سلسلة الفوائد الرمضانية المختارة لعام 1441 هـ:
33- صوم الجوارح
** إن الصيام من العبادات العظيمة التي تطهر القلوب وتزكي النفوس وتهذب الأخلاق؛ ولهذا علل الله فرضية صيامه بالتقوى فقال جل من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
** والتقوى: كلمة جامعة لجميع خصال الخير.
** وحقيقتها : امتثال أوامر الله طمعا في ثوابه، واجتناب نواهيه خوفا من عقابه.
** فليس الصوم هو مجرد الإمتناع عن الأكل والشرب وشهوة الفرج فقط.
** وإنما الصوم المطلوب حقيقة مع هذه الثلاثة هو صوم الجوارح عن الآثام.
** فيصوم اللسان عن كل قول محرم, كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها.
** ويصوم البصر عن كل نظر محرم, كالنظر إلى النساء الأجنبيات والمردان ونحو ذلك.
** وتصوم الأذن عن كل سماع محرم, كسماع الأغاني والموسيقى,
ونحو ذلك.
** وتصوم اليد عن البطش المحرم, كالاعتداء على الناس بغير حق.
** وتصوم الرجل عن المشي الحرام, كالمشي إلى أماكن اللهو والفساد,
ونحو ذلك.
** وهذه جملة طيبة من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -التي تشير الى هذه المعاني:
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
** وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
« … وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ , وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ … » متفق عليه.
** عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشَّرْبِ فَقَطْ, إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ.
** فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَقَلْ: إِنِّي صَائِمٌ».
[رواه الحاكم وغيره, وصححه الألباني].
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ ” رواه الإمام أحمد [ وصححه الألباني ]
** عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ».
[رواه الترمذي, وصححه الشيخان].
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ،
فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»
رواه مسلم.
** وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 271):
** عن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: إذا صمت فتحفظ ما استطعت.
** وكان طليق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا لصلاة.
** وعن جابر رضي الله عنه قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم،
** وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك،
** ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
** وعن علي رضي الله عنه قال: ان الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو. اهـ
** قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام.
(لطائف المعارف), (ص: 155) لابن رجب
** قال ابن الجوزي في كتابه: (بستان الواعظين), (ص: 217):
** (صِيَام الْجَوَارِح)
** وَكَذَلِكَ حَقِيقَة الصّيام ترجع إِلَى اللُّغَة؛ لِأَن مَا من جارحة فِي بدن الْإِنْسَان إِلَّا وَيلْزمهُ الصَّوْم فِي رَمَضَان وَفِي غير رَمَضَان,
** فصوم اللِّسَان ترك الْكَلَام إِلَّا فِي ذكر الله تَعَالَى وَصَوْم السّمع ترك الإصغاء إِلَى الْبَاطِل وَإِلَى مَا لَا يحل سَمَاعه وَصِيَام الْعَينَيْنِ ترك النّظر والغض عَن محارم الله تَعَالَى. اهـ المراد
** وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم: (الوابل الصيب من الكلم الطيب), (ص: 26):
** والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام،
** ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور،
** وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث.
** فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه،
** وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه،
** فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً،
** وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك،
** كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته , وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
** هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب،
** ففي الحديث الصحيح «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»
** وفي الحديث «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» .
** فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام ,
** وصوم البطن عن الشراب والطعام،
** فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم. اهـ المراد
** قال الشاعر:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت
** وقال الآخر:
وسمعك صن عن سماع القبيح *
كصون اللسان عن اللفظ به
فإنك عند سماع القبيح *
شريكٌ لقائله فانتبه
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الثلاثاء 12 / 9 / 1441 هـ.
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
انقر هنا: https://binthabt.al3ilm.net/fr1441
==============