه حديث، وحديث “من شم الورد”، وحديث “خلق الورد من عرقي”، وأمثال هذا؛ كلها موضوعة باطلة.
** وباب فضائل الديك الأبيض؛ لم يثبت فيه شيء والحديث المسلسل المشهور فيه: “الديك الأبيض صديقي”؛ باطل موضوع.
** وباب فضائل الحناء؛ ليس فيه شيء صحيح. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 27/ 2 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
100 خذ من الأمور أيسرها واترك ما عسر منها
سلسلة الفوائد اليومية:
خذ من الأمور أيسرها واترك ما عسر منها
** عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا» متفق عليه
** عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأَدْرَعِ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَضِيَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ الْيُسْرَ وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. رواه الطبراني وصححه الألباني.
** عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
** وفي كتاب:(مجمع الحكم والأمثال) لأحمد قبش (8/ 325):
قال: أبو سليمان الغنوي
فـسـلِ الـفـقـيـهَ تـكـنْ فـقـيـهـاً مـثـلـهُ *** لا خـيـرَ فـي عـلـمٍ بـغـيـر تـدبـرِ
وإِذا تـعـسـرتِ الأمـورُ فـأرجـهـا *** وعـليـكَ بـالأمـرِ الـذي لم يَعْسُرِ
** وفي كتاب:(الاستيعاب في معرفة الأصحاب)، لابن عبد البر
(1/ 373):
وكان عمرو بن معد يكرب شاعراً محسناً، ومما يستحسن من شعره قوله:
إِذَا لَـمْ تَـسْـتَـطِـعْ شَـيْـئًا فَـدَعْهُ*** وَجَـاوِزْهُ إِلَـى مَا تَسْتَطِيعُ
** وفي كتاب:(وفيات الأعيان) -لابن خلكان (2/ 247)
ويحكى عنه [يعني: الخليل بن أحمد الفراهيدي] أنه قال: كان يتردد إلىّ شخص يتعلم العروض وهو بعيد الفهم، فأقام مدة ولم يعلق على خاطره شيء منه، فقلت له يوماً: قطع هذا البيت:
إِذَا لَـمْ تَـسْـتَـطِـعْ شَـيْـئًا فَـدَعْهُ *** وَجَـاوِزْهُ إِلَـى مَا تَسْتَطِيعُ
فشرع معي في تقطيعه على قد معرفته، ثم نهض ولم يعد يجيء إلي، فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 24/ 2 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
99 ذكر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ
سلسلة الفوائد اليومية:
99 ذكر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ
** قال ابن القيم في كتابه القيم :(زاد المعاد)، (1/ 125):
[فَصْلٌ فِي غَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
** غَزَوَاتُهُ كُلُّهَا وَبُعُوثُهُ وَسَرَايَاهُ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي مُدَّةِ عَشْرِ سِنِينَ، فَالْغَزَوَاتُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ،
** وَقِيلَ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ،
** وَقِيلَ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ،
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ،
** قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ، وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ.
** وَقِيلَ: قَاتَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ، وَالْغَابَةِ، وَوَادِي الْقُرَى مِنْ أَعْمَالِ خَيْبَرَ.
** وَأَمَّا سَرَايَاهُ وَبُعُوثُهُ، فَقَرِيبٌ مِنْ سِتِّينَ،
** وَالْغَزَوَاتُ الْكِبَارُ الْأُمُّهَاتُ سَبْعٌ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، وَخَيْبَرُ، وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَتَبُوكُ.
** وَفِي شَأْنِ هَذِهِ الْغَزَوَاتِ نَزَلَ الْقُرْآنُ:
** فَسُورَةُ (الْأَنْفَالِ) سُورَةُ بَدْرٍ، وَفِي أُحُدٍ آخِرُ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] [آلِ عِمْرَانَ 121] إِلَى قُبَيْلِ آخِرِهَا بِيَسِيرٍ،
** وَفِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَخَيْبَرَ صَدْرُ (سُورَةِ الْأَحْزَابِ) ،
** وَسُورَةُ (الْحَشْرِ) فِي بَنِي النَّضِيرِ،
** وَفِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ سُورَةُ (الْفَتْحِ) وَأُشِيرَ فِيهَا إِلَى الْفَتْحِ،
** وَذُكِرَ الْفَتْحُ صَرِيحًا فِي سُورَةِ (النَّصْرِ).
** وَجُرِحَ مِنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أُحُدٌ،
** وَقَاتَلَتْ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْهَا فِي بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ،
** وَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَزَلْزَلَتِ الْمُشْرِكِينَ وَهَزَمَتْهُمْ، وَرَمَى فِيهَا الْحَصْبَاءَ فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ فَهَرَبُوا،
** وَكَانَ الْفَتْحُ فِي غَزْوَتَيْنِ: بَدْرٍ، وَحُنَيْنٍ.
** وَقَاتَلَ بِالْمَنْجَنِيقِ مِنْهَا فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الطَّائِفُ،
وَتَحَصَّنَ فِي الْخَنْدَقِ فِي وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْأَحْزَابُ أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 29/ 1 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
==========================
98 مدح الشعر الحسن وذم القبيح منه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بشاعر، ولا ينبغي له ذلك
سلسلة الفوائد اليومية:
98 مدح الشعر الحسن وذم القبيح منه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بشاعر، ولا ينبغي له ذلك
** الشعر كلام موزون مقفى، وهو كغيره من منثور الكلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
** قال تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ*وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}
** وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ*وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ*وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}
** وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}
** وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً» خ
** وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا» رواه أبو داود وغيره، [وصححه الألباني]
** وفي كتاب:(النهاية في غريب الحديث والأثر)، (1/ 419):
(هـ) وَفِيهِ «إنَّ مِنَ الشِّعْر لحُكْمًا» أَيْ إِنَّ مِنَ الشِعر كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَعُ مِنَ الْجَهْلِ والسَّفَه، ويَنهَى عَنْهُمَا.
قِيلَ: أَرَادَ بِهَا الموَاعِظ وَالْأَمْثَالَ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ.
والحُكْم: العلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَكَمَ يَحْكُم. ويُروَى «إِنَّ مِنَ الشِّعر لَحِكْمَة» وَهِيَ بِمَعْنَى الحُكْم. اهـ
** وفي كتاب:(فيض القدير)، (2/ 524):
2457 -(إن من البيان سحرا) أي إن بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح المشكل ويكشف بحسن بيانه عن حقيقته فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر فلما كان في البيان من صنوف التركيب وغرائب التأليف ما يجذب السامع إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي قال صعصعة: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق.
(وإن من الشعر حكما) جمع حكمة أي قولا صادقا مطابقا للحق موافقا للواقع وذلك ما كان منه من قبيل المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك.
فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن جنس البيان وإن كان محمودا ففيه ما يذم للمعنى السابق وجنس الشعر وإن كان مذموما ففيه ما يحمد لاشتماله على الحكمة وعبر بمن إشارة إلى أن بعضه ليس كذلك وفيه رد على من كره مطلق الشعر وأصل الحكمة المنع وبها سمي اللجام لأنه يمنع الدابة. اهـ
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل]
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ» مسلم
** وعَنْ الشَّرِيدِ بن سويد الثقفي، رضي الله عنه قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هِيهْ» فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: «هِيهْ» ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: «هِيهْ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. خ
** وعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ رضي الله عنه، قال: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ، فَعَثَرَ، فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ:
«هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ … وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ» متفق عليه
** وفي (شرح النووي على مسلم)، (12/ 118):
** قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أنا النبي لا كذب أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)
** قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ كَوْنَ الرَّجَزِ شِعْرًا لِوُقُوعِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ومَا عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي له}، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِ الْخَلِيلِ فِي أَنَّهُ شِعْرٌ.
** وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا: بِأَنَّ الشِّعْرَ هُوَ مَا قُصِدَ إِلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُوقِعَهُ مَوْزُونًا مُقَفًّى يَقْصِدُهُ إِلَى الْقَافِيَةِ.
** وَيَقَعُ فِي أَلْفَاظِ الْعَامَّةِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْزُونَةِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهَا شِعْرٌ، وَلَا صَاحِبُهَا شَاعِرٌ،
** وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَوْزُونِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}، ** وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمِّيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ شِعْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُقْصَدْ تَقْفِيَتُهُ وجعله شعرا.
** قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَأَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي أَنْ قَالَ: الرِّوَايَةُ (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى أَنْ يُفْسِدَ الرَّوِيَّ فَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الِاعْتِذَارِ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ.
** قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ السَّعْدِيُّ الصَّقَلِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَطَّاعِ فِي كتابه:(الشافي في علم القوافي):
قد رأي قَوْمٍ مِنْهُمُ الْأَخْفَشُ وَهُوَ شَيْخُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بَعْدَ الْخَلِيلِ أَنَّ مَشْطُورَ الرَّجَزِ وَمَنْهُوكَهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ)،
** وَقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم:(هل أنت إلا أصبع دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ) ,
** وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أَنَا النَّبِيُّ لَا كذب أنا بن عبد المطلب) وأشباه هذا،
** قال بن الْقَطَّاعِ: وَهَذَا الَّذِي زَعَمَهُ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ غَلَطٌ بَيِّنٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاعِرَ إِنَّمَا سُمِّيَ شَاعِرًا لِوُجُوهٍ:
** مِنْهَا: أَنَّهُ شَعَرَ الْقَوْلَ وَقَصَدَهُ وَأَرَادَهُ وَاهْتَدَى إِلَيْهِ وَأَتَى بِهِ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ مُقَفًّى.
** فَإِنْ خَلَا مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا، وَلَا يَكُونُ قَائِلُهُ شَاعِرًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَلَامًا مَوْزُونًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ وَقَصَدَ الشِّعْرَ، أَوْ أَرَادَهُ وَلَمْ يُقَفِّهِ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الْكَلَامُ شِعْرًا، وَلَا قَائِلُهُ شَاعِرًا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ.
** وَكَذَا لَوْ قَفَّاهُ وَقَصَدَ بِهِ الشِّعْرَ وَلَكِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مَوْزُونًا لَمْ يَكُنْ شِعْرًا ** وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ مَوْزُونًا مُقَفًّى لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرَ لَا يَكُونُ شِعْرًا، ** وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَأْتُونَ بِكَلَامٍ مَوْزُونٍ مُقَفًّى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا قَصَدُوهُ وَلَا أَرَادُوهُ وَلَا يُسَمَّى شِعْرًا.
** وَإِذَا تُفُقِّدَ ذَلِكَ وُجِدَ كَثِيرًا فِي كَلَامِ النَّاسِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السُّؤَّالِ: اخْتِمُوا صَلَاتَكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْمَوْزُونَ لَا يَكُونُ شِعْرًا إِلَّا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْقَصْدُ وَغَيْرُهُ مِمَّا سَبَقَ.
** وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ بِكَلَامِهِ ذَلِكَ الشِّعْرَ وَلَا أَرَادَهُ فَلَا يُعَدُّ شِعْرًا وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ المراد
** وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» مسلم
** وفي (شرح النووي على مسلم)، (15/ 14):
** قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ:(يَرِيهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْوَرْيِ، وَهُوَ دَاءٌ يُفْسِدُ الْجَوْفَ، وَمَعْنَاهُ: قَيْحًا يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَيُفْسِدُهُ.
** قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهَذَا الشِّعْرِ شِعْرٌ هُجِيَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
** قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً: هَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْهِجَاءِ أَنْ يَمْتَلِئَ مِنْهُ دُونَ قَلِيلِهِ،
** وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ الواحدة من هجاء النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبَةٌ لِلْكُفْرِ.
** قَالُوا: بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ غَالِبًا عَلَيْهِ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ
** فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ حِفْظُ الْيَسِيرِ مِنَ الشِّعْرِ مَعَ هَذَا؛ لِأَنَّ جَوْفَهُ لَيْسَ مُمْتَلِئًا شِعْرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
** وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّعْرِ مُطْلَقًا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا فُحْشَ فِيهِ، وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(خُذُوا الشَّيْطَانَ)،
** وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً: هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ وَنَحْوُهُ.
** قَالُوا: وَهُوَ كَلَامٌ، حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ.
** وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْرَ ,وَاسْتَنْشَدَهُ وَأَمَرَ بِهِ حَسَّانَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ,
** وَأَنْشَدَهُ أَصْحَابُهُ بِحَضْرَتِهِ فِي الْأَسْفَارِ وَغَيْرِهَا
** وَأَنْشَدَهُ الْخُلَفَاءُ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاءُ السَّلَفِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْمَذْمُومَ مِنْهُ وَهُوَ الْفُحْشُ وَنَحْوُهُ.
** وَأَمَّا تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَهُ يَنْشُدُ:(شَيْطَانًا) فَلَعَلَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَ الشِّعْرُ هُوَ الْغَالِبُ عليه أَوْ كَانَ شِعْرُهُ هَذَا مِنَ الْمَذْمُومِ ** وَبِالْجُمْلَةِ فَتَسْمِيَتُهُ:(شَيْطَانًا) إِنَّمَا هُوَ فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَغَيْرُهَا وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
** قَوْلُهُ:(يَسِيرُ بِالْعَرْجِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ. اهـ
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
(2/ 398)
** النوع التاسع والأربعون
** (معرفة الشعر والشعراء)
** قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعرُ كلام موزونٌ مقفى، دال على معنى، ويكون أكثرَ من بيت.
** وإنما قلنا هذا لأنه جائز اتفاق سطر واحد بوزن يشبه وزنَ الشعر عن غير قصد، فقد قيل: إنَّ بعض الناس كَتَبَ في عُنوان كتاب:
(للإمام المسيِّب بن زُهَيْرٍ … من عِقَالِ بن شَبَّة بن عِقال) فاستوى هذا في الوزن الذي يسمى الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصِد به شعرا.
** وقد ذكر نَاسٌ في هذا كلمات من كتاب الله تعالى: كَرِهْنَا ذِكْرَها،
** وقد نزه الله سبحانه كتابَه عن شَبَهِ الشعر، كما نزَّه نبيه صلى الله عليه وسلم عن قوله.
** فإن قال قائل: فما الحكمةُ في تنزيه الله تعالى نَبيّه عن الشعر؟
** قيل له: أولُ ما في ذلك حكم الله تعالى بأنَّ {الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ، وأنَّهُمْ {في كلِّ وَادٍ يَهيمُونَ وأنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} .
ثم قال: {إلاَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات}، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإن كان أفضلَ المؤمنين إيمانا، وأكثر الصالحين عملا للصالحات) فلم يكن ينبغي له الشِّعر بحال، لأن للشعر شرائط لا يسمَّى الإنسان بغيرها شاعرا،
** وذلك أن إنسانا لو عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرَّى فيه الصدق من غير أن يُفْرِط، أو يتعدى أو يَمين، أو يأتي فيه بأشياء لا يمكن كونها بَتَّة لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله مَخْسولاً ساقطا.
** وقد قال بعض العقلاء -وسئل عن الشعر- فقال: إن هَزل أضْحك، وإن جَدَّ كذب.
** فالشاعر بين كذب وإضحاك وإذ كان كذا فقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخَصلتين وعن كل أمر دَنِيّ.
** وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا ضارعا، أو هاجيا ذا قَذَع، وهذه أوصافٌ لا تصلح لنبي.
** فإن قال: فقد يكونُ من الشعر الحكمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسِحْراً، وإن من الشِّعْر لحكمة) أو قال: حُكْماً ** قيل له: إنما نزه الله نبيه عن قيل الشعر لما ذكرناه، فأما الحكمةُ فقد آتاه الله من ذلك القِسْمَ الأجزل، والنصيبَ الأوفر في الكتاب والسُّنَّة.
** ومعنى آخر في تنزيهه عن قيل الشعر: أن أهل العَرُوض مُجْمِعُون على أنه لا فرق بين صناعة العَرُوض وصناعة الإيقاع، إلاّ أن صناعة الإيقاع تقسيم الزمان بالنَّغَم وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب، الإيقاع، والإيقاعُ ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنَا من دَدٍ ولا دَدٌ مِني).
** ثم قال ابن فارس: والشعر ديوان العرب، وبه حفظت الأنساب وعُرِفت المآثر، ومنه تُعُلِّمت اللغة، وهو حُجَّة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث صحابته والتابعين، وقد يكون شاعرٌ أشعر، وشِعْرٌ أحلى وأظرف فأما أن تتفاوت الأشعار القديمة حتى يتباعد ما بينهما في الجودة فلا وبكلٍّ يُحتج، وإلى كل يُحتاج،
** فأما الاختيارُ الذي يراه الناس للناس فشهوات كلٌّ يستحسن شيئا.
** والشعراء أُمَراء الكلام، يَقْصرون الممدود، ويَمُدُّون المقصور، ويُقَدِّمون ويؤخرون، ويومِئون ويشُيرون، ويختلسون ويُعيرون ويَسْتعيرون.
** فأما لحنٌ في إعراب، أو إزالة كلمة عن نَهج صواب فليس لهم ذلك.
** وقال ابن رشيق في العمدة: العرب أفضل الأمم، وَحِكْمَتُها أشرف الحِكَم كفضل اللسان على اليد.
** وكلام العرب نوعان: منظوم ومنثور لكل نوع منهما ثلاث طبقات: جيدة ومتوسطة ورديئة، فإذا اتفقت الطبقتان في القَدْر، وتساوتا في القيمة ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى كان الحكم للشعر ظاهرا في التسمية لأن كل منظوم أحسنُ من كل منثور من جنسه في معترف العادة ألا ترى أن الدُّرَّ وهو أخو اللفظ ونسيبُه، وإليه يقاس وبه يشبه إذا كان منظوما يكون أظهر لحسنه، وأصْونَ له.
** وكذلك اللفظ إذا كان منثورا تَبَدَّد في الأسماع، وتَدَحْرَجَ في الطباع، ولم يستقر منه إلا المفرطة في اللطف فإذا أخذه سِلْكُ الوَزْنِ وعِقْد القافية تألفت أشْتاته، وازدوجت فرائده، وأمن السرقة والغَصب.
** وقد أجمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيدا محفوظا، وأن الشعرَ أقلُّ، وأكثر جيدا محفوظا لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جَيِّد المنثور.
** وكان الكلامُ كله منثورا، فاحتاجت العرب إلى الغِناء بمكارم أخلاقها، وطَيِّب أعراقها، وذكرِ أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفُرسَانها الأَنجاد، وسمحائها الأجواد لتهز نفوسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض فعملوها موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعرا، لأنهم قد شَعروا به أي فَطِنوا له.
** وقال: ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يُحفظ من المنثور عُشْره ولا ضاع من الموزون عشره.
** فإن احتج أحد على تفضيل النثر على الشعر بأن القرآن منثور وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاه الشِّعرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}،
** قيل له: إن الله بعث رسوله آية وحجة على الخلْق، وجعل كتابه منثورا ليكون أظهر برهانا بفضله على الشعر الذي من عادة صاحبه أن يكون قادرا على ما يحب من الكلام، وتحدَّى جميع الناس من شاعر وغيره بعمل مثله، فأعجزهم ذلك فكما أن القرآن أعجَز الشعراء وليس بِشِعْر، كذلك أعجزَ الخطباء وليس بخُطبة، والمترسلين وليس بترسل، وإعجازُه الشعراء أشدُّ برهانا ألا ترى العرب كيف نسبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشعر لَمَّا غُلِبوا وتبين عجزهم فقالوا: هو شاعر لمَا في قلوبهم من هيبة الشعر وفخامته، وأنه يقع منه ما لا يُلحَق والمنثور ليس كذلك، فمن هنا قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي لتقوم عليكم الحجة ويصح قِبَلكم الدليل.
** قال ابنُ رشيق: وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنَّأتها بذلك وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبْن بالمزَاهِر كما يصنعن في الأعراس، وتتباشر الرجال والولْدَان لأنه حِماية لأعراضهم، وذَبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادَةٌ لِذِكْرِهِمْ وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تُنتج.
** وقال محمد بن سلام الجمحي في طبقات الشعراء: لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من القبائل العرب، وكان الشِّعْر في الجاهلية عند العرب ديوانَ علمهم، ومنتهى حكمتهم، به يأخذون وإليه يصيرون.
** قال ابن عوف عن ابن سِيرين: قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: كان الشِّعْرُ علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ولَهَتْ عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأنَّ العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يَئِلُوا إلى ديوان مُدَوَّن، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب مَنْ هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقلَّ ذلك وذهب عنهم منه كثير،
** وقد كان عند آل النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول، وما مُدِح به هو وأهل بيته، فصار ذلك إلى بني مروان أو صار منه.
** قال يونس بن حبيب: قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه ولو جاءكم وافرا لجاءكم عِلْمٌ وشِعر كثير.
** قال محمد بن سلام الجُمَحي: ومما يدل على ذهاب الشعر وسقوطه قلةُ ما بأيدي الرواة المصحِّحين لطرفة وعَبيد اللَّذين صحَّ لهما قصائد بقدر عشر وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وضعا من الشهرة والتَّقْدِمة، وإن كان ما يروي من الغث لهما فليسا يستحقان مكانهما على أفواه الرواة، ويروى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير، غير أن الذي نالهما من ذلك أكثر، وكانا أقدم الفحول، فلعل ذلك لذلك. فلما قل كلامهما حمل عليهما حملا كثيرا. اهـ
(فائدتان: الأولى):
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه:(فتح الباري)، (1/ 9):
** وَقَدِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى افْتِتَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَكَذَا مُعْظَمُ كُتُبِ الرَّسَائِلِ.
** وَاخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا.
** فَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ.
** وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ:(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
** وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْخَطِيبُ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ
(الثانية):
** من كتاب (في تاريخ الأدب الجاهلي)، (ص: 287)، لعلي الجندي:
** (. . . فطريق الشعر طويل وشاق يحتاج إلى موهبة وكفاءات ومؤهلات، والشعراء يختلفون في الجودة والمكانة،
** وبعضهم يجعل الشعراء أربعة أنواع:
- شاعر خنذيذ، وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره.
- شاعر مفلق، وهو الذي لا رواية له، لكنه مجيد.
- شاعر فقط، وهو فوق الرديء بدرجة.
- شعرور، وهو لا شيء.
** ومن أطراف ما قيل في ذلك شعرًا:
الشعراء فاعلمنّ أربعَهْ***فَشَاعِرٌ يجري ولاَ يُجْرَى مَعَهْ
وشاعرٌ يخوض وسطَ المعمعَهْ***وشاعرٌ لا تشتهي أن تَسْمَعَهْ
وشاعر لا تستحي أن تَصْفَعَهْ. اهـ
(تنبيه):
** الحديث الذي ذكره السيوطي ? ما أنَا من دَدٍ ولا دَدٌ مِني).
رواه البيهقي في كتاب:(الآداب)، (ص: 258) برقم:(630)
من حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي عنه مرفوعا بلفظ: «لَسْتُ مِنْ دَدٍ وَلَا دَدٌ مِنِّي» ,
** وضعفه العلامة الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع برقم: (4673)
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 28 / 1/ 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
97 تأليف الكتب: أنواعه وأسبابه
سلسلة الفوائد اليومية:
97 تأليف الكتب: أنواعه وأسبابه
قال العلامة أبو الطيب محمد صديق خان الحسيني البخاري القِنَّوجي(المتوفى:1307هـ) في كتابه:(أبجد العلوم) (ص:107):
اعلم أن كتب العلم كثيرة؛ لاختلاف أغراض المصنفين في الوضع والتأليف، ولكن تنحصر من جهة المعنى في قسمين:
الأول: إما أخبار مرسلة، وهي كتب التواريخ، وإما أوصاف وأمثال ونحوها قيدها النظم، وهي دواوين الشعر.
والثاني: قواعد علوم وهي تنحصر من جهة المقدار في ثلاثة أصناف:
الأول: مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس المسائل ينتفع بها المنتهي للاستحضار، وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء لسرعة هجومهم على المعاني من العبارات الدقيقة.
والثاني: مبسوطات تقابل المختصرات، وهذه ينتفع بها للمطالعة.
والثالث: متوسطات وهذه نفعها عام.
ثم إن التأليف على سبعة أقسام:
لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي:
إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه.
أو شيء ناقص يتممه.
أو شيء مغلق يشرحه.
أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه.
أو شيء متفرق يجمعه.
أو شيء مختلط يرتبه
أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه.
اهـ المراد
وفي كتاب:(أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض),(3/ 34) لشهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، أبي العباس المقري التلمساني (المتوفى: 1041هـ):
ورأيت بخط بعض الأكابر ما نصه: المقصود بالتأليف سبعة:
شيء لم يسبق إليه فيؤلف،
أو شيء ألف ناقصا فيكمل،
أو خطأ فيصحح،
أو مشكل فيشرح،
أو مطول فيختصر،
أو مفترق فيجتمع،
أو منثور فيرتب.
وقد نظمها بعضهم فقال:
ألا فاعلمن أنّ التآليف سبعة
لكلّ لبيب في النّصيحة خالصِ
فشرحُ لإغلاق وتصحيح مُخطئ
وإبداعُ حِبْرٍ مُقْدِمٍ غير ناكصِ
وترتيب مَنثورٍ وجمع مُفَرَّقِ
وتقصير تطويلٍ وتتميم ناقصِ.
اهـ
ونظمها بعضهم في بيت واحد فقال:
في سبعة حصروا مقاصد العقلا
من التآليف فاحـفظها تنل أمـلا
أبدع، تمام، بيان، لاختصارك في
جمع، ورتب، وأصلح يا أخي الخللا
والله الموفق.
كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
الاثنين 26/ 1 / 1438 هـ
ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
96 ذكر مواليد بعض أئمة النحو ووفياتهم
سلسلة الفوائد اليومية:
96 ذكر مواليد بعض أئمة النحو ووفياتهم
قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
(2/ 392):
النوع الثامن والأربعون
(معرفة المواليد والوفيات)
أبو الأسود الدؤلي:
قال أبو الطيب: قال أبو حاتم: ولد في الجاهلية،
وقال غيره: مات في طاعون الجارف سنة تسع وستين.
أبو عمرو بن العلاء:
[[ولد بالحجاز، سنة سبعين، وقيل: اثْنَتَيْنِ وَسبعين.]]
مات سنة أربع.
وقيل: سنة تسع وخمسين، ومائة بطريق الشام.
عيسى بن عُمَر الثَّقَفِي:
مات سنة تسع وأربعين وقيل: سنة خمسين ومائة.
يونس بن حبيب الضبَّي:
ولد سنة تسعين، ومات سنة اثنين وثمانين ومائة.
الخليل بن أحمد:
[[ولد في البصرة سنة مائة.]]
مات سنة خمس وسبعين ومائة،
وقيل: سنة سبعين، وقيل: سنة ستين، وله أربع وسبعون سنة.
الأصمعي:
ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة، ومات في صفر سنة ست عشرة، وقيل: خمس عشرة ومائتين.
سيبويه:
[[ولد سيبويه بقرية من قرى شيراز، يقال لها: “البيضاء” من عَمَل فارِس، سنة أربعين ومائة
وقيل: ثمان وأربعين ومائة]]
مات بِشِيرَاز، وقيل: بالبيضا سنة ثمانين ومائة، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، قاله الخطيب البغدادي.
وقيل: نَيَّف على الأربعين.
وقيل مات بالبصرة سنة إحدى وستين.
وقيل: سنة ثمان وثمانين.
وقال ابن الجوزي: مات بساوَة سنة أربع وتسعين.
قُطْرُب:
مات سنة ست ومائتين.
أبو الحسن الأخفش:
مات سنة عشر، وقيل خمس عشرة، وقيل إحدى وعشرين ومائتين.
الكِسائي:
[[ولد في حدود سنة عشرين ومئة.]]
مات بالرِّي سنة تسع وثمانين ومائة، جزم به أبو الطيب ,
وقيل سنة اثنتين وثمانين،
وقيل سنة ثلاث وثمانين،
وقيل سنة اثنتين وتسعين.
الفراء:
[[بالكوفة سنة 144 للهجرة]]
مات بطريق مكة سنة سبع ومائتين، وله سبع وستون سنة.
أبو عمر الجَرْمي:
مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
المازني:
[[ولد بمكة سنة 70 للهجرة]]
مات سنة تسع أو ثمان وأربعين ومائتين، كذا قال الخطيب.
وقال غيره: سنة ثلاثين.
المبرِّد:
ولد سنة عشر ومائتين، ومات سنة اثنتين،
وقيل: خمس وثمانين ومائتين.
ثعلب:
ولد سنة مائتين، ومات في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين.
الزَّجَّاج:
[[ولد ببغداد سنة 241 للهجرة]]
مات سنة إحدى عشرة وثلثمائة.
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس:
[[ولد بمصر سنة 260 للهجرة تقريبا]]
مات غريقا في النيل سنة سبع، أو ثمان وثلاثين وثلثمائة.
أبو علي الحسين بن أحمد الفارسي:
[[ولد في فسا (من أعمال فارس) سنة 288 للهجرة]]
مات سنة سبع وسبعين وثلثمائة.
محمد بن سعيد السِّيرافي الفالي:
ولد قبل السبعين ومائتين، ومات ببغداد في رجب سنة ثمان وستين وثلثمائة.
أبو محمد بن دَرَسْتَويْه:
ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات سنة سبع وأربعين وثلثمائة.
أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي:
[[تلميذ الشيخ أبي إسحاق الزّجاج إِبْرَاهِيم بْن السّري المتقدم ذكره، نسب إِلَيْهِ للزومه إياه، ولد بنهاوند]]
مات بطبَرية سنة تسع وثلاثين، وقيل: أربعين وثلثمائة.
أبو الفتح عثمان بن جني:
ولد قبل الثلاثين وثلثمائة، ومات سنة اثنتين وتسعين.
علي بن عيسى الرماني:
ولد سنة ست وسبعين ومائتين، ومات سنة أربع وثمانين وثلثمائة.
ابن بابشاذ النحوي:
مات سنة تسع وستين وأربعمائة.
الكمال بن الأنبار:
[[ولد سنة 531 للهجرة]]
مات سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري:
ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، ومات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
ابن الشَّجَري:
ولد سنة خمسين وأربعمائة، ومات سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
جمال الدين بن مالك:
ولد سنة ستمائة، ومات في شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
الرضي الشاطبي:
ولد سنة إحدى وستمائة، ومات بالقاهرة المُعزية سنة أربع وثمانين.
أبو حَيَّان الإمام أثير الدين:
ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، ومات في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة.
والله الموفق.
كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
السبت 24 / 1/ 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
95 ذكر ألقاب بعض أئمة اللغة والنحو، وسبب تلقيبهم
سلسلة الفوائد اليومية:
95 ذكر ألقاب بعض أئمة اللغة، وسبب تلقيبهم
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
(2/ 364)
الفصل الثالث: في معرفة الألقاب وأسبابها.
** وهي قسمان: [القسم الأول: أئمة اللُّغة والنحو]
** (عَنْبسة الفيل):
** [[اسمه: عنبسة بن مَعْدان مولى مَهْرَة، وهو المعروف بالفيل.]]
** قال الزمخشري في ربيع الأبرار: لقب بذلك لأن مَعْدان أباه كان يروض فيلا للحجاج.
** قلت: فينبغي أن يكون اللقب لأبيه لا له.
** (سيبويه):
** [[اسمه: عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب , ويكنى أبا بشر]].
** لَقب إمام النحو، وهو لفظ فارسي، معناه رائحة التفاح.
** قيل: كانت أمه ترقصه بذلك في صغره،
** وقيل: كان من يلقاه لا يزال يَشَمُّ منه رائحة الطِّيب، فسمي بذلك،
** وقيل: كان يعتاد شم التفاح،
** وقيل: لُقِّب بذلك لِلَطَافَتِه لأن التفاح من لطيف الفواكة.
** البَطَلْيَوْسِي في شرح الفصيح: الإضافة في لغة العجم مقلوبة كما قالوا: سيبويه، والسيب التفاح، وويْه رائحته والتقدير رائحة التفاح.
** (قُطْرُب):
** [[اسمه: محمد بن المستنير أبو علىّ المعروف بقطرب.]]
** لازم سيبويه، وكان يُدْلج إليه فإذا خرج رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قُطْرُبُ ليل فلقب به.
** (المبرِّد):
** [[اسمه: محمد بن يزيد , أبو العباس المبرد.]]
** قال السِّيرافي: لما صنف المازني كتابه الألف واللام سأل المبرِّد عن دقيقِه وعويصهِ، فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرِّد (بكسر الراء) أي المثْبِت للحق ,
** فغيَّره الكوفيون، وفتحوا الراء.
** (ثعلب):
** [[اسمه: أحمد بن يحيى بن زيد بن سيّار ، أبو العباس النحوىّ الشيبانىّ مولاهم المعروف بثعلب.]]
** إمام الكوفيين اسمه أحمد بن يحيى.
** (الأخفش): جماعة يأتون في نوع المتفق والمفترق.
[[لقب لأحد عشر نحويا , والمراد به عند الإطلاق: أبو الحسن سَعِيدُ بنُ مَسْعَدَةَ]].
** (السِّكِّيت):
** والد أبي يوسف يعقوب بن السِّكِّيت.
** قال الحافظ أبو بكر الشِّيرازي في كتاب الألقاب: قال علي بن إبراهيم القطان القَزويني: سئل ثعلب: هل رأيت السِّكيت فقال: نعم، وكان لي أخا أو شبيها بالأخ.
** وكان سكِّيتاً كما سمي.
** (شبة):
** والد عمر بن شبة، اسمه يزيد , وإنما لقب شَبّة لأن أمه كان ترقصه وتقول:
(يا بِأَبي وشبَّا… وعاش حتى دبا) // الرجز //
ذكره الشِّيرازي في الألقاب.
** (نِفْطَوَيْهِ): اسمه إبراهيم بن محمد بن عرفة، لقب بذلك تشبيها بالنِّفط لدَمَامَتِه وأدمته، وجعل على مثال سيبيويه في النحو إليه.
** قال الزَّمْلكانيّ في شرح المفصل: نِفْطَوَيْه يجوز فتح نونه، والأكثر كسرها.
** وقال ياقوت الحموي: قد جعله ابن بسام بضم الطاء وسكون الواو وفتح الياء.
** (النبَّاح):
** [[اسمه: اسمه صالح بن إسحاق , ويكنى أبا عمر , وهو مولى لجرم بن زمان , وجرم من قبائل اليمن.]]
** قال ابن دَرَسْتويه في شرح الفصيح: كان أبو عمر الجَرْمي يلقب النباح لكثرة مناظرته في النحو وصياحه.
** (سُبُّخْت):
** هو لقب لأبي عبيدة مَعْمر بن المُثَنَّى , أنشد ثعلب:
(فخذ من سلح كيسان… ومن أظفار سبخت) // الهزج //
** (أبو القُنْدَيْن):
** لقب الأصمعي، قال أبو حاتم: قيل له ذلك لكبر خُصْييه.
ذكره ابن سيده في المحكم.
** [[واسم الأصمعي: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علىّ بن أصمع , منسوب إلى جدّه أصمع , ويكنى أبا سعيد.]]
** (مُعاذ الهَرّاء):
** [[اسمه: معاذ بن مسلم الهراء، أبو مسلم.]]
** قال في الصِّحاح: قيل له ذلك، لأنه كان يبيع الثياب الهَرَوية.
تنبيه:
انتهى بتصرف مع زيادة ما بين المكوفين .
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 20/ 1 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
94 ذكر بعض كنى الحيوانات التي كنتها بها العرب
سلسلة الفوائد اليومية:
94 ذكر بعض كنى الحيوانات التي كنتها بها العرب
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
(1/ 394)
** النوع السادس والثلاثون
** (معرفة الآباء والأمهات…)
** أبو الحِسْل الّضبِّ، والحِسل ولده.
** أبو الحصَيْن، وأبو الحِنْبِص، وأبو خالد: الثعلب.
** وأبو جعدة، وأبو جعادة، وأبو عَسْلة، وأبو مَذْقَة، وأبو ثمامة: الذئب.
** أبو خَدْرة: طائر بالحجاز.
** أبو الحارث، وأبو فِراس، وأبو الأبطال، وأبو جرو، وأبو الأخياس، وأبو التأمور، وأبو الجراء، وأبو حفص الخدر، وأبو رزاح، وأبو الزَّعفران، وأبو شِبل، وأبو ليث، وأبو لبد، وأبو الغَريف، وأبو محراب، وأبو محطم، وأبو الخنحس، وأبو الوليد، وأبو الهَيْصم، وأبو العباس: كُنْية الأسد.
** وأبو الأبرد، وأبو الأسود، وأبو جَلْعَد، وأبو جَهْل، وأبو خطار، وأبو رَقاش: النمر.
** أبو الأبَد: النسر.
** وأبو الأثقال، وأبو الأشحج: البَغْل.
** وأبو الأخبار، وأبو روح: الهُدْهُد.
** وأبو الأخذ: الباشق.
** وأبو الأخطل: البِرْذَون.
** وأبو الأشعث: البازي.
** وأبو الأشيم، وأبو حُسبان: العقاب.
** وأبو أيوب: الجَمَل، وأبو بحر: السَّرطان.
** وأبو بَحير: التَّيْس.
** وأبو البختري: الحية.
** وأبو برائل، وأبو حماد: الديك.
** وأبو بُريد: العَقعَق.
** وأبو ثقل: الضَّبُع.
** وأبو جاعرة: الغداف من الغِرْبان.
** وأبو الجَرّاح، وأبو حدر، وأبو زاجر: الغراب.
** وأبو الجلاح، وأبو جُهينة، وأبو حُميد: الدب.
** وأبو حاتم، وأبو خالد: الكلب.
** وأبو الحجاج: العُقاب والفِيل.
** وأبو الحرماز وأبو دَغْفَل: الفيل.
** وأبو الحُسن: الطَّاووس.
** وأبو الحسين: الغَزَال.
** وأبو حيان: الفَهْد.
** وأبو خبيب، وأبو راشد: القِرد.
** وأبو خداش: السِّنَّور، والأرنب.
** وأبو دُلَف: الخِنْزير.
** وأبو زُرعة: الخِنزير، والثور.
** وأبو زفير: الأوز.
** وأبو زِياد، وأبو صابِر: الحِمار.
** وأبو شُجاع وأبو طالِب: الفَرَس.
** وأبو طامِر وأبو عدي: البُرْغُوث.
** وأبو عاصِم: الزُّنبور.
** وأبو العرمض: الجاموس.
** وأبو عِكْرِمة: الحمام.
** وأبو العَوّام: السَّمَك.
** وأبو يعقوب: العُصْفور.
** وأم حِلْس وأم تَوْلَب، وأم الهِنْبِر: الأتان.
** والهِنْبِر: هو الجَحْش.
** أم عَوْف: الجَرَادة.
** أم الهِنْبِر في لغة فَزَارة: الضبع، وهي تكنى: أم رعال، بالراء، [ وأم عامر ].
** أم عِرْيَط: العقرب.
** أم رَاشِد: كنية الفأرة.
** وأم حَفْصة، وأم إحدى وعشرين: الدجاجة.
** وأم أدْرَاص: اليَرْبوع وولد اليَرْبوع يقال له الدِّرص والجمع أدراص.
** أم قَشْعَم: العنكبوت.
** وأم الأشعث: الشاة.
** وأم الأسود: الخنفساء.
** وأم تَوْبة: النملة.
** وأم ثلاثين: النعامة.
** وأم حَفْصَة: الدجاجة والبطة والرَّخمة.
** وأم خِدَاش: الهِرَّة.
** وأم خِشَف: الظبية.
** وأم شِبل: اللبوة.
** وأم طِلْحَة: القملة.
** وأم عافية وأم عثمان: الحية.
** وأم عيسى: الزرافة.
** وأم يَعْفور: الكلْبة.
** اهـ بتصرف.
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 16/ 1 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
93 أطول سند في الأمهات الست
سلسلة الفوائد اليومية:
93 أطول سند في الأمهات الست
** أطول سند وقع في الأمهات الست سند عشاري، أي أن بين المصنف وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشرة رواة.
أخرجه بهذا الطول النسائي والترمذي.
** قال الإمام أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النسائي في سننه (2/ 171):
996 -أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنُ يِسَافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ امْرَأَةٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثُ الْقُرْآنِ»
** قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَعْرِفُ إِسْنَادًا أَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
** وقال في كتابه:(عمل اليوم والليلة)، (ص:424) بعد أن ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد: لَا أعرف فِي الحَدِيث الصَّحِيح إسنادا أطول من هَذَا.
** [وقال الألباني: صحيح]
** وقال الإمام الترمذي في سننه / ت شاكر (5/ 167):
2896 -حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ امْرَأَةٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ مَنْ قَرَأَ: اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ ”
** [وقال الألباني: صحيح]
** وأخرج الإمام البخاري في صحيحه حديثا واحدا بسند تساعي، وهو أطول سند عنده.
** قال الإمام البخاري في صحيحه (9/ 61):
7135 – حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا»، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ».
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه:(فتح الباري)، (13/ 107):
** وَهَذَا السَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ، وَهُوَ أَنْزَلُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ بِدَرَجَتَيْنِ،
** وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَطْوَلُ سَنَدًا فِي الْبُخَارِيِّ؛ فَإِنَّهُ تُسَاعِيٌّ.
** وَغَفَلَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: فِيهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ صَحَابِيَّاتٍ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ فِيهِ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَدَّمْتُ إِيضَاحَهُ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ فِي بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ)،
** وَذَكَرْتُ هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي زِيَادَةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي الْإِسْنَادِ. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 15 / 11/ 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
92 ذكر بعض الألفاظ المولدة الدخيلة في كلام العرب
سلسلة الفوائد اليومية:
92 ذكر بعض الألفاظ المولدة الدخيلة في كلام العرب
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)، (1/242):
** النوع الحادي والعشرون
** (معرفة المولد)
** وهو ما أحْدثه المولَّدون الذين لا يُحْتجّ بألفاظهم والفرق بينه وبين المصنوع أن المصنوع يُورده صاحبه على أنه عربي فصيح وهذا بخلافه.
** وفي مختصر العين للزبيدي: المولد من الكلام المحدَث.
** وفي ديوان الأدب للفارابي يقال: هذه عربية وهذه مولَّدة.
** ومن أمثلته: قال في الجمهرة: (الحُسْبان) الذي ترمى به هذه السهامُ الصغار مولد.
** وقال: كان الأصمعي يقول: (النّحْريرُ) ليس من كلام العرب وهي كلمة مولدة.
……………
** وقال ابن دُريد في الجمهرة: قال الأصمعي: (المَهْبُوت): طائر يُرْسَل على غير هداية وأحسبها مَولّدة.
** وقال: (أخُّ) كلمةٌ تقال عند التأوه، وأحسبها مُحْدَثة.
** وفي ذيل الفصيح للموفق البغدادي: يقال عند التألم: (أَحّ) بحاء مهملة وأما (أخُّ) فكلام العجم.
** وقال ابن دريد: (الكابوسُ) الذي يقعُ على النائم أحسبه مولدا.
** وقال الجوهري في الصحاح: (الطَّرَش) أهونُ الصمم يقال هو مولد.
……………
** وقال عبد اللطيف البغدادي في ذيل الفصيح: (الفطْرَة) لفظٌ مولد.
وكلام العرب (صدقة الفطر) مع أن القياس لا يدفعه، كالفرقة والنّغْبَة لمقدار ما يُؤخذ من الشيء.
** وقال: أجمع أهل اللغة على أن (التَّشْويش) لا أصل له في العربية وأنه مولد وخطَّؤوا الليث فيه.
** قال: وقولهم: (سِتّي) بمعنى سيدتي مولد ولا يقال: (سِتّ) إلا في العدد.
** وقال: (فلانٌ قرابتي) لم يسمع، إنما سمع: قريبي أو ذو قَرَابتي.
** وجزم بأنَّ (أطْرُوشُ) مولد.
** وفي شرح الفصيح للمرزوقي: قال الأصمعي: إن قولهم: (كَلْبة صارِف) بمعنى مُشْتَهية للنكاح ليس في كلام العرب وإنما ولده أهل الأمصار.
** قال: وليس كما قال، فقد حكى هذه اللفظة أبو زيد وابن الأعرابي والناس.
** وفي الروضة للإمام النووي في باب الطلاق: أن (القَحْبة) لفظة مولدة ومعناها البغي.
** وفي القاموس: (القَحْبة): الفاجرة: وهي السعال لأنها تَسْعُل وتُنَحْنِحُ أي تَرْمُزُ به، وهي مولدة.
** وفي تحرير التنبيه للنووي: (التفرج) لفظة مولدة لعلها من انفراج الغم وهو انكشافه.
……………
** وفي فقه اللغة للثعالبي: يقال للرجل الذي إذا أكل لا يُبقي من الطعام ولا يَذَر: (قَحْطِي) وهو من كلام الحاضرة دون البادية.
** قال الأزهري: أظنُّه يُنْسَب إلى القَحْط لكَثْره أكله كأنه نجا من القَحْط.
** وفيه: (الغَضَارَة) مولَّدة لأنها من خَزَف، وقِصَاعُ العرب من خشَب.
……………
** وقال أبو عبيد في الغريب المصنف: (الجَبَريّة) خلاف القَدَرية، وكذا في الصحاح، وهو كلام مولد.
** وقال المبرد في الكامل: جمع الحاجة (حاجٌ)، وتقديره فعله كما تقول: هامة وهام وساعة وساع.
** فأما قولهم في جمع حاجةٍ: (حَوَائج) فليس من كلام العرب على كثرته على أَلْسِنة المولَّدين ولا قياسَ له.
** وفي الصحاح: كان الأصمعي يُنْكِرُ جمع حاجة على حوائج، ويقول مولد.
** وفي شرح المقامات لسلامة الأنباري: قيل: (الطُّفَيْلي) لغة مُحدَثَة لا توجد في العتيق من كلام العرب.
** كان رجل بالكوفة يقال له طُفَيل يأْتي الولائم من غير أن يُدْعَى إليها فَنُسِب إليه.
** وفيه: قولهم للغَبيِّ والحَرِيف: (زَبُون) كلمة مولدة ليست من كلام أهل البادية.
** وفي شرح المقامات للمطرزي: (الزَّبُون): الغبي الذي يُزْبَن ويُغْبَن. وفي أمثال المولدين: الزَّبُون يفرح بلاَ شيء.
** وقال المطرزي أيضا في الشرح المذكور: (المخرقة) افتعال الكذب وهي كلمة مولدة وكذا في الصحاح.
……………
** وفي شرح الفصيح للبطليوسي: قد اشتقوا من بغداد فعلا فقالوا:
(تَبَغْدَدَ فلان).
** قال ابن سيده: هو مولد وفيه أيضا: (القَلَنْسُوَة) تقول لها العامة الشاشية، وتقول لصانعها (الشواشي)، وذلك من توليد العامة.
** وقال ابن خالويه في كتاب: (ليس): (الحوَامِيم) ليس من كلام العرب إنما هو من كلام الصبيان تقول: (تعلمنا الحواميم)، وإنما يقال:
(آل حاميم)
** كما قال الكميت: (من الطويل)
(وَجَدْنَا لَكُمْ في آل حاميمَ آية)
ووافقه في الصحاح.
** وقال الموفق البغدادي في ذيل الفصيح: يقال: (قرأتُ آلَ حاميم، وآل طاسين)، ولا تقل: (الحواميم).
……………
** وقال محمد بن المعلى الأزدي في كتاب المشاكهة: في اللغة العامة تقول لحديث يستطال: (بَسْ)، والْبَسُّ: الخلط،
** وعن أبي مالك: البس: (القطع)
** ولو قالوا لمحدثه (بسا) كان جيدا بالغا بمعنى المصدر، أي: بس كلامك بسا، أي: اقطعه قطعا
** وأنشد: (من الوافر):
يحدِّثنا عبيد ما لَقينا
فبسك يا عبيد من الكلام
** وفي كتاب العين: (بَسْ) بمعنى حَسْب.
** قال الزبيدي في استدراكه: (بَسْ)بمعنى: حَسْب، غير عربية.
……………
** وقال ابن دُريد في الجمهرة: (شُنْطَف) كلمةٌ عامية ليست بعربية مَحْضَة.
** قال: (وخمنت الشيء): قلت فيه: الحدس أحسبه، مولدا، حكاه عنه في المحكم.
** وفي كتاب: (المقصور والممدود) للأندلسي: (الكيمياء) لفظة مولدة يُراد بها الحِذْق.
** وقال السخاوي في (سِفر السعادة): (الرَّقيع) من الرجال: الواهن المغفل، وهي كلمة مولدة، كأنهم سموه بذلك لأن الذي يُرْقَع من الثياب الواهي الخَلَق.
** وفي القاموس: (الكُسُّ) للْحَرِ ليس من كلامهم إنما هو مولد.
** وقال سلامة الأنباري في شرح المقامات: (الكُسّ والسُّرْم) لغتان مولدتان وليستا بعربيتين، وإنما يقال: فرج ودبر.
** قلت: في لفظة (الكُس) ثلاثة مذاهب لأهل العربية:
** أحدها هذا،
** والثاني: أنه عربي، ورجَّحه أبو حيان في تذكرته، ونقله عن الأسنوي في المهمات، وكذا الصغاني في كتاب: (خلْق الإنسان)، ونقله عنه الزركشي في: (مهمات المهمات).
** والثالث: أنه فارسي معرب، وهو رأي الجمهور، منهم المطرزي في: (شرح المقامات).
** وقد نقلت كلامهم في الكتاب الذي ألَّفْته في (مراسم النكاح).
** وفي القاموس: (الفُشَار) الذي تستعمله العامة بمعنى الهذيان ليس من كلام العرب.
** وفي (المقصور والممدود) للقالي: قال الأصمعي: يقال: صلاة الظهر، ولم أسمع (الصلاة الأولى)، وإنما هي مولدة،
قال: وقيل لأعرابي فصيح: (الصلاة الأولى).
فقال: ليس عندنا إلا صلاة الهاجرة.
** وفي الصحاح: (كُنْهُ الشيء): نِهايتُه ولا يشتق منه فعل،
** وقولهم: (لا يَكتَنِهه الوصفُ) بمعنى: لا يبلغ كُنْهَه، كلام مولد.
** (فائدة)
** في أمالي ثعلب: سُئِل عن التغيير: فقال هو كلُّ شيء مولد.
** وهذا ضابط حسن، يقتضي أن كلَّ لفظ كان عربيَّ الأصل ثم غيرته العامة بهَمْزِ أو تَرْكه أو تسكينٍ أو تحريك أو نحو ذلك مولد،
** وهذا يجتمع منه شيء كثير.
** وقد مشى على ذلك الفارابي في ديوان الأدب، فإنه قال في الشَّمْع والشمْعة بالسكون: إنه مولد وإن العربي بالفتح.
** وكذا فعَل في كثير من الألفاظ.
… الخ) اهـ
** قال أبو عبد الله وفقه الله:
** ليس كل ما ذكر هنا أنه مولد متفقا عليه عند علماء أهل اللغة، فبعضها عربي فصيح وليس بمولد، كلفظة: (حوائج)؛ فإنه قد ورود بها السماع نثرًا وشعرًا:
** ففي صحيح البخاري (الطبعة الهندية) (ص: 2708):
** عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا، فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ»
** والأحاديث التي ذكرت فيها لفظة: (حوائج) كثيرة.
** وفي كتاب: (لسان العرب)، (2/ 243):
** وَكَانَ الأَصمعي يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ هُوَ مولَّد؛
** قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وإِنما أَنكره لِخُرُوجِهِ عَنِ الْقِيَاسِ، وإِلَا فَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَيَنْشُدُ:
نَهارُ المَرْءِ أَمْثَلُ، حِينَ تُقْضَى
حَوائِجُهُ، مِنَ اللَّيْلِ الطَّويلِ
** قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما أَنكره الأَصمعي لِخُرُوجِهِ عَنْ قِيَاسِ جَمْعِ حَاجَةٍ؛
** قَالَ: وَالنَّحْوِيُّونَ يَزْعُمُونَ أَنه جَمْعٌ لِوَاحِدٍ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ، وَهُوَ حَائِجَةٌ.
** قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنه سُمِعَ (حائِجَةٌ) لُغَةٌ فِي الحاجةِ.
** قَالَ: وأَما قَوْلُهُ إِنه مُوَلَّدٌ فإِنه خطأٌ مِنْهُ؛ لأَنه قَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي أَشعار الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ.
** فَمِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ……
** وَمِمَّا جَاءَ فِي أَشعار الْفُصَحَاءِ قَوْلُ أَبي سَلَمَةَ الْمُحَارِبِيِّ:
ثَمَمْتُ حَوائِجِي ووَذَأْتُ بِشْراً
فبِئْسَ مُعَرِّسُ الرَّكْبِ السِّغابُ
** قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ثَمَمْتُ أَصلحت؛
** وَفِي هَذَا الْبَيْتِ شَاهِدٌ عَلَى أَن حَوَائِجَ جَمْعُ حَاجَةٍ،
** قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: جَمْعُ حَائِجَةٍ لُغَةٌ فِي الحاجةِ؛
** وَقَالَ الشَّمَّاخِ:
تَقَطَّعُ بَيْنَنَا الحاجاتُ إِلَّا
حوائجَ يَعْتَسِفْنَ مَعَ الجَريء
……
** وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي: (كِتَابِهِ): فِيمَا جَاءَ فِيهِ تَفَعَّلَ واسْتَفْعَلَ، بِمَعْنًى، يُقَالُ: (تَنَجَّزَ فلانٌ حوائِجَهُ، واسْتَنْجَزَ حوائجَهُ).
…… الخ) اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 14 / 11/ 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
91 توافق اللغات على بعض الكلمات، وليس في القران شيء بغير لغة العرب
سلسلة الفوائد اليومية:
91 توافق اللغات على بعض الكلمات، وليس في القران شيءٌ بغير لغةِ العرب
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
(1/ 209)
** النوع الثامن عشر
** معرفة توافق اللغات
** قال الجمهور: ليس في كتاب اللَّه -سبحانه- شيءٌ بغير لغةِ العرب لقوله تعالى: { إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبيّاً }.
وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبين}.
** وادَّعى ناسٌ أن في القرآن ما ليس بلغةِ العرب حتى ذكروا لغةَ الروم، والقِبط، والنَّبط.
** قال أبو عبيدة: ومَن زعم ذلك فقد أكْبَرَ القول.
** قال: وقد يُوافق اللفظُ اللفظَ، ويقاربه ومعناهما واحدٌ وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها.
** قال: فمن ذلك الإسْتَبْرَق، وهو الغليظُ من الدِّيباج، وهو استبره، بالفارسية أو غيرها.
** قال: وأهلُ مكة يسمُّون المِسْح الذي يَجعَل فيه أصحاب الطعام البر (البِلاَس) وهو بالفارسية (بلاس) فأمالوها وأعربوها، فقاربت الفارسيةَ العربية في اللفْظ.
** ثم ذكر أبو عبيدة (البالِغاء) وهي الأكارع.
** وذكر (القَمَنْجَر) الذي يُصلح القسي.
** وذكر (الدَّسْت، والدَّشْت، والخِيم، والسَّخت).
** ثم قال: وذلك كلُّه من لغات العرب، وإن وافَقه في لفظه ومعناه شيء من غير لغاتهم.
** قال ابن فارس في فقه اللغة: وهذا كما قاله أبو عبيدة.
** وقال الإمام فخر الدين الرازي وأتباعه: ما وقع في القرآن من نحو: (المشكاة، والقسطاس، والإستبرق، والسجيل)،
ولا نُسَلِّم أنها غيرُ عربية، بل غايتُه أن وَضْع العرب فيها وافق لغة أخرى كالصابون والتنور فإن اللغات فيها متفقة.
** قلت: والفرق بين هذا النوع وبين المعَرَّب أن المعرَّب له اسم في لغة العرب غير اللفظ الأعجمي الذي استعملوه بخلاف هذا.
** وفي الصحاح: (الدشت): الصحراء قال الشاعر: // من الرجز //
(سُودِ نِعَاجٍ كَنِعَاجِ الدَّشْتِ)
وهو فارسيٌ أو اتفاقٌ وقعَ بين اللغتين.
** وقال ابنُ جني في الخصائص يقال: إن (التنُّور) لفظةٌ اشترَك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم، وإن كان كذلك فهو ظريف.
** وعلى كل حال فهو فَعوّل أو فعنول؛ لأنه جنسٌ.
** ولو كان أعجميا لا غير جاز تمثيلُه لِكَوْنه جنسا ولاَحقاً بالمعرب، فكيف وهو أيضا عربي لكونه في لغة العرب غير منقول إليها وإنما هو وِفاق وقع، ولو كان منقولا إلى اللغة العربية من غيرها لوَجب أن يكون أيضا وِفاقاً بين جميع اللغات غيرها ومعلومٌ سعة اللغات غير العربية، فإن جاز أن يكون مشتركا في جميع ما عدا العربية جاز أيضا أن يكون وِفاقاً فيها.
** قال: ويَبْعُدُ في نفسي أن يكون الأصلُ للغة واحدة ثم نُقِل إلى جميع اللغات لأنَّا لا نعرفُ له في ذلك نظيرا
** وقد يجوزُ أيضا أن يكون وِفاقاً وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك ثم انْتَشر بالنَّقل في جميعها.
** قال: وما أقرب هذا في نفسي لأنا لا نعرفُ شيئا من الكلام وقَع الاتفاقُ عليه في كل لغةٍ وعند كل أمة هذا كلُّه إذا كان في جميع اللغات هكذا، وإن لم يكن كذلك كان الخَطْبُ فيه أيسر.
انتهى.
** وقال الثعالبي في فقه اللغة: فصل في أسماء قائمة في لغتي العرب والفُرس على لفظٍ واحد: التنور الخمير الزمان الدِّين الكنز الدينار الدرهم. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 11/ 1 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
90 أسماء الأيام والشهور في الجاهلية
سلسلة الفوائد اليومية:
90 أسماء الأيام والشهور في الجاهلية
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)
, (1/ 174)
** أسماء الأيام في الجاهلية.
** قال في الجمهرة: أسماء الأيام في الجاهلية:
** السبت: شِيَار.
** والأحد: أَوّلُ.
** والاثنين: أَهْونَ، وأوْهَد.
** والثلاثاء: جُبَار.
** والأربعاء: دِبُار.
** والخميس: مُؤْنِس.
** والجمعة: عروبة.
** [[قلت: في كتاب: (جمهرة اللغة)، (3/ 1311):
** وَقَالَ بعض شعراء الْجَاهِلِيَّة:
أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وأَنَّ يَوْمِي *** بأَوَّلَ أَوْ بَأَهْوَنَ أَوْ جُبَارِ
أَوِ التَّالي دُبَارَ؛ فإن أَفُتْهُ *** فَمُؤْنِسَ أو عَرُوبةً أو شِيَارِ. اهـ]]
** (أسماء الشهور)
** وأسماء الشهور في الجاهلية:
** المحرم: وهو المُؤْتَمِر.
** وصفر: وهو ناجِر.
** وشهر ربيع الأول: وهو خَوَّان، وقالوا: خُوَّان.
** وربيع الآخر: وهو وَبْصَان.
** وجمادى الأولى: الحَنِين.
** وجمادى الآخرة: ربَّى.
** ورجب: الأَصَمّ.
** وشعبان: عادل.
** ورمضان: ناتِق.
** وشوَّالَ: وَعِلْ.
** وذو القعدة: ورنة.
** وذ الحجة: بُرَك.
** وقال الفراء في كتاب: (الأيام والليالي):
** (خُوَّانَ) من العرب من يخفِّفه، ومنهم من يشدده.
** والتثنية: (خوانان)، والجمع: (أخونه).
** و(ربصان)، منهم مَنْ يقُول: (بوصان)، على القَلْب،
** ومنهم مَنْ يُسقط الواو ويقول: (بُصَان)، مَضموم مخفف.
** (والحَنِينَ)، منهم مَنْ يفتح حاءه، ومنهم مَنْ يَضمّه.
** قال: و(جمادى الآخرة)، يسمى: (وَرْنَةَ)، ساكن الراء،
** ومنهم مَنْ يقول: (رِنة)، كزِنة.
** قال: (وذو القعدة)، يسمى: (هُوَاعاً).
** وقال ابن خالَويه: اختلف في (جمادى الآخرة)، فقال قُطْرب وابن الأنباري وابن دريد: هو رُبَّى بالباء.
** وقال أبو عمر الزاهد: هذا تصحيف إنما هو رنى.
** وقال أبو موسى الحامض: رِنَة.
** وقال القالي: في المقصور والَممدود: قال ابنُ الكلبي: كانت عاد تسمي جمادى الأولى: ربى، وجمادى الآخرة: حَنِيناً.
** وفي الصحاح: يقال: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمَّوْها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق شهرُ رمضان أيامَ رَمَضَ الحر فسُمِّي بذلك. اهـ بزيادة ما بين المعكوفين.
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 9/ 1 / 1438 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط:
https://binthabt.al3ilm.net/11613
=======================
89 بيان الحكمة الداعية إلى وضْع اللغة
سلسلة الفوائد اليومية:
بيان الحكمة الداعية إلى وضْع اللغة
** قال السيوطي في كتابه: (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)، (1/ 32):
** -المسألة الثالثة- في بيان الحكمة الداعية إلى وضْع اللغة:
** قال الكِيَا الهَرَّاسي في تعليقه في أُصول الفقه:
** وذلك أن الإنسانَ لمَّا لم يكن مكتفيا بنفسه في معاشه ومُقِيمات معاشه لم يكن له بدٌّ من أن يسترفد المعاونة من غيره ولهذا اتَّخَذ الناسُ المدنَ ليجتمعوا ويتعاونوا.
** وقيل: إن الإنسان هو المتمدن بالطبع والتوحُّش دَأْبُ السباع ولهذا المعنى توزَّعَت الصنائع وانْقَسَمَت الحِرَف على الخَلْق فكلُّ واحدٍ قصَر وقتَه على حِرْفة يشتغل بها؛ لأن كلَّ واحد من الخَلْق لا يمكنُه أن يقوم بجُمْلَة مَقَاصِده فحينئذ لا يخْلُو من أن يكونَ محلُّ حاجته حاضرة عنده أو غائبة بعيدة عنه.
** فإن كانت حاضرة بين يديه أمكنه الإشارة إليها، وإن كانت غائبة فلا بدَّ له من أن يدلَّ على محل حاجاته وعلى مَقْصوده وغَرضه فوضعوا الكلامَ دلالة ووجدوا اللسانَ أسرعَ الأعضاءِ حركة وقبولا للترداد.
** وهذا الكلام إنما هو حرفٌ وصوتٌ فإن تركه سدى غفلا امتدَّ وطال وإن قطعه تقطَّع فقطَّعوه وجزؤوه على حركات أعضاءِ الإنسان التي يخرج منها الصوت وهو من أقصى الرِّئة إلى منتهى الفم فوجدوه تسعة وعشرين حرفا لا تزيد على ذلك.
** ثم قسَّموها على الحلْق والصَّدْر والشَّفَةِ واللثَّة.
** ثم رَأَوْا أن الكفاية لا تقعُ بهذه الحروف التي هي تسعةٌ وعشرون حرفا ولا يحصل له المقصود بإفرادها فركبوا منها الكلامَ ثُنائيّاً وثلاثيا ورباعيا وخماسيا هذا هو الأصل في التركيب وما زاد على ذلك يُستَثْقَل فلم يضعوا كلمة أصلية زائدة على خمسة أحرف إلا بطريق الإلْحاق والزيادة لحاجة.
** وكان الأصلُ أن يكون بإزاءِ كل معنى عبارةٌ تدلُ عليه غير أنه لا يمكنُ ذلك؛ لأَن هذه الكلمات متناهيةٌ،
** وكيف لا تكون متناهية ومَوَارِدها ومَصَادرها متناهية فدعت الحاجةُ إلى وضع الأسماء المشتَركة فجعلوا عبارة واحدة لمسَمَّيَاتٍ عِدَّة كالعَيْنِ والجَوْن واللون.
** ثم وضعوا بإزاء هذا على نقيضه كلماتٍ لمعنى واحد؛ لأن الحاجةَ تدعو إلى تأكيد المعْنى والتحريض والتقرير، فلو كُرّرَ اللفظ الواحد لسَمُجَ ومُجَّ.
** ويقال: الشيء إذا تكرر تكرَّج.
** والطِّباعُ مجبولةٌ على مُعَاداة المُعَادات فخالفوا بين الألفاظ والمعنى واحد.
** ثم هذا ينقسم إلى ألفاظ متواردة وألفاظ مترادفة:
** فالمتواردة: كما تسمى الخمر: عقارا، وصهباء، وقهوة، وسلسالا، والسبعُ: ليثا، وأسدا، وضِرْغاماً.
** والمترادفة: هي التي يقام لفظ مقام لفظ لمعان متقاربة يجمعها معنى واحد كما يقال: أصلح الفاسد، ولم الشعث، ورتق الفتق، وشعب الصدع.
** وهذا أيضا مما يَحْتَاجُ إليه البليغ في بلاغته فيقال: خطيبٌ مِصْقَع، وشاعر مُفْلِق، فَبِحُسْنِ الألفاظ واختلافها على المعنى الواحد ترصع المعاني في القلوب وتَلْتَصِق بالصدور.
** ويزيد حسنُه وحَلاوته وطَلاَوته بضَرْب الأمثلة به والتشبيهات المجازية، وهذا ما يَسْتَعْمِلُه الشعراء والخطباء والمترسِّلون.
** ثم رأوا أنه يضيقُ نِطاقُ النُّطق عن استعمال الحقيقة في كل اسمٍ فعدَلوا إلى المجاز والاستعارات.
** ثم هذه الألفاظ تنقسم إلى مشتركة وإلى عامَّة مطلقة وتسمى مستغرقة وإلى ما هو مفرد بإزاء مفرد وسيأتي بيان ذلك.
** وقال الإمام فخر الدين وأتباعه: السببُ في وضع الألفاظ أن الإنسان الواحد وحدَه لا يستقلُّ بجميع حاجاته بل لا بدَّ من التعاون ولا تعاونَ إلا بالتَّعارف ولا تعارفَ إلا بأسباب كحركات أو إشاراتٍ أو نقوش أو ألفاظٍ توضع بإزاء المقاصد، وأَيْسَرُها وأفيدُها وأعمُّها الألفاظ:
** أمَّا أنها أيسر: فِلأَنَّ الحروفَ كيفيَّاتٌ تَعْرِضُ لأصواتٍ عارضة للهواء الخارج بالتنفس الضروري الممدود من قبل الطبيعة دون تكلُّف اختياري.
** وأما أنها أفيدُ: فلأَنها موجودةٌ عند الحاجة معدومةٌ عند عَدَمها.
** وأما أنها أعمُّها فليس يمكن أن يكونَ لكل شيءٍ نَقْشٌ كذات الله تعالى والعلوم، أو إليه إشارة كالغائبات.
** ويمكن أن يكونَ لكل شيءٍ لفظٌ.
فلما كانت الألفاظُ أيسرَ وأفيدَ وأعمَّ صارت موضوعة بإزاء المعاني. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 8 / 1 / 1438 هـ.
88 فضل شهر الله المحرم، ويوم عاشوراء
سلسلة الفوائد اليومية:
فضل شهر الله المحرم، ويوم عاشوراء
** الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، أعز عباده المؤمنين وأذل أعداءه الكافرين من يهود ونصارى ومشركين،
** وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصاحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
** أما بعد: فنحمد الله الكريم المنان، ذا الفضل والجود والإحسان، الذي مد في أعمارنا وأخر في آجالنا حتى أدركنا هذا العام الجديد،
** فهذه نعمة عظيمة ومنة جسيمة يجب علينا أن نشكر الله عليها، وأن نستغل ما بقي من أعمارنا في طاعة الله ربنا جل جلاله، فنتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بفعل الطاعات رغبة في ثوابه، وترك المعاصي والمنكرات رهبة من عقابه.
** جاء في سنن الترمذي وغيره من حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ»
[قال الألباني: صحيح لغيره]
** وجاء في سنن النسائي وغيره من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» صححه الألباني.
** فالعاقل اللبيب هو الذي يغتنم حياته ويستغل أوقاته في انتهاز الفرص والمواسم الإيمانية والنفحات الربانية التي تقربه من الله ورحمته وجنته، وتباعده من غضبه وسخطه وناره.
** جاء في مستدرك الحاكم من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنْهما قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجلٍ وهو يَعِظُه:
“اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ”. صححه الألباني.
** أيها الأخوة: إن الله افتتح شهور العام بشهر حرام وهو شهر الله المحرم الذي هو أحد الأشهر الأربعة الحرم التي عظمها وشرفها ونهانا أن نظلم فيهن أنفسنا كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
** وظلم النفس نوعان: ترك الواجبات، وارتكاب المحرمات.
** وقد بين النبي صلى عليه وسلم فضل هذا الشهر الكريم، وذلك بأن أضافه إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه الإضافة تقتضي التشريف والتكريم،
** وأخبر أن الصيام فيه من أفضل الأعمال فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ».
** وفي كتاب: (شرح السيوطي) لسنن النسائي،(3/ 206):
** قال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي: ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله، والشهور كلها لله؟
** يحتمل أن يقال: إنه لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال، وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص.
** ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم الا شهر الله المحرم. اهـ.
** وقال السيوطي في كتابه:[الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج] – (3 / 251):
** أقول: سئلت: لم خص المحرم بقولهم: شهر الله دون سائر الشهور، مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان؟
** ووجدت ما يجاب به: أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية.
** وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم، فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار
** وهذه الفائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة.
** قال القرطبي: إنما كان صوم المحرم أفضل الصيام من أجل أنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها بالصوم الذي هو أفضل الأعمال…الخ).
** وفي (شرح النووي على صحيح مسلم)، (4 / 185):
** قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم) تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ،
** وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحْرِم، وَذَكَرنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ:
** أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِر حَيَاته، أي قبل التمكن من صومه)
** وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار، مَنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
اهـ
** وأعظم يوم في هذا الشهر العظيم هو يوم عاشوراء الذي خصه الله بمزيد فضل وعظيم أجر، ونصر فيه أولياءه المؤمنين، وهزم أعداءه الكافرين.
** وسنتكلم على هذا اليوم العظيم في هذه النقاط التالية:
(1) فضله:
** إن لهذا اليوم فضلا عظيما وأجرا كبيرا، ومما يدل على فضله:
(أ) –أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراه غاية التحري لما له من المكانة، ففي صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ.
** فقوله: (يتحرى) من التحري، وهو المبالغة في طلب الشيء،
(ب) – أنه كان يرغب الصحابة الكرام في صيامه ترغيبا حثيثا، ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده)
** قوله: (يحثنا عليه) أي يحضنا
** وقوله: (ويتعاهدنا عنده) أي يراعي حالنا عند عاشر المحرم هل صمنا فيه أو لم نصم ]
(ج) -أنه كان يخبرهم أن صيامه سبب في تكفير سنة ماضية ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادةَ رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبيَّ عن صيام يومِ عاشورا فقال: ((أحتسبُ على اللهِ أن يكفرَ السنةَ التي قبله))،
** وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يومٍ واحد تكفيرَ ذنوبِ سنةٍ كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
** (فائدة):
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه: (فتح الباري)- (6 / 286):
**… وَظَاهِره أَنَّ صِيَام يَوْم عَرَفَة أَفْضَل مِنْ صِيَام يَوْم عَاشُورَاء،
** وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ: إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاء مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَيَوْمَ عَرَفَة مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ. اهـ
** وفي كتاب: (حاشية الجمل (8 / 317) لسليمان بن عمر، المعروف بالجمل (المتوفى: 1204هـ):
** إنَّمَا كَانَ عَرَفَةُ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ، وَالثَّانِيَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فَكَانَ يَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ. اهـ.
** وتكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر،
** أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة.
** قال النووي رحمه الله في: (المجموع شرح المهذب)، (6/ 382):
** يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ: يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ،…
** ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ… كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ.
** فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ.
** وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ. اهـ
** وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: (الفتاوى الكبرى)، (5/ 342):
** وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط، وكذا الحج، … الخ).
(2) الحكمة من صيام هذا اليوم: شكر الله جل وعلا:
** جاء في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: ((فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ))، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
** وجاء في سنن ابن ماجه بلفظ: ((فصامه موسى شكرا)).
** قوله: (يوم صالح) أي وقع فيه خير وصلاح.
** قوله: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) أي أولى بالفرح والابتهاج بنجاته مِنْكُمْ.
** قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه:(شرح رياض الصالحين)- (1 / 1443):
** فقال: (نحن أولى بموسى منكم)، لماذا؟
** لأن النبي والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين أمنوا والله ولي المؤمنين}
** فرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بموسى من اليهود؛ لأن اليهود كفروا به، وكفروا بعيسى، وكفروا بمحمد. اهـ المراد
(3) حُكْمُ صيام يوم عاشورا:
** اتفق العلماءُ على أن صيامَه من مستحب وليس من بواجب.
** عَنْ عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
** قال ابن عبد البر في كتابه: (الاستذكار)، (3/ 327):
** لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ صِيَامُهُ. اهـ
** وفي: (شرح النووي على مسلم) (8/ 4):
** (اتَّفَقَ العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
** وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ شُرِعَ صَوْمُهُ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ… الخ) اهـ المراد
(4) استحباب صوم يوم التاسع قبله مخالفة لليهود.
** عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ مُسلم
(5) مراتبُ صيامِهِ:
** قال ابن القيمِ في كتابه: (زاد المعاد) (2/ 72):
** فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ:
** أَكْمَلُهَا أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ،
** وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ،
** وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ.
** وَأَمَّا إِفْرَادُ التَّاسِعِ فَمِنْ نَقْصِ فَهْمِ الْآثَارِ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ
** وفي: (فتح الباري) لابن حجر – (6 / 280):
(… وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم ” لَئِنْ عِشْت إِلَى قَابِل لَأَصُومَن التَّاسِعَ ” يَحْتَمِل أَمْرَيْنِ:
** أَحَدهمَا: أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ،
** وَالثَّانِي: أَرَادَ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَيْهِ فِي الصَّوْم،
** فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَيَانِ ذَلِكَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ،
** وَعَلَى هَذَا فَصِيَام عَاشُورَاء عَلَى ثَلَاث مَرَاتِب:
** أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَام التَّاسِعُ مَعَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِي عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
** (مسألة: حكم إفراد عاشوراء بالصيام):
** هل يجوز صيام اليوم العاشر فقط؟
** قال شيخ الإسلام في: (الفتاوى الكبرى)، (5/ 378):
** وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ المراد
** وفي: (فتاوى اللجنة الدائمة) – 1 (10/ 401):
** السؤال الثاني من الفتوى رقم (13700)
** س2: هل يجوز صيام عاشورا يوما واحدا فقط؟
** ج2: يجوز صيام يوم عاشوراء يوما واحدا فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر).
** وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ
** (مسألة أخرى: حكم إفراد عاشوراء بالصيام إذا وافق يوم سبت أو يوم جمعة):
** في: (فتاوى اللجنة الدائمة) – 2 (9/ 313)
** س1: أنا شاب كنت مواظبا على صيام داود عليه السلام،
** لكن وجد من يقول لي: إذا وافق صومك يوم السبت أو يوم الجمعة فلا تفردهما بالصيام، وهذا قول الشيخ الألباني حفظه الله، كما قالوا،
** وبقيت أصوم وأنا في حالة اضطراب،
** فأرجو إفادتي بحكم إفراد يوم السبت ويوم الجمعة بالصوم إذا كان في صيام داود أو وافق يوم عرفة أو عاشوراء؟
** ج1: من صام صيام داود عليه السلام فلا حرج عليه في صيام يوم الجمعة أو يوم السبت إذا وافق ذلك صيامه الذي يصومه،
** وكذلك لا مانع من صيامهما إذا وافق ذلك يوم عرفة أو يوم عاشوراء،
** مع العلم بأن الحديث الخاص بالنهي عن صوم يوم السبت إلا فيما افترض علينا غير صحيح. اهـ
(6) لا يجوز تخصيص يوم عاشوراء بعبادة غير الصيام.
** وفي كتاب: (الفتاوى الكبرى)، لشيخ الإسلام (1/ 194):
15 – 15 – مَسْأَلَةٌ:
** وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وعزوا ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ:
** فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ ** وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا؟
** وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ.
** هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ، أَمْ لَا؟
** الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
** لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ.
** وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا، لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ، وَلَا فِي السُّنَنِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ،
** وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ.
** وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
** وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ،
** وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ، وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ، وَرَدَّ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ، وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ، وَفِدَاءَ الذَّبِيحِ بِالْكَبْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
** وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ}.
** وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ،… الخ).
اهـ المراد
** وفي كتاب: (الموضوعات)، لابن الجوزي (2/ 199):
** بَاب فِي ذكر عَاشُورَاءَ:
** قَدْ تمذهب قوم من الْجُهَّال بِمذهب أَهْل السّنة، فقصدوا غيظ الرافضة، فوضعوا أَحَادِيث فِي فضل عَاشُورَاءَ، وَنحن برَاء من الْفَرِيقَيْنِ.
** وَقَدْ صَحَّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بِصَوْم عَاشُورَاءَ، إِذْ قَالَ: إِنَّهُ كَفَّارَة سنة، فَلم يقنعوا بِذَلِكَ حَتَّى أطالوا وأعرضوا وترقوا فِي الْكَذِب.
** فَمن الْأَحَادِيث الَّتِي وضعُوا: … الخ). اهـ
((والخلاصة)):
** أنه ينبغي لنا أن نفرح بهذا الخير العظيم والأجر العميم الذي يسر الله به، وأن نحث عليه أبنائنا وأزواجنا وإخواننا وجيراننا وغيرهم من المسلمين، فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
** ونحن – والله وبالله وتالله – لا نستغني عن الحسنة الواحدة، فذنوبنا كثيرة جدا لا يحصيها إلا الله، كما قال الله في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «… يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، …).
** فلنسارع ولنسابق إلى هذه الحسنات والأعمال الصالحات التي ترفع درجاتنا وتكفر عنا سيئاتنا.
** قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
** وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
** ولنكن – في حب الخير والمسابقة إليه والحث عليه – مقتدين بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، والتابعين لهم بإحسان.
** عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ، الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ”
متفق عليه
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 7 / 1 / 1438 هـ
(86) الحقوق الزوجية / الحلقة الرابعة / وصايا للزوجين
سلسلة الفوائد اليومية:
الحقوق الزوجية / الحلقة الرابعة / وصايا للزوجين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصبحه أجمعين.
أما بعد: فهذه بعض الوصايا النافعة للزوجين الكريمين، التي إذا امتثلاها سعدا – بإذن الله – في الدنيا والآخرة.
** الوصية الأولى:
** الوصية بتقوى الله جل وعلا؛ فإنها خير وصية نتوصى بها،
** إذ هي وصية الله سبحانه وتعالى للأولين والآخرين،
** ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من بعده،
** ووصية عباد الله الصالحين بعضهم بعضا.
** قال الله تعالى: {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}
** وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه أحمد وغيره، [وحسنه الألباني]
** وفي كتاب: (جامع العلوم والحكم) ت الأرنؤوط (1/ 406):
(… وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهْلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ…). اهـ
** فعلى الزوجين أن يتقيا الله في جميع أمورهما، وأن يعامل كل واحد منهما الآخر معاملة ترضي الله.
** فإن قصر أحد الزوجين في أداء الواجب الذي عليه فلا يقصر الطرف الآخر.
** قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
** قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»
رواه أبو داود (3/ 290)، وقال الألباني: [حسن صحيح]
** فمثلا: إذا علمت الزوجة أن زوجها زنى، فلا تقل: وأنا سأذهب وأزني مثله، أو قصر الزوج في حقها أو سبها أو منعها بعض حاجاتها، تقول: وأنا سأعاقبه، فتمنعه حقه أو تضيع ماله، أو نحو ذلك
** الوصية الثانية:
** الحرص الشديد على تحقيق التوحيد، وذلك بأن يعتمدا كل الاعتماد على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار،
** وأن يبتعدا كل البعد عن كل الشركيات والخرافات،
** فلا عزائم ولا تمائم، ولا حتليت، ولا ملح للجن، ولا جنبية أو عطيف (حجاب من الجن)، ولا ذبح للجن عند دخول الزوجة، ولا غير ذلك من الشركيات والخرافات التي يعملها كثير من الناس رجلا ونساء؛ فالنفع والضر، والسعادة والشقاوة، والصحة والمرض، والإنجاب والعقم، كله من عند الله سبحانه وتعالى.
كما قال الله – على لسان إبراهيم الخليل -: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}
** وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
** وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “…
** وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ “.
رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني.
** الوصية الثالثة:
** الوصية بطلب العلم النافع علم الكتاب والسنة الذي يعرف كلا من الزوجين بحقوق الآخر.
** قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)
** و(الْهُدَى): هو الْعِلْمِ النافع و(دِينُ الْحَقِّ): هو الْعَمَلِ الصالح.
** وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه
** فبالعلم تبنى الأسر والمجتمعات والدول بناء قويا، وبه تعرف الأحكام من الحلال والحرام.
** فخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشر الدنيا والآخرة مع الجهل.
** وفي كتاب: (شرح السنة) للبغوي (1/ 279):
** وَقَالَ قَتَادَةُ: بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ يَحْفَظُهُ الرَّجُلُ لِصَلاحِ نَفْسِهِ، وَصَلاحِ مَنْ بَعْدَهُ، أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ حَوْلٍ.
** وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْفِقْهِ. اهـ المراد
** قال الشاعر:
العلم يبني بيوتا لا أساس لها *** والجهل يهدم بيوت العز والشرف
** الوصية الرابعة:
** الحرص الشديد على المحافظة على الصلوات في أوقاتها، كما أراد الله سبحانه وتعالى، وكما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
** قال الله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}
** وعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ” رواه البخاري
** فكثير من الزوجات لا يصلين في وقت العرس، بحجة أنها مشغولة بأمور العرس والزينة ونحو ذلك.
** وكثير من الأزواج لا يصلون في الشهر الأول من الزواج الذي يسمونه بشهر العسل، الذي حقه أن يسمى: (شهر الغفلة والبعد عن الله جل وعلا).
** فالبيت الذي لا يصلي أهله بيت خراب ودمار وشقاء ونكد؛ لأنه يكون – حينئذ – مأوى للشياطين.
** قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
** وقال تعالى عن نبيه إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}
** بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رغب الزوجين أن يتعاونا على قيام الليل، فكيف بالفرائض.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» رواه أحمد وغيره، وقال الشيخ الألباني: (حسن صحيح)، وقال شيخنا الوادعي: (هذا حديث حسن).
** وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»
رواه أبو داود وغيره [وصححه الألباني]
** وهكذا ينبغي لهما أن يتعاونا على المحافظة على النوافل القبلية والبعدية، وصلاة الضحى؛ فإن فيها الأجر العظيم والنفع العميم.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ قَالَ: …
** وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ،
** وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
** فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا،
** وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، … ” رواه البخاري
** وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ” اعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَ اللهُ لَكَ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ” رواه أحمد وغيره، [وصححه الشيخان: الألباني والوادعي]
** وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» رواه مسلم.
** الوصية الخامسة:
** القناعة.
** وذلك أن يقنع كل منهما بالآخر: بصورته، وطوله أو قصره، ونحافته أو سمنه، وقليله أو كثيره، وغير ذلك.
** فإن في ذلك الراحة والطمأنينة والرضا بما كتبه الله للعبد.
** قال الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»
متفق عليه.
** وفي كتاب: (المفهم)، (9/ 62):
** قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((ليس الغنى عن كثرة العرض))- بفتح العين والراء -، وهو: حُطام الدنيا ومتاعها…).
** ومعنى هذا الحديث: أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح، هو غنى النفس، وبيانه: أنه إذا استغنت نفسه كفّت عن المطامع، فعزّت وعظمت، فجعل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيًا بماله، فقيرًا بحرصه وشرهه، فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال، لبخله ودناءة همّته، فيكثر ذامُّه من الناس، ويصغر قدره فيهم؛ فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل صغير. اهـ
** وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» رواه مسلم.
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ،…) رواه أحمد وغيره، [وحسنه الألباني]
** وهذه قصة واقعية في القناعة وعدمها، وفيها لنا العظة والعبرة،
وهي قصة إسماعيل عليه السلام – في حديث طويل – عندما كبر وتزوج.
** عن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال:…
وَشَبَّ الغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ،
** فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ [يعني: من قبيلة جرهم]، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ،
** فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا،
** ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ،
** قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ،
** فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟
** قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ،
** قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ،
** قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا،
** وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا،
** قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ اللَّحْمُ، قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ المَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ،
** قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ».
** قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ،
** قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ، قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ،…الخ
الحديث) أخرجه البخاري (4/ 142) برقم: (3364)
** أيها الزوجان الكريمان: ليعلم كل منكما أن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وأن النقص فينا حاصل ولا بد، فهذا طويل، وهذا قصير، وهذا سمين، وهذا نحيف، وهذا حسن، وهذا قبيح، وهذا كريم، وهذا بخيل، وهذا طيب، وهذا خبيث،… الخ.
** فالتفاوت حاصل في الشكل والأخلاق، فليس في هذه الدنيا شيء حسن إلا ويوجد ما هو أحسن منه.
** قال الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
** وقال آخر:
مــن الــذي مـا سـاء قـــط *** ومــن لـه الـحسـنـى فــقــط
** فإذا كان الكمال معدوما فلا تبحث عن المعدوم وتترك الموجود، فتبقى في عيشة ضنكة؛ لأنك لم تتمتع بالموجود ولم تحصل على المفقود.
** فالذي ينبغي لكل عاقل لبيب يبحث عن السعادة أن ينظر في المحاسن الموجودة في صاحبه فيملأ بها عينيه ويديه، ويحمد الله عليها، ويغض الطرف عن النقائص، فإن الحياة لا تكون إلا هكذا،
** ولنكن جميعا مثل النحلة، لا تقع إلا على الشيء الطيب، ولنحذر أن نكون مثل الذباب، لا يقع إلا على الشيء الرديء.
** ومما يدل على هذا المعنى ما رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ».
** وفي: (شرح النووي على مسلم) (10/ 58):
** (يَفْرَكُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ بَيْنَهُمَا.
** قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: فَرِكَهُ بِكَسْرِ الراء يفركه بفتحها إِذَا أَبْغَضَهُ،
وَالْفَرْكُ – بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ -: الْبُغْضُ،
… بل الصَّوَابُ أَنَّهُ نَهْيٌ، أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ باختصار
** وفي كتاب: (المفهم) للقرطبي (13/ 66):
** وقوله: ((لا يَفْرك مؤمن مؤمنة))؛ أي: لا يبغضها بغضًا كليًّا يحمله على فراقها؛ أي: لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئها لحسنها، ويتغاضى عما يكره لِمَا يحب. اهـ المراد
** الوصية السادسة:
** الصبر والحلم وكظم الغيظ، فإنه من صفات عباد الله المتقين.
** قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
** وقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
** وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
** وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:… وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» متفق عليه
** فالصبر من أعظم الأمور التي تجعل الحياة الزوجية مستمرة، وذلك حين أن يصبر الزوج على سوء أخلاق زوجته، وتصبر الزوجة على فقر زوجها أو مرضه أو سوء أخلاقه.
** فإذا أخطأ أحد الزوجين على الآخر بسب أو شتم أو سوء تصرف أو نحو ذلك فعلى الطرف الثاني أن يقابل ذلك بالصبر والتحمل، خاصة في حال الغضب حيث يخرج الشخص عن توازنه فتصدر منه الألفاظ الجارحة والكلمات غير الموزونة والتصرفات غير المعقولة، نسأل الله العافية.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» متفق عليه.
[[(الشديد) القوي الحقيقي.
(بالصرعة) الذي يغلب الرجال ويصرعهم.
(يملك نفسه) يكظم غيظه ويتحلم ولا يعمل بمقتضى غضبه]]
** والناظر في سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مع أزواجه يعلم مدى صبره وسعة صدره وحلمه عليهن، فإن الواحدة منهن كانت تراجعه وتهجره إلى الليل وغير ذلك من الأمور التي لا يتحملها كثير من الناس.
** ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قال عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (… دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ، فَوَاللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ، أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ مِنْكِ، وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى…). اهـ باختصار
[[(نغلب النساء) يكون رأينا هو المقدم ولا تراجعنا أزواجنا في شيء. (فطفق) أي فشرع.
(تراجعني) أي ترد علي الجواب.
(تهجره) أي تترك مخاطبته والعشرة معه.
(أن يغضب) أي أن لا يغضب.
(لا تستكثري) أي لا تكثري عليه في الطلب.
(جَارَتُكِ) أي ضرتك.
(أوسم) أي أحسن وأجمل، والوسامة: الجمال]].
** عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. رواه البخاري
(بصحفة) إناء كالقصعة المبسوطة.
(فانفلقت) تكسرت.
(فلق) قطع جمع فلقة.
** عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ ـ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ـ: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا، وَقَالَ لَهَا: «الْطَخِي وَجْهَهَا»، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، فَمَرَّ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَظَنَّ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: «قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ لِهَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أبو يعلى برقم (4476), وحسنه الشيخان.
** وفي كتاب: (النهاية في غريب الحديث والأثر)،
لابن الأثير (2/28):
الْخَزِيرَةُ: لَحْمٌ يَقَطَّع صِغَارًا ويُصَبُّ عَلَيْهِ ماءٌ كَثِير، فَإِذَا نَضِج ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقيق، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ فَهِيَ عَصِيدَة.
وَقِيلَ: هِيَ حَساً مِنْ دَقِيقٍ ودَسَم.
وَقِيلَ: إِذَا كَانَ مِنْ دَقيق فَهِيَ حَرِيرَة، وَإِذَا كَانَ مِنْ نُخَالة فَهُوَ خَزِيرَةٌ. اهـ
** وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيَّ زَيْنَبُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى» ثُمَّ قَالَتْ: حَسْبُكَ إِذَا قَلَبَتْ لَكَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيْعَتَيْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دُونَكِ فَانْتَصِرِي، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا قَدْ يَبِسَتْ رِيقُهَا فِي فَمِهَا، فَمَا رَدَّتْ عَلَيَّ شَيْئًا، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ» رواه ابن ماجة وغيره، وصححه الشيخان.
** أيها الزوجان الكريمان: إن عدم الصبر سبب كبير في تفكك الأسرة، وهدم الحياة الزوجية، فكم من رجل أو امرأة أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب كلمة تافهة، أو تصرف سيء، أو نحو ذلك من الأمور التي يمكن تحملها والتجاوز عنها.
** فالذي ينبغي أن يوطن كل واحد من الزوجين نفسه على الصبر والتحمل ومعالجة الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة.
** ذكر بعض الأمثلة على الصبر على شظف العيش.
** عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي «إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ»، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: ” الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا ” متفق عليه
** بل أحيانا لا يوجد إلا الماء فقط.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. متفق عليه
** وذكر عن بعض نساء السلف أنها كانت إذا خرج زوجها من منزله للعمل وطلب الرزق تقول له: ” اتق الله، وإياك والكسبَ الحرام، فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على النار “.
** الوصية السابعة:
الإيثار:
** وهو من المعاني العظيمة، والأخلاق الكريمة، التي قام عليها المجتمع المؤمن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم،
** قال الله تعالى في شأن الأنصار الكرام الكرماء: {وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
** فينبغي للزوجين أن يؤثر كل واحد منهما الآخر على نفسه، فيقدم حقه على حق نفسه، ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه، ويكره له من الشر ما يكرهه لنفسه، فتبقى الحياة الزوجية حينئذ حياة طيبة مستمرة قوية ناجحة.
** الوصية الثامنة:
** المشاورة وتبادل الرأي.
** قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» رواه أبو داود وغيره، وصححه الشيخان.
** والمشاورة من أعظم آداب الصحبة والمعاشرة، فهي من صفات المؤمنين، كما قال الله عز وجل: {وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}
** وبالشورى تبنى الأسر السعيدة، حيث يتشاور الزوجان في الأمور التي تعود عليهما بالنفع والسعادة كـ (ترتيب حياتهما الزوجية، وتدبير أمورهما المنزلية، و تربية أبنائهما تربية سوية، ونحو ذلك).
** وقد كان الصحابة الكرام يستشيرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمورهم الخاصة والعامة.
** فعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها، أنها قالت: ذَكَرْتُ لَهُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «انْكِحِي أُسَامَةَ»، فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ. رواه مسلم.
** وفي (شرح النووي على مسلم)، (10/ 97):
(أَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ:
أَحَدُهمَا: أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَهَذَا أَصَحُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذِهِ (أَنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ).
** وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ.
** وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الْغِيبَةَ تُبَاحُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا الِاسْتِنْصَاحُ، وَذَكَرْتُهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ ثُمَّ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ….
(وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ، وَفِي هَذَا جَوَازُ ذِكْرِهِ بِمَا فِيهِ لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ أَبِي جَهْمٍ. اهـ
** وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشاور بعض نسائه في بعض أموره.
** ففي صحيح البخاري(18928) في قصة صلح الحدبية:
” فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»،
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،
فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا،… الحديث ”
** وفي (فتح الباري لابن حجر)، (5/ 347):
** وَفِيهِ فَضْلُ الْمَشُورَةِ…
** وَجَوَازُ مُشَاوَرَةِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ
** وَفَضْلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَوُفُورُ عَقْلِهَا حَتَّى قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: (لَا نَعْلَمُ امْرَأَةً أَشَارَتْ بِرَأْيٍ فَأَصَابَتْ إِلَّا أُمَّ سَلَمَةَ)، كَذَا قَالَ،
** وَقَدِ اسْتَدْرَكَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِنْتَ شُعَيْبٍ فِي أَمْرِ مُوسَى
** الوصية التاسعة:
التواضع.
** التواضع وصف نبيل وخُلُقٌ جميل، حث عليه ديننا الإسلامي ورغب
فيه،
** قال تعالى آمرا نبيه بالتواضع: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
** وعَنْ عِيَاضِ المُجَاشِعي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» رواه مسلم
** فالتواضع من الأخلاق الكريمة التي ترفع قدر صاحبها وتحببه إلى الناس وتجعل له في قلوبهم المكانة الطيبة.
** ولقد كان التواضع سمة بارزة للنبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مع القريب والبعيد والصغير والكبير،
** فكان صلى الله عليه وسلم رقيقَ القلب رحيمًا خافضَ الجناحِ للمؤمنين ليّن الجانب لهم،
** يحمِل الكلَّ، ويكسِب المعدوم، ويعين على نوائبِ الدّهر،
** ويركب الحمارَ ويردفَ عليه،
** ويسلّم على الصبيان،
** ويبدأ من لقيَه بالسلام،
** يجيب دعوةَ من دعاه ولو إلى ذراعٍ أو كُراع،
** ولما سئِلت عَائِشَة رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – يَصْنَعُ فِى بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. رواه البخاري
** فينبغي لكل من الزوجين أن يتواضع كل منهما للآخر، وذلك بإلقاء السلام وحسن الكلام ولين الجانب ومشاركة الرجل – أحيانا – في الأمور المنزلية،
** وترك الكبر والفخر بالمال أو الجمال أو الحسب أو العلم أو الفهم أو غير ذلك من الأمور التي تسبب البغض والكراهية مما يؤدي إلى ضعف الحياة الزوجية أو زوالها عياذا بالله.
** قال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** على طبقات الجو وهو وضيع
** وقال آخر:
إن كريم الأصل كالغصن كلما *** يزداد من خير تواضع وانحنى
** الوصية العاشرة:
** استعمال الألفاظ الحسنة والكلمات الطيبة.
** قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (… وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ…) متفق عليه
** فينبغي للزوجين أن يستعملا الألفاظ الطيبة واللطيفة والرقيقة التي تدل على المحبة والاحترام والتقدير مثل:
** النداء بالكنية نحو: يا أبا فلان و يا أم فلان،
** والترخيم نحو: يا فاطمُ يا عائشُ
** والأوصاف الجميلة، نحو: يا زوجي الحبيب أو العزيز أو الغالي، و يا زوجتي الحبيبة أو العزيزة أو الغالية، ونحو ذلك.
** وعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ.
** فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. متفق عليه
** وعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: ” نَعَمْ، فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ “… الحديث) رواه النسائي، وصححه الألباني.
** (والحميراء) تصغير (حمراء) يراد بها البيضاء، والعرب تطلق لفظ الأحمر على البياض.
** وفي كتاب: (حلية الأولياء) لأبي نعيم, (5/ 198):
عن امْرَأَة سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أنها قَالَتِ:
” مَا كُنَّا نُكَلِّمُ أَزْوَاجَنَا إِلَّا كَمَا تُكَلِّمُوا أُمَرَاءَكُمْ: أَصْلَحَكَ اللهُ، عَافَاكَ اللهُ ”
** الوصية الحادي عشرة:
** أن يتعرف كل من الزوجين على طباع الآخر، فيعرف ما يحبه فيعمله، وما يكرهه فيتركه.
** ومما يدل على هذا قِصَّةُ زَوَاجِ شُرَيْحٍ الْقَاضِي، وهي:
** قَالَ الشُّعَبيّ: قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي: يَا شُعَبيّ؛ عَلَيْكُمْ بِنِسَاءِ بَني تَمِيم؛ فَإِنَّهُنِّ النِّسَاء، قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاك 00؟
** قَال: انْصَرَفْتُ مِنْ جِنَازَةٍ ذَاتَ يَوْم، فَمَرَرْتُ بِدُورِ بَني تَمِيم، فَإِذَا امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ في سَقِيفَة ـ أَيْ في مِظَلَّةٍ كَالخَيْمَة ـ عَلَى وِسَادَة، وَبجُوَارِهَا جَارِيَةٌ رَؤُودَة ـ أَيْ شَابَّةٌ غَضَّةٌ نَاعِمَةٌ ـ غَيْدَاءُ فَاضَ بِوَجْهِهَا مَاءُ الشَّبَابِ الأَغْيَدِ
وَلهَا ذُؤَابَةٌ عَلَى ظَهْرِهَا، كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الجَوَارِي،
** فَاسْتَسْقَيْتُ ـ وَمَا بى مِن عَطَش ـ
** فَقَالَتْ: أَيُّ الشَّرَابِ أَعْجَبُ إِلَيْك: اللَّبَنُ أَمِ المَاء 00؟
** قُلْت: أَيُّ ذَلِكَ تَيَسَّرَ لَكُمْ؛
** قَالَتْ: اسْقُواْ الرَّجُلَ لَبَنَاً؛ فَإِنيِّ أَرَاهُ غَرِيبَاً، فَلَمَّا شَرِبْتُ نَظَرْتُ إِلى الجَارِيَةِ فَأَعْجَبَتْني، فَقُلْتُ مَن هَذِهِ 00؟
** قَالَتِ ابْنَتي، قُلْتُ أَفَارِغَةٌ أَمْ مَشْغُولَة 00؟
** قَالَتْ بَلْ فَارِغَة، قُلْتُ أَتُزَوِّجِينِيهَا 00؟
** قَالَتْ نَعَمْ إِنْ كُنْتُ لَهَا كُفْئَاً، عَمُّهَا فُلاَنٌ فَاقْصِدْهُ في بَني تَمِيم 0
فَانْصَرَفْتُ إِلى مَنْزِلي لأَقِيلَ فِيه، فَامْتَنَعَتْ مِنيِّ الْقَائِلَة،
** فَأَرْسَلْتُ إِلى إِخْوَاني مِنَ الْقُرَّاء، وَوَافَيْتُ مَعَهُمْ صَلاَةَ الْعَصْر، فَإِذَا عَمُّهَا جَالِس، فَقَالَ أَبَا أُمَيَّة 00؟ مَا حَاجَتُك 00؟
** قُلْتُ إِلَيْك، قَالَ وَمَا هِيَ 00؟
** قُلْتُ: ذُكِرَتْ لي بِنْتُ أَخِيكَ زَيْنَب، فَجِئْتُ لخِطْبَتِهَا؛ فَقَالَ مَا بِهَا عَنْكَ رَغْبَة، فَزَوَّجَيِنهَا،
** فَمَا بَلَغَتْ مَنزِلي حَتىَّ نَدِمْتُ وَقُلْت: تَزَوَّجْتُ إِلى أَغْلَظِ الْعَرَبِ قُلُوبَاً وَأَجْفَاهَا،
** ثُمَّ عُدْتُ إِلى رُشْدِي فَقُلْت: بَلْ أَجْمَعُهَا إِليّ؛ فَإِنْ رَأَيْتُ مَا أَحْبَبْتُ وَإِلاَ طَلَّقْتُهَا 00
** ثمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ؛ إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا أُدْخِلَتِ المَرْأَةُ عَلَى الرَّجُل؛ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَتَينِ وَيَسْأَلَ اللهَ مِن خَيرِهَا وَخَيرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْه، وَيَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْه؛
** فَتَوَضَّأْتُ فَتَوَضَّأَتْ بِوُضُوئِي، وَصَلَّيْتُ فَصَلَّتْ بِصَلاَتي،
** فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلاَةَ قَالَتْ لي: إِنيِّ امْرَأَةٌ غَرِيبَةٌ وَأَنْتَ رَجُلٌ غَرِيبٌ لاَ عِلْمَ لي بِأَخْلاَقِك، فَبَيِّنْ لي مَا تحِبُّ فَأَفْعَلَه، وَمَا تَكْرَهُ فَأَجْتَنِبَه،
** فَقُلْتُ: قَدِمْتِ عَلَى أَهْلِ دَارٍ؛ زَوْجُكِ سَيِّدُهُمْ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَائِهِمْ، أُحِبُّ كَذَا وَأَكْرَهُ كَذَا، وَمَا رَأَيْتِ مِن حَسَنَةٍ فَبُثِّيهَا، وَمَا رَأَيْتِ مِنْ سَيِّئَةٍ فَاسْتُرِيهَا،
** قَالَتْ: أَخْبرْني عَن أَخْتَانِك، مَنْ مِنهُمْ تُحِبُّ أَنْ يَزُورَكَ وَمَنْ لاَ تُحِبّ 00؟
** فَقُلْتُ: إِنيِّ رَجُلٌ قَاضٍ؛ وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَمَلُّوني،
** قَالَتْ: فَمَنْ تحِبُّ مِنْ جِيرَانِكَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَكَ فَآذنَ لَه، وَمَنْ تَكْرَهُهُ مِنهُمْ فَلاَ آذَنَ لَه 00؟
** قُلْتُ: بَنُو فُلاَنٍ قَوْمٌ صَالحُون، وَبَنُو فُلاَنٍ قَوْمُ سَوْءٍ 0
** فَأَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلاَثَاً ثُمَّ خَرَجْتُ إِلى مجْلِسِ الْقَضَاءِ في الْيَوْمِ الثَّالِث،
فَكُنْتُ لاَ أَرَى يَوْمَاً إِلاَّ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي قَبْلَه،
** حَتىَّ إِذَا مَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ دَخَلْتُ بَيْتي فَإِذَا فِيهِ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ تَأْمُرُ وَتَنهَى؛ قُلْتُ مَن هَذِهِ يَا زَيْنَب 00؟
** قَالَتْ هَذِهِ أُمِّي؛ قُلْتُ حَيَّاكِ اللهُ يَا أُمَّ زَيْنَب،
** قَالَتْ: كَيْفَ حَالُكَ مَعَ أَهْلِكَ يَا أَبَا أُمَيَّة 00؟
** قُلْتُ بخَيرٍ وَالحَمْدُ لله، قَالَتْ كَيْفَ وَجَدْتَ زَوْجَك 00؟
** قُلْتُ خَيرَ امْرَأَة، قَالَتْ: إِنَّ المَرْأَةَ لاَ تُرَى في حَالٍ أَسْوَأَ خُلُقَاً مِنهَا في حَالَين: إِذَا حَظِيَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا، وَإِذَا وَلَدَتْ لَهُ غُلاَمَاً، فَإِنْ رَابَكَ مِنهَا شَيْءٌ فَعَلَيْكَ بِالسَّوْط، فَإِنَّ الرِّجَالَ مَا حَازَتْ وَاللهِ بُيُوتُهُمْ شَرَّاً مِنَ المَرْأَةِ المُدَلَّلَة،
** قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكِ قَدْ أَدَّبْتِ فَأَحْسَنْتِ الأَدَب،
** قَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ يَزُورَكَ أَصْهَارُك 00؟
** قُلْتُ مَتى شَاءواْ؛ فَكَانَتْ كُلَّ حَوْلٍ تَأْتِينَا وَتُوصِي تِلْكَ الْوَصِيَّةَ ثمَّ تَنْصَرِف،
** وَمَكَثْتُ مَعَ زَيْنَبَ عِشْرِينَ سَنَة، فَمَا غَضِبْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَة، وَكُنْتُ لَهَا فِيهَا ظَالِمَاً،
** ثمَّ أَنْشَأَ يَقُول:
رَأَيْتُ رِجَالاً يَضْرِبُونَ نِسَاءهُمْ *** فَشُلَّتْ يَمِيني يَوْمَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا
فَأَحْبَبْتُهَا حَتىَّ رَأَيْتُ عُيُوبَهَا *** محَاسِنَ زَادَتْهَا لِقَلْبي تحَبُّبَا
وَمَا عَذَّبَتْني بِالعُيُوبِ كَغَيْرِهَا *** وَلَكِنَّني اسْتَعْذَبْتُ فِيهَا التَّعَذُّبَا
** انظر كتاب: أخبار القضاة) 2/ 205، لمحمد بن خلف الملقب
ب(وكيع) و (تاريخ دمشق) لابن عساكر (23 / 53)
** الوصية الثانية عشرة:
** شكر كل منهما الآخر على ما يقدمه من الجهد والخدمة وأسباب الراحة.
** كأن يقول له: جزاك الله خيرا، أو بارك الله فيك، أو قواك الله، أو أسعدتنا أسعدك الله، أو الله يبقك لنا، أو نحو لك من الألفاظ الحسنة والدعوات الطيبة التي تدل على الشكر والتقدير والاعتراف بالفضل لصاحبه.
** وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
** وفي (تحفة الأحوذي)، (6/ 156):
(فَقَالَ لِفَاعِلِهِ) أَيْ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ إِثَابَتِهِ أَوْ مُطْلَقًا
(جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) أَيْ خَيْرَ الْجَزَاءِ أَوْ أَعْطَاكَ خَيْرًا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
(فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) أَيْ بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ جَزَائِهِ وَثَنَائِهِ فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى.
** قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا قَصُرَتْ يَدَاكَ بِالْمُكَافَأَةِ فَلْيَطُلْ لِسَانُكَ بِالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ. اهـ
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»
رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
** وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ» رواه النسائي في السنن الكبرى (8/ 239)، [وصححه الألباني]
** الوصية الثالثة عشرة:
الحذر كل الحذر من كل ما ينغص ويكدر أو يزيل الحياة الزوجية، مثل:
** التهديد بالطلاق.
** التهديد بالزواج.
** نقل الخلافات الزوجية إلى الجيران أو إلى الأهل؛ فإنهم يوسعونها أكثر وأكثر، إلا عند العجز عن حلها.
** ترك الغيرة المذمومة التي تنتهي بالشك في عفاف صاحبه وتخوينه
(بدون أي برهان).
** فينبغي لكل من الزوجين أن يرعى صاحبه ويكرمه ويحافظ على أمانته فيه ويشعره بالأمان ولا يتخونه، أو يطلب عثراته بالتجسس عليه. وتخوينه.
** فقد جاء عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ»
متفق عليه، وهذا لفظ مسلم
** الابتعاد بالكلية عن الأجهزة الحديثة المدمرة كـ (الدشوشات والإنترنت والوتساب والفيس بك…) وغيرها من الأجهزة التي خربت ودمرت كثيرا من الأفراد والأسر والمجتمعات، فقربت الشر والفساد بكل صوره وأشكاله، وسهلت الوصول إليه تسهيلا كثيرا؛ بغية انتشار الفحش والرذيلة وهدم الأخلاق الكريمة.
** فإذا احتاج الشخص إلى استعمال هذه الأجهزة لمصلحة راجحة فليستعملها بحذر بالغ.
** الابتعاد عن كل أسباب الغفلة كـ(سماع الغناء وآلات اللهو والطرب واللعب المحرم، كلعب الورق، والنرد، والشطرنج، والكيرم، والضومنة، والبلياردو, ونحوها من ألعاب اللهو والغفلة المحرمة.
** الابتعاد عن التصوير المحرم، وإخراج صور ذوات الأروح من البيوت؛ فإنها تمنع الملائكة من دخول البيوت.
** وأخيرا أقول:
** أيها الزوج الكريم، وفقك الله وأسعدك:
عامل زوجتك معاملة ترضي الله سبحانه وتعالى، مقتديا في ذلك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم في معاملته لزوجاته، فهو القائل:
“خَيْرُكُمْ خيركم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”
رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،
وقال الألباني [صحيح لغيره].
** أيتها الزوجة الكريمة، وفقك الله وأسعدك:
عاملي زوجك معاملة ترضي الله سبحانه وتعالى، مقتدية في ذلك بزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهن من النساء الصالحات.
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 29 / 12/ 1438 هـ
(87) الفرق بين الفراسة والظن، والفراسة -بكسر الفاء- والفراسة بفتحها
سلسلة الفوائد اليومية:
الفَرْق بَين الفِرَاسَة وَالظَّن، والفِراسة -بكسر الفاء- والفَراسة بفتحها
** قال ابن القيم في كتابه: (الروح)(ص: 238):
فصل:
** وَالْفرق بَين الفِرَاسَة وَالظَّن:
** أَن الظَّن يخطئ ويصيب وَهُوَ يكون مَعَ ظلمَة الْقلب ونوره وطهارته ونجاسته وَلِهَذَا أَمر تَعَالَى باجتناب كثير مِنْهُ وَأخْبر أَن بعضه إِثْم
** وَأما الفِرَاسَة فَأثْنى على أَهلهَا ومدحهم فِي قَوْله تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين}
** قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيره أَي للمتفرسين.
** وَقَالَ تَعَالَى {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف تعرفهم بِسِيمَاهُمْ}
** وَقَالَ تَعَالَى وَلَو نشَاء لأريناهم فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل}
** فالفِرَاسَة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من الأدناس وَقرب من الله فَهُوَ ينظر بِنور الله الَّذِي جعله فِي قلبه.
** وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّقوا فِرَاسَة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله. اهـ
** وفي كتاب:(النهاية في غريب الحديث والأثر)(3/ 428):
** (فَرَسَ)
** (س) فِيهِ «اتَّقُوا فِرَاسَة الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظر بِنُورِ اللَّهِ»
** يُقَالُ بمعْنَيَيْن:
** أحَدُهما: مَا دَلَّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يوُقِعُه اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلوب أَوْلِيَائِهِ، فيَعْلَمون أَحْوَالَ بَعْضِ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الظَّنّ والحَدْس،
** وَالثَّانِي: نَوع يُتَعَلَّم بِالدَّلَائِلِ وَالتَّجَارِبِ والخَلْق وَالْأَخْلَاقِ، فَتُعْرف بِهِ أحوالُ النَّاسِ، وللنَّاس فِيهِ تَصانيفُ قَديمة وحَدِيثة. اهـ المراد
** وقال أيضا في كتابه: (الجواب الكافي)(ص: 178):
وهو يعدد مَنَافِعَ غَضِّ الْبَصَرِ:
أَحَدُهَا: … الثَّانِيَةُ: … الثَّالِثَةُ: … الرَّابِعَةُ: … الْخَامِسَةُ: …
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ،
** وَكَانَ شُجَاعٌ الْكِرْمَانِيُّ يَقُولُ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ.
** وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ.
** وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ،
** وَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ،
** فَإِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُطْلِقَ نُورَ بَصِيرَتِهِ، عِوَضًا عَنْ حَبْسِ بَصَرِهِ لِلَّهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي إِنَّمَا تُنَالُ بِبَصِيرَةٍ،
** فَقَالَ تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
** فَوَصَفَهُمْ بِالسَّكْرَةِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ الْعَقْلِ،
** وَالْعَمَهِ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْبَصِيرَةِ.
** فَالتَّعَلُّقُ بِالصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ، وَعَمَهَ الْبَصِيرَةِ، وَسُكْرَ الْقَلْبِ،
** كَمَا قَالَ الْقَائِلٌ:
سَكْرَانُ سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ *** وَمَتَّى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سُكْرَانِ
** وَقَالَ الْآخَرُ:
قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ *** الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ *** وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ. اهـ.
** (تنبيه): حديث: (اتَّقوا فراسة الْمُؤمن) ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (4/ 299) برقم: (1821)
** ويغني عنه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ للَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ».
رَوَاهُ الْبَزَّارُ، [وحسنه الألباني]
** (فائدة):
** الفرق بين ” الفِراسة ” بكسر الفاء و” الفَراسة ” بفتحها.
** (الفِرَاسَة) -بالكسر-: الاسم من التَفَرُّس وهُوَ التَّوَسُّم، تقول منه: رَجُلٌ فارِسُ النَّظَر، أَي ذُو بصر وَتَأمل.
** و(الفَرَاسَة) -بالفتح-: الاسم مِنَ الفُرُوسِيَّة، وهي الحِذْقُ برُكُوبِ الخَيْلِ وأَمْرِهَا ورَكْضها والثَّبَات عَلَيْهَا، تقول منه: رَجُلٌ فارسٌ حسَنُ الفُرُوسِيَّة، أي ذو حَذِقَ بأمْرِ الخَيْلِ.
** وقد يجتمعان في رجل واحد فيكون ذلك نورا على نور.
** وفي كتاب: (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)، للجوهري (3/ 958):
** و(الفِرَاسَة) بالكسر: الاسم من قولك: (تَفَرَّسْتُ فيه خيراً).
** وهو يَتَفَرَّسُ، أي يتثبَّت وينظر. تقول منه: (رجلٌ فارِسُ النظر).
** وفي الحديث: ” (اتَّقوا فِراسَةَ المؤمنِ) “.
** و(الفَراسَةُ) بالفتح: مصدر قولك: (رَجلٌ فارِسٌ على الخيل بيِّن الفَراسَةِ والفُروسَةِ والفُروسيَّةِ).
** وقد فَرُسَ بالضم يَفْرُسُ فُروسَةً وفَراسَةً، أي حَذِقَ أمر الخيل. اهـ
** (فائدة أخرى لطيفة):
** قال ابن أبي حاتم في كتابه: (آداب الشافعي ومناقبه)، (ص: 96):
** بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ فِرَاسَةِ الشَّافِعِيِّ وَفِطْنَتِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، ثَنا َأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَرَّاقُ الْحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ، يَقُولُ:
** قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: ” خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الْفِرَاسَةِ، حَتَّى كَتَبْتُهَا وَجَمَعْتُهَا،
** ثُمَّ لَمَّا حَانَ انْصِرَافِي، مَرَرْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي طَرِيقِي وَهُوَ مُحْتَبٍ بِفِنَاءِ دَارِهِ، أَزْرَقَ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئِ الْجَبْهَةِ، سِنَاطٍ،
** فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
** قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا النَّعْتُ أَخْبَثُ مَا يَكُونُ فِي الْفِرَاسَةِ.
** فَأَنْزَلَنِي، فَرَأَيْتُ أَكْرَمَ رَجُلٍ، بَعَثَ إِلَيَّ بِعَشَاءٍ وَطِيبٍ، وَعَلَفٍ لِدَابَّتِي، وَفِرَاشٍ وَلِحَافٍ،
** فَجَعَلْتُ أَتَقَلَّبُ اللَّيْلَ أَجْمَعَ مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكُتُبِ؟ إِذْ رَأَيْتُ هَذَا النَّعْتَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَرَأَيْتُ أَكْرَمَ رَجُلٍ، فَقُلْتُ: أَرْمِي بِهَذِهِ الْكُتُبِ “.
** فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، قُلْتُ لِلْغُلامِ: أَسْرِجْ، فَأَسْرَجَ، فَرَكِبْتُ وَمَرَرْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ وَمَرَرْتَ بِذِي طُوًى، فَسَلْ عَنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ.
** فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: أَمَولًى لأَبِيكَ أَنَا؟! قُلْتُ: لا.
** قَالَ: فَهَلْ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي نِعْمَةٌ؟! فَقُلْتُ: لا.
** فَقَالَ: أَيْنَ مَا تَكَلَّفْتُ لَكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟
** قَالَ: اشْتَرَيْتُ لَكَ طَعَامًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِدَامًا بِكَذَا، وَعِطْرًا بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَفًا لِدَابَّتِكَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكِرَاءُ الْفِرَاشِ وَاللِّحَافِ دِرْهَمَانِ.
** قَالَ: قُلْتُ: يَا غُلامُ أَعْطِهِ، فَهَلْ بَقِيَ مِنْ شَيْءٍ.
** قَالَ: كِرَاءُ الْمَنْزِلِ، فَإِنِّي وَسَّعْتُ عَلَيْكَ، وَضَيَّقْتُ عَلَى نَفْسِي،
** قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَغَبَطْتُ نَفْسِي بِتِلْكَ الْكُتُبِ،
** فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: هَلْ بَقِيَ مِنْ شَيْءٍ؟
** قَالَ: امْضِ، أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ شَرًّا مِنْكَ.
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ” اشْتَرَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ طِيبًا بِدِينَارٍ،
** فَقَالَ لِي: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ ذَلِكَ الأَشْقَرِ الأَزْرَقِ،
** فَقَالَ: أَشْقَرُ أَزْرَقُ، رُدَّهُ، رُدَّهُ “
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ بِزِيَادَةٍ،
** قَالَ: ” سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا جَاءَنِي خَيْرٌ قَطُّ مِنْ أَشْقَرَ “.
اهـ المراد
** وفي كتاب: (تاج العروس)، (13/ 479):
(ق ن ج ر)
** (القُنْجُورُ)، كـ(زُنْبُورٍ)، بالجِيم، أَهمله الجوهريُّ،
** وَقَالَ ابنُ الأَعرابيّ: هُوَ الرَّجُلُ الصَّغِيرُ الرَأْسِ الضَّعِيفُ العَقْلِ،
هَكَذَا نَقله الصاغانيّ وصاحبُ اللّسَان.
** وَقَالَ أَهل الفِراسَة: إِنّ صِغَرَ الرَّأْسِ يَدُلّ على ضَعْفِ الرَّأْي. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 2 / 1/ 1439 هـ
(85) ذكر أول شيخ بدأ البخاري صحيحه به، وأخر شيخ ختمه به
سلسة الفوائد اليومية
- أول شيخ بدأ البخاري صحيحه به هو: (الْحُمَيْدِيّ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر)، فقال رحمه الله:
1- حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
فتح الباري لابن حجر (1/ 2) –
قَوْله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ)
هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بْن عِيسَى، مَنْسُوب إِلَى حُمَيْدِ بْن أُسَامَة بَطْن مِنْ بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قُصَيّ، رَهْط خَدِيجَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَجْتَمِع مَعَهَا فِي أَسَد وَيَجْتَمِع مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيّ.
وَهُوَ إِمَام كَبِير مُصَنِّف، رَافَقَ الشَّافِعِيّ فِي الطَّلَب عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ وَطَبَقَته وَأَخَذَ عَنْهُ الْفِقْه وَرَحَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْر، وَرَجَعَ بَعْد وَفَاته إِلَى مَكَّة إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَة تِسْع عَشْرَة وَمِائَتَيْنِ.
فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ امْتَثَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدِّمُوا قُرَيْشًا) فَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ؛ لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ قُرَشِيٍّ أَخَذَ عَنْهُ.
وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ كَشَيْخِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ بِمَكَّةَ،
وَمِنْ ثَمَّ ثَنَّى بِالرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ شَيْخُ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، وَهِيَ تَالِيَةٌ لِمَكَّةَ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ وَفِي جَمِيع الْفضل،
وَمَالك وبن عُيَيْنَةَ قَرِينَانِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ الْعِلْمُ من الْحجاز. اهـ
- وآخر شيخ ختم به صحيحة هو: (أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ) فقال رحمه الله:
7563- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ “
فتح الباري لابن حجر (13/ 540):
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ، وَقِيلَ: بَلْ عَرَبِيٌّ فَيَنْصَرِفُ،
وَهُوَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ: مَجْمَعٌ، وَقِيلَ: مَعْمَرٌ، وَقِيلَ: عُبَيْدُ اللَّهِ
وَكُنْيَةُ: أَحْمَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الصَّفَّارُ الْحَضْرَمِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: آخِرُ مَا لَقِيتُهُ بِمِصْرَ سنة سبع عشرَة.
وأرخ بن حبَان وَفَاته فِيهَا.
وَقَالَ بن يُونُسَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانَ عَشْرَةَ
قُلْتُ: وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ (عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابٍ)، وَلَا (مُحَمَّدِ بْنِ إِشْكَابٍ) قَرَابَةٌ. اهـ
والله الموفق.
كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
السبت 25 / 12/ 1438 هـ.
(84) الحقوق الزوجية / الحلقة الثالثة / حقوق الزوجة
سلسلة الفوائد اليومية
(84) فائدة اليوم بعنوان:
(الحقوق الزوجية / الحلقة الثالثة / حقوق الزوجة)
** قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** قال الله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” أكْمَلُ المؤمِنينَ إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً، وخيارُكُم خيارُكُم لِنسائِهمْ “.
** رواه الترمذي وغيره، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
** وفي (تفسير ابن كثير) ط العلمية (1/ 459):
** وَقَوْلُهُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** أَيْ وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ مَا لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ،
** فَلْيُؤَدِّ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ،
** كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، قال فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسَوْتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
** وَفِي حَدِيثِ بِهَزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا؟
قَالَ « أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذا اكتسبت، وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»
** وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيَ الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
** ورواه ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، الخ كلامه) اهـ المراد.
** وقال أيضا في (2/ 212):
** وقوله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةِ: 228]
** وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»
** وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ دَائِمُ الْبِشْرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ ويُوسِعُهُمْ نَفَقَتَهُ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ حَتَّى إِنَّهُ كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ،
** قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ «هَذِهِ بِتِلْكَ»
** وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا،
** وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ،
** وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
** وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21]
** وَأَحْكَامُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الْأَحْكَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. اهـ
** وقبل أن ندخل في تفاصيل حقوق الزوجة على زوجها نذكر بنعمة الله العظيمة على المرأة المسلمة في هذا الدين العظيم، فنقول – وبالله التوفيق -:
(**) لقد كانت المرأة قبل الإسلام – أماً كانت أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً أو عمةً أو خالةً – مستعبدةً، مملوكةً، مهانةً, ولم يكن لها أي حق من الحقوق.
(**) بل كان العرب يكرهونها غاية الكره، ويدفنونها – وهي حية – خشية الفقر والعار، كما قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}
** وقال شاعرهم:
ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات
** وقال أخر:
تَهْوَى حَيَاتِي وَأَهْوَى مَوْتَهَا شَفَقًا *** وَالْمَوْتُ أَكْرَمُ نَزَّالٍ عَلَى الْحُرَمِ
** وقال عقيل بن علفة المري لما خطبت عنه ابنته الجرباء:
إِنِّي وَإِنْ سِيقَ إِلَيَّ الْمَهْرُ * * * عَبْدٌ وَأَلْفَانِ وَذَوْدٌ عَشْرُ
أَحَبُّ أَصْهَارِي إِلَيَّ الْقَبْرُ
(**) وبعضهم كان يتركها تعيش، ولكن كيف هذه العيشة؟!
(**) إنها عيشة الذل والمهانة،
(**) فليس لها حق الإرث،
(**) ولا يؤخذ رأيها في أي شيء،
(**) وليس لطلاقها عدد معين،
(**) ولا لتعدد الزوجات عدد معين،
(**) وكانت تعد من ضمن الموروثات، فإذا مات زوجها جاء ابنه – من غيرها -، أو جاء أحد ورثته؛ فألقى ثوبه عليها وقال: ورثت امرأته كما ورثت ماله، وتصير في حوزته، ويصير أحق بها من كل الناس – حتى من أهلها وأبويها – فإن شاء تزوجها من غير صداق، وإن شاء زوجها بمن لا ترغب فيه رغم أنفها، وأخذ صداقها لنفسه.
** وفي: (صحيح البخاري)، (6/ 44):
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قَالَ: «كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ»
(**) وإذا مات زوجها فإنها تحد عليها شر حداد وأقبحه.
** وفي: (صحيح البخاري)، (7/ 59):
5336 – قَالَتْ زَيْنَبُ، وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ»
5337 – قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ، وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: «كَانَتِ المَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ، حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ [ص:60] إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً، فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ» سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: «تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا» وأخرجه مسلم أيضا (2/ 1124).
** وفي: (شرح النووي على مسلم) (10/ 114):
** قَوْلُهُ: (دَخَلَتْ حِفْشًا) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَيْتًا صَغِيرًا حَقِيرًا قَرِيبَ السمك
** قوله: (ثم تؤتى بدابة حمار أوشاة أو طير فَتَفْتَضُّ بِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فتفتض بالفاء والضاد.
** قال بن قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنْ مَعْنَى الِافْتِضَاضِ فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَغْتَسِلُ، وَلَا تَمَسُّ مَاءً، وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَفْتَضُّ بِهِ.
** وَقَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِهِ جلدها.
** وقال بن وَهْبٍ: مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ.
** وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِهِ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَغْتَسِلُ، وَالِافْتِضَاضُ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِلْإِنْقَاءِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ حَتَّى تَصِيرَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً كَالْفِضَّةِ.
** وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ تَتَنَظَّفُ وَتَتَنَقَّى مِنَ الدَّرَنِ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْفِضَّةِ فِي نَقَائِهَا وَبَيَاضِهَا.
** وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ: أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ قَالَ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (تُقْبَصُ) بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَبْضِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ.اهـ
** فلما جاء الله بالإسلام رفع عنها هذه المظالم، فأعطاها جميع حقوقها، ورد لها جميع اعتباراتها.
** فجعلها شريكة للرجل في مبدأ الإنسانية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى}
** وشريكة له في الثواب والعقاب، قال الله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا َ}
** وحرم سبحانه وتعالى جعل المرأة من جملة المورثات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} وقد تقدم الكلام عليها.
** بل جعلها وارثة من مال قريبها أو زوجها، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، الأية}
وقال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
** وجعل الصداق حقا لها، وأمر بإعطائها إياه كاملا إلا ما سمحت به عن طيب نفس، قال الله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}
** وجعلها راعية في بيت زوجها، أميرة على أولادها.
** عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،…
وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ،…،
أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
** فالإسلام قد اعتنى بالمرأة عناية عظيمة، واهتم بها اهتماما كبيرا، ورفع من شأنها، وأعطاها حقوقها كاملة وافية، بل إنه أوصى بها جميع أفراد الرجال أن يرفقوا بها، وأن يحسنوا إليها، وأن يحافظوا عليها، سواء كانت زوجة أو أما أو بنتا أو أختا؛ وذلك لضعفها واحتياجها لمن يقوم بشأنها.
** وعَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رضي الله عنه أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الحَدِيثِ قِصَّةً، فَقَالَ: أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ،… الحديث) رواه الترمذي وغيره [وحسنه الألباني]
** وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (عَوَانٌ عِنْدَكُمْ)، يَعْنِي: أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ.
** فهذه الوصية العظيمة حضرها وسمعها الآلاف المؤلفة من الناس.
** وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:
«… وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» متفق عليه.
** إن المرأة في قديم الزمان – عند أعداء الإسلام – كانت تعتبر حيوانا لا روح له.
** ولما أرادوا إنصافها في المؤتمر الفرنسي الذي عقد سنة 586 م
كان جهد ما قرروه لها: أنها إنسان وليست بحيوان، خلقت لخدمة الرجل فقط.
** ومن الطريف أن نذكر أن القانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات (نصف شلن ليرة سورية).
** وقد حدث منذ بضعة أعوام أن باع إيطالي زوجته لآخر على أقساط، فلما امتنع المشتري عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع. اهـ بتصرف من كتاب: (تحفة العروس) صـ (223)، لمحمود بن مهدي الاستانبولي.
** فلتحمد المرأة ربها الذي أنعم عليها بهذا الدين العظيم الذي شرفها وكرمها، وأمر ببرها، والإحسان إليها، والإنفاق عليها؟!
** وبعد هذه المقدمة السريعة نذكر تفاصيل حقوق الزوجة على زوجها.
** ((الحق الأول)):
** المهر.
** قال الله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}
** وقال: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}
** وقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}
** والمهر ليس له تحديد في القلة والكثرة.
** وهو حق للزوجة، فلا يجوز لأحد – أبا كان أو زوجا أو أخا – أن يأخذه عليها إلا إذا رضيت.
** ((الحق الثاني)):
** الوليمة.
فإنها من الحقوق الواجبة على الرجل – على حسب قدرته -.
** عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» متفق عليه
** عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ – أَوْ أَفْضَلَ – مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ»،
فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَالَ: «أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ» متفق عليه
** [قوله: (حتى تركوه)، يعني حتى شبعوا وتركوه لشبعهم]
** عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ، وَتَمْرٍ» رواه أبو داود وغيره، [وصححه الألباني]، وهو في الصحيحين ضمن قصة.
** وفي: (شرح النووي على مسلم)، (9/ 218):
(أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)
** دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُوسِرِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ شَاةٍ.
** وَنَقَلَ الْقَاضِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِقَدْرِهَا الْمُجْزِئِ، بَلْ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنَ الطَّعَامِ حَصَلَتِ الْوَلِيمَةُ.
** وَقَدْ ذكر مسلم بعد هذا في وَلِيمَةِ عُرْسِ صَفِيَّةَ أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِ لَحْمٍ، وَفِي وَلِيمَةِ زَيْنَبَ أَشْبَعَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا.
** وَكُلُّ هذا جائز تحصل به الوليمة لكن يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ… الخ) اهـ
** ((الحق الثالث)):
(النفقة):
** وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، سواء كانت الزوجة عنده، أو مطلقة طلاقا رجعيا، أو مطلقة طلاقا بائنا لكنها حامل أو قائمة على أبنائه.
** فمن الكتاب قوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}
** وقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** وقوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ}
** ومن السنة حديث جابر الطويل، وفيه: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، …) رواه مسلم.
** وحَدِيثِ بِهَزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا؟
قَالَ «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذا اكتسبت، … الحديث» رواه أبو داود وغيره، (2/ 245)، [وقال الألباني: حسن صحيح ]
** وأما الإجماع فقد نقله غير واحد من أهل العلم.
** قال ابن قدامة في كتاب: (المغني)، (8/ 195):
** وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَات عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، إذَا كَانُوا بَالِغِينَ، إلَّا النَّاشِزَ مِنْهُنَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَغَيْرُهُ. ** وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْعِبْرَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الزَّوْجِ، يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ وَالِاكْتِسَابِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، كَالْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ. اهـ
** وانظر كتاب: (الإشراف على مذاهب العلماء)، لابن المنذر
(5/ 154)
** شروط استحقاق الزوجة للنفقة:
(1) أن يكون العقد صحيحا.
(2) أن تسلم نفسها لزوجها.
(3) أن تمكنه من الاستمتاع بها استمتاعا كاملا.
(4) ألا تمتنع من الانتقال معه حيث يريد.
** ومعنى بـ (المعروف)، [[أَيْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِنَّ فِي بَلَدِهِنَّ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فِي يَسَارِهِ، وَتَوَسُّطِهِ وَإِقْتَارِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}
** وإذا قصر الزوج في النفقة الواجبة مع يساره جاز للزوجة أن تأخذ من ماله بدون إذنه ما يكفيها وولدها بالمعروف، لحديث عائشة الآتي.
** عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» متفق عليه
** ((الحق الرابع)):
السكن:
** وهو أن يهيئ الزوجُ لزوجته مسكناً على قدر سعته وقدرته.
** قال الله تعالى: {أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم}
** قال ابن قدامة في كتاب: (المغني)، (8/ 200):
فَصْلٌ:
** وَيَجِبُ لَهَا مَسْكَنٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}.
** فَإِذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ، فَلِلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
** وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَسْكَنٍ، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَسْكَنِ لِلِاسْتِتَارِ عَنْ الْعُيُونِ، وَفِي التَّصَرُّفِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، وَيَكُونُ الْمَسْكَنُ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6].
** وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا لِمَصْلَحَتِهَا فِي الدَّوَامِ، فَجَرَى مَجْرَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. اهـ
** ((الحق الخامس)):
حسن معاشرتها:
** قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** قال ابن كثير في (تفسيره)، ط العلمية (2/ 212):
** وقوله تعالى: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
** وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»
** وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ، دَائِمُ الْبِشْرِ،، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِعُهُمْ نَفَقَتَهُ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ، حَتَّى إِنَّهُ كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ،
** قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ «هَذِهِ بِتِلْكَ»
** وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا،
** وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ،
** وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
** وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. اهـ
** ومن حسن معاشرتها بِالْمَعْرُوفِ:
(1) جماعها بالمعروف، وعدم غيابه عنها طويلا؛ فإن هذا الغياب الطويل قد يعرضها للفتنة.
(2) إكرامها وإكرام أهلها.
(3) معاملتها بالرفق واللين.
(4) تقديم الهدية لها.
(5) مزاحها مزحا معقولا بحيث لا يسقط هيبته.
(6) يتغافل عن بعض الأمور التي ليس لها كبير شأن.
(7) لا يستأثر بالطعام الطيب دونها.
(8) يراعيها في حال حيضها من الناحية الصحية.
(9) احتمال الأذى منها؛ لأنها ناقصة عقل ودين.
** قال ابن القيم رحمه الله في كتابه: (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)، (ص: 215):
** وقد اختلف الفقهاء هل يجب على الزوج مجامعة امرأته؟
** فقالت طائفة: لا يجب عليه ذلك؛ فإنه حق له، فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه، بمنزلة من استأجر دارا إن شاء سكنها وإن شاء تركها.
** وهذا من أضعف الأقوال، والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده.
** أما القرآن فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها،
** فإذا كان الجماع حقا للزوج عليها فهو حق على الزوج بنص القرآن ** وأيضا فإنه سبحانه وتعالى أمر الأزواج أن يعاشروا الزوجات بالمعروف،
** ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابة شهوتها تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة.
** ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه ردا عليه.
** والله سبحانه وتعالى إنما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه لا على غيره فقال تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
** وقالت طائفة: يجب عليه وطؤها في العمر مرة واحدة؛ ليستقر لها بذلك الصداق،
** وهذا من جنس القول الأول، وهذا باطل من وجه آخر؛ فإن المقصود إنما هو المعاشرة بالمعروف، والصداق دخل في العقد تعظيما لحرمته، وفرقا بينه وبين السفاح، فوجوب المقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق
** وقالت طائفة ثالثة: يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر مرة واحتجوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أباح للمولي تربص أربعة أشهر، وخير المرأة بعد ذلك إن شاءت أن تقيم عنده وإن شاءت أن تفارقه، فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة.
