سلسة الفوائد اليومية:
106 فضل شعبان, وكونه مقدمة لرمضان
** إن في اختلاف الليل والنهار وتعاقب الليالي والأيام لآيات ظاهرة
وعبرا زاجرة وعظات كافية لمن تفكر في تقلب أحولها وسرعة انقضائها
** فإننا كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رجب , وها هو قد مضى وانقضى , ونحن اليوم نستقبل شهر شعبان ,
** فما أسرع مرور الليالي والأيام , فكل يوم وكل شهر وكل سنة وكل وقت يمر عليك محسوب من عمرك وعملك ويدنيك من أجلك ,
** فهل من معتبر , وهل متفكر , وهل من مشمر للأعمال الصالحة من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وصدقة وصلة للأرحام وغير ذلك من أنواع البر والخير والإحسان استغلالا لما بقي من الأعمار قبل فوات الأوان وانتهاء الزمان .
** إن شهر شعبان شهر عظيم جعله الله بين شهرين عظيمين , وهما شهر رجب وشهر رمضان .
** وهو كالمقدمة بين يدي رمضان ؛ ولهذا يستحب فيه الإكثار من الصيام والقيام وقراءة القران وغير ذلك من الأعمال الصالحة حتى تعتاد النفوس على فعل الخيرات ,
فما يأتي رمضان إلا وقد استعدت له أتم الاستعداد .
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب
(ص: 134):
** وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر:
أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على
الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
** ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن
** روينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان
** وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء .
** وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء .
** وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .
** قال الحسن بن سهل:
قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن . اهـ
** وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شعبان .
** عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ” متفق عليه
** وعَنْها رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» رواه الإمام أحمد وغيره , [وصححه الألباني]
** والحكمة من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان
ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ،
قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [وحسنه الألباني]
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب
(ص: 130):
(. . . وقد ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور وفيه معان أخر:
** وقد ذكر منها النبي في حديث أسامة معنيين:
** أحدهما: أنه شهر “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولا عنه .
** وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك .
** وروى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله ناس يصومون رجبا؟ فقال: “فأين هم عن شعبان”.
** وفي قوله: “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.
** وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة , وأن ذلك محبوب لله عز وجل ,
** كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة
** ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن” ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: “ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم”
** وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له .
** ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق وسبب ذلك أنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة . . .
** وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط . . . . الخ , )
وقد تقدم . اهـ
وفي (شرح النووي على مسلم), (8/ 37):
** فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ
** وفي كتاب ( لطائف المعارف ) , لابن رجب (ص: 135)
يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها.
مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شـعبان المبارك
فيا من ضيـع الأوقـات جـهلا بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسرا ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلص واجعـل مدارك
على طلب السلامة من جحيم
فخير ذوي الجرائم من تدارك
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 30/ 7 / 1439 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :