سلسلة الفوائد الرمضانية المختارة لعام 1441 هـ:
42- فضائل وخصائص ليلة القدر
** ليلة القدر ليلة عظيمة مباركة, اختصها الله جل وعلا من بين ليالي السنة كلها, فجعلها أفضلها, وذلك لما لها من الفضائل الكثيرة
والخصائص الكبيرة التي لا توجد في غيرها.
** وسميت هذه الليلة المباركة بهذا الاسم: (ليلة القدر) من القدر-بسكون الدال- وهو الشرف والرفعة, أي ليلة ذات قدر وشرف عظيم
؛ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا
مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أو لكونها خيراً من ألف شهر, أَوْ لأَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ، أو غير ذلك.
** وقيل: من القدر , بفتح الدال بمعني التقدير؛ لأن الله جل وعلا يقدر في هذه الليلة أمور العباد للسنة المقبلة, وهو ما يسميه أهل العلم
بـ (التقدير السنوي).
** وقيل: للأمرين معا , فهي ليلة ذات مقدار وشرف عظيم, وذات تقدير لأحكام تلك السنة من لدن حكيم عليم. وهذا هو الصحيح.
** وانظر:
** كتاب: (فتح الباري), لابن حجر (4/ 255)
** و(تفسير العثيمين: جزء عم), (ص: 270)
** وسأذكر ما تيسر من هذه الفضائل والخصائص في المسائل الآتية :
(1) تخصيصها بنزول القران الكريم الذي به الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة.
** قال الله تعالى: {إنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
** وقال: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}
(2) تخصيصها بهذا النوع من الاستفهام الذي يدل علي التعظيم
والتفخيم.
** قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}
** أَيْ لَمْ تَبْلُغْ دِرَايَتُكَ غَايَةَ فَضْلِهَا؛ فإنها ليلة لا يدرى أحد مدى عظمتها، ولا حدود قدرها, ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ.
** (فائدة):
** في (صحيح البخاري), (3/ 45):
** قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «مَا كَانَ فِي القُرْآنِ» {مَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ أَعْلَمَهُ،
** وَمَا قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ} فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ. اهـ
(3) تخصيصها بأنها خير من ألف شهر.
** قال الله تعالى: {لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر}
** أي أن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر ليس فيه ليلة القدر .
** وفي تفسير البغوي (5/ 288) :
** قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }: مَعْنَاهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مَنْ عَمِلِ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. اهـ
** و(ألف شهر) يساوي : ثلاثا وثمانين سنة , وبضعة أشهر .
** وهذا عمر كبير قل من يصل إليه , كما قاله النبي صلى الله عليه
وسلم.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ»
[رواه الترمذي وغيره , وصححه الشيخان]
(4) تخصيصها بتنزل الملائكة الكرام, والروح – وهو جبريل عليه
السلام- وخصه بالذكر لشرفه.
** قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبِّهم مِّن كُلِّ أَمْر}
** أي: تتنزل الملائكة بكثرة في هذه الليلة المباركة, وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة والمغفرة .
(5) تخصيصها بأنها ليلة مباركة.
** قال تعالى : {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}
** فهي كثيرة الخيرات والبركات والرحمات .
(6) تخصيصها بأنها ليلة سلام وأمان, من أولها إلى آخرها.
** قال تعالى: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}
** وفي تفسير البغوي – إحياء التراث (5/ 289):
** {سَلامٌ هِيَ}، أَيْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ سَلَامٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا، لَيْسَ فِيهَا شَرٌّ.
** قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يُقَدِّرُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَلَا يَقْضِي إِلَّا السَّلَامَةَ.
** وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَالِمَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فيها سوء، وَلَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا أَذًى.
** {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، أَيْ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرَ. اهـ
(7) تخصيصها بتقدير أمور العباد من : سعادة وشقاوة, وإحياء وإماتة , وغنى وفقر, وصحة ومرض, وغير ذلك.
* قال تعالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍأَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}.