** وهذا القول وإن كان أقرب من القولين اللذين قبله فليس أيضا بصحيح؛ فإنه غير المعروف الذي لها وعليها.
** وأما جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر فنظرا منه سبحانه للأزواج فإن الرجل قد يحتاج إلى ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس أو اشتغال بمهم فجعل الله سبحانه وتعالى له أجلا أربعة أشهر ولا يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقتا في كل أربعة أشهر مرة.
** وقالت طائفة أخرى: بل يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاشرها بالمعروف، فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد،
** قالوا: وعليه أن يشبعها وطئا إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتا،
** وكان شيخنا رحمه الله تعالى يرجح هذا القول ويختاره
** وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على استعمال هذا الدواء، ورغب فيه، وعلق عليه الأجر، وجعله صدقة لفاعله فقال: “وفي بضع أحدكم صدقة”
** ومن تراجم النسائي على هذا: الترغيب في المباضعة، ثم ذكر هذا الحديث
** ففي هذا كمال اللذة، وكمال الإحسان إلى الحبيبة، وحصول الأجر، وثواب الصدقة، وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها، وخفة الروح وذهاب كثافتها وغلظها، وخفة الجسم واعتدال المزاج، وجلب الصحة ودفع المواد الرديئة،
** فإن صادف ذلك وجها حسنا، وخلقا دمثا، وعشقا وافرا، ورغبة تامة، واحتسابا للثواب، فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها؛ فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذن بسماع كلامه، والأنف بشم رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه، وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها وتقابله من المحبوب،
** فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له، فلا تسكن كل السكون؛ ولذلك تسمى المرأة سكنا لسكون النفس إلينا قال الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}؛
** ولذلك فضل جماع النهار على جماع الليل،
** ولسبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تبرد فيه الحواس وتطلب حظها من السكون، والنهار محل انتشار الحركات كما قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً}، وقال الله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}
** وتمام النعمة في ذلك فرحة المحب برضاء ربه تعالى بذلك، واحتساب هذه اللذة عنده، ورجاء تثقيل ميزانه، ولذلك كان أحب شيء إلى الشيطان أن يفرق بين الرجل وبين حبيبه ليتوصل إلى تعويض كل منهما عن صاحبه بالحرام… الخ) اهـ
** وفي (تفسير ابن كثير) ط العلمية (1/ 455):
** قد ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ فِي مُنَاسَبَةِ تَأْجِيلِ الْمُولِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، الْأَثَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ عبد الله بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ من الليل، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه… وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فو الله لَوْلَا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبَهْ… لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
** وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا إِذْ مَرَّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها، تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ… وَأَرَّقَنِي أن لا ضَجِيعَ أُلَاعِبُهْ
أُلَاعِبُهُ طُورًا وَطُورًا كَأَنَّمَا… بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهْ
يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ… لَطِيفُ الْحَشَا لَا يحتويه أقاربه
فو الله لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ… لَنُقِضَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلًا… بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
مخافة ربي والحياء يصدني… وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
** ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ نَحْوَهُ،
** وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ طَرْقٍ وَهُوَ من المشهورات. اهـ
** ((فائدة)):
** قال شيخنا أبو عمار محمد بن عبد الله باموسى حفظه الله تعالى في كتابه: إسعاف الأخيار بما اشتهر ولم يصح من الأحاديث والآثار والأشعار ص:(408):
** وهذه الأبيات في سندها انقطاع؛ لأنها من طريق عبد الله بْنِ دِينَارٍ المكي عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنها فهي منقطعة.
“تهذيب التهذيب ” (8/25)، و ” تحفة التحصل ” للعراقي (ص: 173)
** وقد رويت هذه الأبيات من طرق أخرى كلها لا تصح.
** وقد ضعف هذه الأبيات:
(1) الحافظ ابن حجر في ” التلخيص الحبير” (3/219-220).
(2) العلائي في ” جامع التحصيل ” (ص: 210). اهـ
** ((تبيه)):
كتاب:(إسعاف الأخيار) كتاب قيم ننصح بقراءته والاستفادة منه، فقد بذل فيه الشيخ جهدا كبيرا في بيان الأحاديث والآثار والأشعار المشهورة بين الناس أنها صحيحة وليست كذلك.
** ((الحق السادس)):
** أن يعلمها ما ينفعها من أمور دينها ودنياها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
** وفي (تفسير البغوي) – طيبة (8/ 169):
** قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ تعالى عنه وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ.
{وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يَعْنِي: مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ وَانْهُوهُمْ عَنِ الشَّرِّ وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ تَقُوهُمْ بِذَلِكَ نَارًا {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. اهـ
** وفي (تفسير ابن كثير) ط العلمية (5/ 213):
** أَيْ مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَا تَدَعُوهُمْ هَمْلًا، فَتَأْكُلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
** وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ. رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. ** وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وابن ماجة واللفظ له. اهـ
** وعَنْ مَالِك بْن الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا – أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا – سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: « ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، -… الخ) رواه البخاري
** وأهم ما يعلمها: أمر التوحيد والعقيدة، وأحكام الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والحجاب، والإحسان إلى الجيران، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
** ((الحق السابع)):
** عدم ظلمها، فلا يأخذ مالها، ولا يسبها، ولا يحتقرها أو يحتقر أهلها.
** قال الله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}
** وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً.
** وفي (تفسير ابن كثير) ط العلمية (2/ 258):
** وقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أَيْ إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده مِنْهَا مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْهَا، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا وَلَا هِجْرَانُهَا.
** وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً} تَهْدِيدٌ لِلرِّجَالِ إِذَا بَغَوْا عَلَى النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنَّ اللَّهَ الْعَلِيَّ الكبير وليهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. اهـ
** وَفِي حَدِيثِ بِهَزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا؟
قَالَ « أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذا اكتسبت، وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» رواه أبو داود،
وقال الشيخ الألباني: [حسن صحيح]
** ((الحق الثامن)):
** عدم إفشاء سرها، خاصة سر الفراش.
** عَنْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: ” لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ: مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ ” فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ قَالَ: ” فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانُ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ”
رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
** قال المناوي في كتابه: (فيض القدير)، (4/ 315):
** والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفساف الأخلاق. اهـ
** وقال القرطبي في كتابه: (المفهم)، (13/ 25):
** ومقصود هذا الحديث [[يعني حديث «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»]]
هو: أن الرجل له مع أهله خلوة، وحالة يَقْبُحُ ذِكرُها، والتحدُّث بها، وتحمل الغَيْرة على سترها،
** ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء. فإن تكلم بشيء من ذلك، وأبداه، كان قد كشف عورة نفسه وزوجته؛ إذ لا فرق بين كشفها للعيان، وكشفها للأسماع والآذان؛ إذ كل واحد منهما يحصل به الاطلاع على العورة، ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها، حتى كأنّه ينظر إليها))،
** فإن دعت حاجة إلى ذِكْر شيء من ذلك، فليذكره مبهمًا، غير مُعَيّنٍ، بحسب الحاجة والضرورة، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((فعلتُه أنا وهذه))، وكقوله: ((هل أعرستم الليلة؟))، وكقوله: ((كيف وجدت أهلك؟))
** والتصريح بذلك وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق، ولا من خصال أهل الدين.
اهـ بزيادة ذكر حديث أَبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – الذي بين المعكوفين، وهو من الأحاديث التي ضعفت في صحيح مسلم؛
[[لأن في سنده عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال في “التقريب”
** وقال الذهبي في “الميزان”: “ضعفه يحيى بن معين والنسائي
** وقال أحمد: أحاديثه مناكير”.
** ثم ساق له الذهبي هذا الحديث وقال: “فهذا مما استنكر لعمر”]]
اهـ من كتاب: (آداب الزفاف في السنة المطهرة)، (ص: 142)
** ((الحق التاسع)):
** أن يعدل بينها وبين ضراتها _ إن كان له أكثر من زوجة _ في المبيت والعطاء.
** قال الله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
** وفي (تفسير البغوي) – إحياء التراث (1/ 709):
** قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ،}أَيْ: لَنْ تَقْدِرُوا أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْحُبِّ وَمَيْلِ الْقَلْبِ، {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}عَلَى الْعَدْلِ، {فَلا تَمِيلُوا}، أَيْ: إِلَى الَّتِي تُحِبُّونَهَا، كُلَّ الْمَيْلِ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، أَيْ: لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ، فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ، أي فتدعوا الأخرى كالمعلّقة لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ.
** وَقَالَ قَتَادَةُ: كَالْمَحْبُوسَةِ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «كَأَنَّهَا مَسْجُونَةٌ». اهـ
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» رواه أحمد وغيره، [وصححه الألباني ]
** قال الصنعاني في كتابه: (سبل السلام)، (2/ 238):
{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}، وَالْمُرَادُ: الْمَيْلُ فِي الْقَسْمِ وَالْإِنْفَاقِ، لَا فِي الْمَحَبَّةِ؛ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ،
** وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: (كُلَّ الْمَيْلِ) جَوَازُ الْمَيْلِ الْيَسِيرِ، وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْحَدِيثِ يَنْفِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدُ الْحَدِيثِ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ. اهـ
** ((الحق العاشر)):
** عدم منعها من الخروج إلى المسجد إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنةٌ، خاصة إذا كان خروجها لتعلم أحكام دينها التي تحتاج إليها.
** عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ»
متفق عليه.
** وعَنِه رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا»
قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ،
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ،
وَقَالَ: ” أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ” رواه مسلم.
** وعَنِه رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
** وفي كتاب: (شرح النووي على مسلم) (4/ 161):
** قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ)
** هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ الْمَسْجِدَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مَأْخُوذَةً مِنَ الأحاديث وهو:
** أن لا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً، وَلَا مُتَزَيِّنَةً، وَلَا ذَاتَ خَلَاخِلَ يُسْمَعُ صَوْتُهَا، وَلَا ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ، وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ، وَلَا شَابَّةً وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَخَافُ بِهِ مَفْسَدَةً وَنَحْوَهَا
** وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنِّ مِنَ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ،
** فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إِذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 22 / 12/ 1438 هـ.
سلسلة الفوائد اليومية: (83) فائدة اليوم بعنوان: من حكمة الله الحكيم تفضيل بعض المخلوقات على بعض
** قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
** وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
** وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}
** وعَنْ وَاثِلَةَ بْن الْأَسْقَعِ، رَضِيَ اللهُ عَنْه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رواه مسلم
** قال ابن القيم في كتابه القيم: ( زاد المعاد) , (1/ 40)
** إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِيَارِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}،
** وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ هَاهُنَا: الِاجْتِبَاءُ وَالِاصْطِفَاءُ، فَهُوَ اخْتِيَارٌ بَعْدَ الْخَلْقِ.
** وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ،
** فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، فَنُشِيرُ مِنْهُ إِلَى يَسِيرٍ يَكُونُ مُنَبِّهًا عَلَى مَا وَرَاءَهُ دَالًّا عَلَى مَا سِوَاهُ.
** فَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَجَعَلَهَا مُسْتَقَرَّ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَاخْتَصَّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ كُرْسِيِّهِ وَمِنْ عَرْشِهِ، وَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فَلَهَا مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ عَلَى سَائِرِ السَّمَاوَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قُرْبُهَا مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
** وَهَذَا التَّفْضِيلُ وَالتَّخْصِيصُ مَعَ تَسَاوِي مَادَّةِ السَّمَاوَاتِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.
** وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ سُبْحَانَهُ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ عَلَى سَائِرِ الْجِنَانِ، وَتَخْصِيصُهَا بِأَنْ جَعَلَ عَرْشَهُ سَقْفَهَا، …
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْهُمْ عَلَى سَائِرِهِمْ، كَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، …
** وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا،
** وَاخْتِيَارُهُ الرُّسُلَ مِنْهُمْ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أبي ذر الَّذِي رَوَاهُ أحمد، وَابْنُ حِبَّانَ فِي ” صَحِيحِهِ “،
** وَاخْتِيَارُهُ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ، وَهُمْ خَمْسَةٌ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ (الْأَحْزَابِ) وَ (الشُّورَى) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمُ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِمَا وَسَلَّمَ.
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ،
** ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
** وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَصْحَابَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِينَ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ،
** وَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَهْلَ بَدْرٍ، وَأَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ،
** وَاخْتَارَ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ أَكْمَلَهُ، وَمِنَ الشَّرَائِعِ أَفْضَلَهَا، وَمِنَ الْأَخْلَاقِ أَزْكَاهَا وَأَطْيَبَهَا وَأَطْهَرَهَا.
** وَاخْتَارَ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، …
** وَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِيَارِ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَأَخْلَاقِهِمْ، وَتَوْحِيدِهِمْ، وَمَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَمَقَامَاتِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ، …
** وَمِنْ تَفْضِيلِ اللَّهِ لِأُمَّتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لَهَا أَنَّهُ وَهَبَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ مَا لَمْ يَهَبْهُ لِأُمَّةٍ سِوَاهَا، …
** وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا، وَهِيَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ، …
** وَقَدْ ظَهَرَ سِرُّ هَذَا التَّفْضِيلِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي انْجِذَابِ الْأَفْئِدَةِ وَهَوَى الْقُلُوبِ وَانْعِطَافِهَا وَمَحَبَّتِهَا لِهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، فَجَذْبُهُ لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ جَذْبِ الْمِغْنَاطِيسِ لِلْحَدِيدِ، فَهُوَ الْأَوْلَى بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
محَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ *** وَمِغْنَاطِيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجَالِ
…
** وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ، فَخَيْرُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، …
** وَمِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ،
** وَتَفْضِيلُ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي،
** وَتَفْضِيلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ. …
** وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَارَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَخْلُوقَاتِ أَطْيَبَهُ، وَاخْتَصَّهُ لِنَفْسِهِ وَارْتَضَاهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يُحِبُّ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ وَالْكَلَامِ وَالصَّدَقَةِ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَالطَّيِّبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ مُخْتَارُهُ تَعَالَى. اهـ المراد باختصار
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** السبت 18 / 12/ 1438 هـ
سلسلة الفوائد اليومية: (82) فائدة اليوم بعنوان: الحث على كثرة ذكر الله، ومن حافظ على كل ذكر في وقته كان من الذاكرين الله كثيرا والذكرات
** قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
** وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
** وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، …) متفق عليه.
** وعن أَبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ ». متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
** وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الطبراني وغيره، وحسنه الألباني.
((فائدة))
** قال الإمام النووي -رحمه الله- في كتابه: (الأذكار) ط ابن حزم (ص: 41):
** وسئل الشيخ الإِمام أبو عمرو ابن الصَّلاح -رحمه الله- عن الْقَدْرِ الذي يصيرُ به من {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} ؟
** فقال: إذا واظبَ على الأذكار المأثورة المثبتة صباحًا ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، كان من {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، والله أعلم. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 15 / 12/ 1438 هـ
سلسلة الفوائد اليومية: (81) فائدة اليوم بعنوان: (فضل يوم عرفة)
** يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة.
** وهو يوم عظيم، اختاره الله جل وعلا وفضله على غيره من الأيام.
** قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
** وهو ركن أساسي لفريضة الحج، لحديث عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
” الحج عرفةَ “. رواه النسائي في سننه (5/264) [وصححه الألباني]
** فمَن فاته الوقوف بعرفة فقد فاتَه الحج.
** فمن فضائل هذا اليوم العظيم:
(1) أنه اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ النعمة.
** قال تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}
** عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]
** قَالَ عُمَرُ: « قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ » متفق عليه
** قوله: (رجلا من اليهود) هو كعب الأحبار قال ذلك قبل أن يسلم.
** قوله: (معشر) المراد به: الجماعة الذين شأنهم واحد.
** قوله: (عيدا) أي: يوم سرور وفرح وتعظيم،
** سمي بذلك؛ لأنه يعود كل عام فيعود معه بفرح وسرور جديد.
** قوله: (أي آية) هي التي تعنيها، وهي الآية الثالثة من المائدة.
** قوله: (أكملت لكم دينكم) وذلك بإرساخ قواعده وبيانها وإظهاره على الأديان كلها.
** قوله: (وأتممت عليكم نعمتي) وذلك بالهداية والتوفيق والنصر على الكفر وأهله وهدم معالم الجاهلية.
** قوله: (قد عرفنا ذلك اليوم والمكان) أشار عمر رضي الله عنه إلى أن يوم نزولها يوم عيد عند المسلمين، فقد نزلت يوم الجمعة وهو يوم عيد لنا، ويوم عرفة الذي يتحقق العيد بأوله.
(2) أنه يوم عيد لأهل الإسلام.
** عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ » رواه أبو داود وغيره، [وصححه الألباني]
** وعَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا،
** قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: « فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ » رواه الترمذي, [ وقال الألباني: صحيح الإسناد ]
(3) أن صيامه يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة قادمة.
** عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
« سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ: « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَة » رواه مسلم.
** قال ابن علان في كتابه: (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)، (7/ 59)
قوله: (قال: يكفر السنة الماضية) أي: التي آخرها سلخ ذي الحجة.
(والباقية) أي: الآتية، وأولها المحرم حملاً على المعنى المتعارف في السنة،
** والمكفر صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله،
** والمراد بغفران ما سيأتي. إما العصمة عن ملابسته، أو وقوعه مغفوراً إن وقع. اهـ
(فائدة):
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه: (فتح الباري)- (4/ 249)
** وَظَاهِرُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
** وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ: إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ. اهـ
** وفي كتاب: (حاشية الجمل) – (2/ 348) لسليمان بن عمر، المعروف بالجمل (المتوفى: 1204هـ)
(قَوْلُهُ: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ… إلَخْ)
** إنَّمَا كَانَ عَرَفَةُ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ، وَالثَّانِيَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ، وَنَبِيُّنَا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ – صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ – فَكَانَ يَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ اهـ
** وتكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عرفة وغيره من الأعمال الصالحة المراد به الصغائر، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » رواه مسلم.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى الكبرى (5/ 344):
** وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ، وَكَذَا الْحَجُّ. اهـ المراد
(4) أنه يوم لمغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف.
** عَنِ عَائِشَة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مَنْ يَوْم عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ ليَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ المَلائِكَةَ. فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟ “. رواه مسلم
** وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(… وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ، يَقُولُ: هَؤُلاءِ عِبَادِي، جَاءُوا شُعْثًا شُفَعَاءَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، وَكَعَدَدِ الْقَطْرِ، وَكَزَبَدِ الْبَحْرِ، لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ » (رواه الطبراني وغيره وحسنه الألباني).
** قال الحافظ ابن رجب في كتابه: (لطائف المعارف) (ص: 279):
** وقد يجتمع في يوم واحد عيدان كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة أو يوم النحر فيزداد ذلك اليوم حرمة وفضلا لاجتماع عيدين فيه، وقد كان ذلك، اجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة فكان يوم الجمعة وفيه نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3]. اهـ
** قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم: (زاد المعاد)، (1/ 59):
** فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ؟
** فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي ” صَحِيحِهِ ” مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ »)
** وَفِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ أوس بن أوس («خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ »).
** قِيلَ: قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَفْضِيلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ،
** وَحَكَى الْقَاضِي أبو يعلى رِوَايَةً عَنْ أحمد أَنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ،
** وَالصَّوَابُ: أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ، وَكَذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ،
** وَلِهَذَا كَانَ لِوَقْفَةِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
أَحَدُهَا: اجْتِمَاعُ الْيَوْمَيْ