** أولا : (( تعريف الصيام لغة وشرعًا )):
** الصوم والصيام : مصدران لـ( صام ) ، يقال : ( صام ، يصوم ، صومًا ، وصيامًا ) .
** وهو لغة: الإِمساك عن أي شيء مطلقا ، من طعام ، أو شراب ، أو كلام، أو غيرها .
** يُقَالُ : ( صَامَ النَّهَارُ ) ، إذَا وَقَفَ سَيْرُ الشَّمْسِ ،
** و( صام عن الكلام ) ، إذا سكت ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ مَرْيَمَ : { إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عن الكلام .
** وتقول العرب: فرس صائم: أي واقف، ممسك عن المشي .
** قال أحمد بن فارس في كتابه (مقاييس اللغة ) ، (3/ 323) :
(صَوَمَ) (( الصَّادُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ )) أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِمْسَاكٍ وَرُكُودٍ فِي مَكَانٍ.
مِنْ ذَلِكَ صَوْمُ الصَّائِمِ، هُوَ إِمْسَاكُهُ عَنْ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَسَائِرِ مَا مُنِعَهُ. . . . الخ . اهـ المراد
** وشرعا : الْإِمْسَاكُ بنية عَنِ المفطرات من أَكْلِ وشُّرْبِ وجِمَاعِ ونحوها ، مِنِ طلوع الْفَجْرِ الصادق إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ .
** قال تعالى:{ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } البقرة (187)
** والمراد بـ( الخيط الأبيض والخيط الأسود ) بياض النهار وسواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر .
انظر : كتاب [[ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (2/ 37 ، 38 ) ]]
و كتاب [[ عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 139) ]]
** ثانيا : (( حكم الصيام )) :
** حكم الصيام : أنه فرض من فرائض الإسلام وركن من أركانه العظام ،
** دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع .
** أما الكتاب فقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام }، أي فرض.
** وأما السنة فأحاديث كثيرة ، منها :
** عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ” متفق عليه .
** وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته ، كما نقل ذلك غير واحد من أهل العلم .
** قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في كتابه ( المغني ) ، (6 / 30) :
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ . اهـ
** ثالثا : (( بداية فرض صيام رمضان )) :
** وَكَانَ فَرْضُ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي شهر شعبان في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ اتفاقا.
** قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم ( زاد المعاد )، (2 / 29) :
وَكَانَ فَرْضُهُ فِي السّنَةِ الثّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ . اهـ
** رابعا : ((على من يجب الصيام ؟ )) :
** يجب الصيام على ( كل مسلم، بالغ، عاقل، مقيم ، قادر على الصوم ، ذكراً كان أو أنثى ، خالٍ من الموانع ، كالحيض والنفاس، وهذا خاص بالنساء. ) .
** فخرج بقيد ( المسلم ) الكافر ، فلا يجب عليه الصوم ، وإن صام لم يصح منه ؛ لأن العبادة لا تقبل منه حال كفره، لقوله تعالى: “وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ” الآية .
** ويعذب على تركه في الآخرة .
** وخرج بقيد ( البالغ ) : الصغير ، فلا يجب عليه الصوم ؛ لرفع القلم عنه حتى يبلغ ، وإن صام صح منه .
** (( فائدة )) :
ويعرف البلوغ عند الذكر والأنثى بواحد من ثلاثة أمور :
(1) الاحتلام ، وهو : خروج المني في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره.
** ودليله قوله تعالى: { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا }
** وحديث عَلِيٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ” رواه الإمام أحمد وغيره ، [وصححه الألباني] .
(2) إِنْبَاتِ الشَّعْرِ الخشن حول القبل أو العانة ، لا الشعر الناعم ، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْأَطْفَالِ .
** ودليله حديث عَطِيَّةُ الْقُرَظِىُّ رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ مِنْ سَبْىِ بَنِى قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ. رواه أبو داود وصححه الشيخان .
(3) بلوغ تمام خمس عشرة سنة .
** ودليله حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، قَالَ : ” عَرَضَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي،
** قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: « إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَالِ » متفق عليه .
(4) وتزيد الأنثى على الذكر بأمر رابع ، وهو الحيض ، ولو من بنت تسع أو عشر .
** قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في كتابه ( المغني ) ، (4/ 346) :
وَأَمَّا الْحَيْضُ فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى الْبُلُوغِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا،
** وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَا يَقْبَلُ اللَّه صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ . اهـ
قلت : وهذا الحديث الذي رواه الترمذي قد رواه غيره أيضا عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها ، [وصححه الألباني] .
** وينبغي على ولي الصبي أن يحثه على الصيام (إن كان مطيقا له) وأن يعينه عليه ، اقتداء بالصحابة الكرام رضي الله عنهم .
** قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (3/ 37) :
( بَابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ )
** وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: «وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ، فَضَرَبَهُ»
** عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ . وأخرجه مسلم .
** وخرج بقيد ( العاقل ) : المجنون ، فلا يجب عليه الصوم ؛ لرفع القلم عنه .
** وخرج بقيد ( المقيم ) : المسافر ، فلا يجب عليه الصوم حال سفره ، بل هو مخير بين الفطر والصيام ، والأفضل له فعل الأيسر عليه .
** وخرج بقيد ( القادر ) : العاجز عن الصيام لمرض أو كبر، فلا يجب عليه الصوم.
** فإن كان المرض يرجى برؤه صبر حتى يصح بدنه ثم يقضي .
** وإن كان لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكيناً .
** وكذا الكبير الذي لا يطيق الصوم يطعم عن كل يوم مسكيناً .
** وخرج بقيد (خالٍ من الموانع . . . ) : المرأة إذا وجد عندها المانع من حيض أو نفاس ، فلا يجب عليها الصوم، بل يجب عليها الفطر .
** خامسا : (( الحكمة من الصيام )) :
** وأما الحكمة من فرضية الصيام على هذه الأمة فقد بيَّنها الله سبحانه وتعالى في قوله: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي لأجل أن تتقوا الله ، فتمتثلوا أوامره ، وتجتنبوا نواهيه وتقفوا عند حدوده .
** قال العلامة السعدي في تفسيره 🙁 تيسير الكريم الرحمن ) ، (ص: 86)
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
** فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
** ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه،
** ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي،
** ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى،
** ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى. اهـ
** والله الموفق .
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأحد 25 / 8 / 1438 هـ