** وفي (تفسير الطبري),(21/ 6):
** وَقَوْلُهُ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
** اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ،
** وَذَلِكَ أَنَّ الْهَاءَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {فِيهَا} عَائِدَةٌ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ،
** فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، يُقْضَى فِيهَا أَمْرُ السَّنَةِ كُلِّهَا: مَنْ يَمُوتُ، وَمَنْ يُولَدُ، وَمَنْ يُعَزُّ، وَمَنْ يُذَلُّ، وَسَائِرُ أُمُورِ السَّنَةِ …
** وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ …
** وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛
لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِنَا عَنْ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ لَيْلَةِ الْقَدْرِ،
** وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فِيهَا} مِنْ ذِكْرِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ.
** وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ يُقْضَى وَيُفْصَلُ كُلُّ أَمْرٍ أَحْكَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْأُخْرَى. اهـ
** وفي (تفسير ابن كثير), (7/ 225):
** يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، وَهِيَ ليلة القدر كما قال عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
** وَكَانَ ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى:{شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
** وقد ذكرنا في الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ،
** وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ؛ فَإِنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ،
** وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الله بن صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأخنس قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ أُخْرِجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى»
** فَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ , وَمِثْلُهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ النُّصُوصُ. اهـ
(8) تخصيصها بسورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة تسمى بـ(سورة
القدر).
(9) تخصيصها بجعل قيامها سببا لمغفرة الذنوب.
** عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».متفق عليه
** وفي شرح النووي على مسلم (6/ 39):
** مَعْنَى (إِيمَانًا) تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ , مُعْتَقِداً فَضِيلَتَهُ .
** وَمَعْنَى (احْتِسَابًا) أَنْ يُرِيدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا يَقْصِدُ رُؤْيَةَ النَّاسِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ. اهـ
(10) اختلف العلماء في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولا.
** والصحيح أنها في أوتار العشر الأواخر من رمضان.
** وأرجى ما تكون في ليلة سبع وعشرين.
** وأنها تتنقل, ولا تختص بليلة السابع والعشرين.
** وفي: (فتح الباري), لابن حجر (4/ 262):
** وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا,
** وَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا كَمَا وَقَعَ لَنَا نَظِيرُ ذَلِكَ فِي سَاعَةِ الْجُمْعَةِ.
** وَقَدِ اشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِيَقَعَ الْجد فِي طَلَبِهِمَا.
** الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهَا رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا … الخ). اهـ
(11) سبب إخفاء ليلة القدر والحكمة من ذلك.
** عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ»
رواه البخاري
** ومعنى (تلاحى): تنازع وتخاصم.
** وفي شرح السيوطي على مسلم (3/ 255):
** وَلَعَلَّ عدم تَعْيِينهَا أبلغ فِي الْحِكْمَة وأكمل فِي تَحْصِيل الْمصلحَة. اهـ
** وفي (تفسير العثيمين: جزء عم), (ص: 273):
** وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين:
** الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل؛
** لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالٍ من أجل أن يدركها،
** والمتكاسل يكسل أن يقوم عشر ليالي من أجل ليلة واحدة.
** الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب. اهـ
(12) علامات ليلة القدر:
** لليلة القدر علامات تُعرف بها، ومن هذه العلامات:
( أ ) أن تطلع الشمس في صبيحتها صافية لا شعاع لها.
** عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ»، فَقَالَ أُبَيٌّ: «وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» رواه مسلم
( ب ) أن تكون السماء صافية والجو طيبا معتدلا.
** عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: “لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ يُصْبِحُ شَمْسُها صَبِيحَتَهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ” [رواه البيهقي, وصححه الألباني]
** وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ نُسِّيتُها وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فجرها)
[رواه ابن حبان وغيره, وقال الألباني: صحيح لغيره]
** (تنبيه):
** هناك علامات كثيرة منتشرة بين الناس وهي لا تصح , وبعضها يصحبها خرافات واعتقادات فاسدة, منها:
** أن الشجر يسجد.
** وأن المباني تنام.
** وأن المياه المالحة تعذب في تلك الليلة.
** وأن الكلاب تكف عن النباح , وغير ذلك.
** وفي (فتح الباري), لابن حجر (4/ 260):
** وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْأَشْجَارَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَسْقُطُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مَنَابِتِهَا وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْجُدُ فِيهَا.
** وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبَدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إِنَّ الْمِيَاهَ الْمَالِحَةَ تَعْذُبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
** وَرَوَى بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ زَهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ نَحْوَهُ. اهـ
** وفي كتاب: (الشرح الممتع على زاد المستقنع) للعثيمين
(6/496):
المبحث السابع: في علامات ليلة القدر.
** ليلة القدر لها علامات مقارنة وعلامات لاحقة.
** أما علاماتها المقارنة فهي:
1 ـ قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2 ـ الطمأنينة، أي: طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة، وانشراح صدر في تلك الليلة، أكثر مما يجده في بقية الليالي.
3 ـ قال بعض أهل العلم: إن الرياح تكون فيها ساكنة، أي: لا يأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً.
4 ـ أن الله يُري الإنسانَ الليلةَ في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة.
5 ـ أن الإنسان يجد في القيام لذة ونشاطاً، أكثر مما في غيرها من الليالي.
** أما العلامات اللاحقة:
** فمنها: أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية، ليست كعادتها في بقية الأيام.
** وأما ما يذكر أنه يقل فيها نباح الكلاب، أو يعدم بالكلية، فهذا لا يستقيم، ففي بعض الأحيان ينتبه الإنسان لجميع الليالي العشر، فيجد أن الكلاب تنبح ولا تسكت،
** فإن قال قائل ما الفائدة من العلامات اللاحقة؟
** فالجواب: استبشار المجتهد في تلك الليلة وقوة إيمانه وتصديقه، وأنه يعظم رجاؤه فيما فعل في تلك الليلة. اهـ
(13) يستحب الإكثار من الدعاء في ليلة القدر, لا سيما بالدعاء الوارد.
** عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: “تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” [رواه أحمد وغيره, وصححه الألباني]
(14) أيهما أفضل ليلة الإسراء أم ليلة القدر؟
** قال ابن القيم في كتابه القيم: (بدائع الفوائد), (3/ 162):
** ومنها أنه سئل [يعني شيخ الإسلام] عن ليلة القدر وليلة الإسراء
بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل؟
** فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم,
** وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة.
** فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر.
** وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج, وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسرى به. اهـ
(15) (( فائدة )):
** هل هناك ليلة أفضل من ليلة القدر؟
** الجواب: نعم, هي ليلة الحراسة في أرض الخوف.
** عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “ألا أُنبئكم بليلة أفضلَ من ليلةِ القدرِ؟ حارسٌ حرس في أرضِ خوفٍ، لعله أن لا يرجع إلى أهله”.
[رواه الحاكم وقال: “صحيح على شرط البخاري”, وصححه الألباني]
** وعن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كانَ في الرباطِ
ففزعوا إلى الساحلِ، ثم قيلَ: لا بأسَ، فانصرفَ الناسُ وأبو هريرة واقفٌ، فمرّ به إنسانٌ، فقالَ: ما يوقفُك يا أَبا هريرة! فقال: سمعتُ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: “موقفُ ساعةٍ في سبيلِ الله؛ خيرٌ من قيام ليلةِ القدرِ عند الحجرِ الأسودِ”.
[رواه ابن حبان في “صحيحه” والبيهقي وغيرهما, وصححه الألباني]
** قال الشيخ الألباني في تعليقه على صحيح الترغيب والترهيب
(2/ 67):
** قلت: إنما بدأ المصنف بمجاهد دون أبي هريرة، ليشير بذلك إلى ما قيل أن مجاهداً لم يسمع من أبي هريرة. لكن هذا لم يثبت، ولذلك حكاه الحافظ في “التهذيب” بصيغة التمريض: (قيل).
** ويؤيده أنه ثبت سماع مجاهد من أبي هريرة في “سنن البيهقي” (7/ 270)، رواه عنه بسند صحيح.
** ولذلك خرجت الحديث في “الصحيحة” (1068). اهـ
** وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقِيَامُ رَجُلٍ فِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ الله عز وجل سَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً.
[رواه البيهقي وغيره , وصححه الألباني].
(16) هل إذا وافقت ليلة وترية ليلة جمعة كانت أرجى من غيرها؟.
** ذكر الحافظ ابن رجب في (لطائف المعارف), (ص: 203):
عن الوزير أبي المظفر ابن هبيرة أنه قال: وإن وقع في ليلة من أوتار العشر ليلة جمعة فهي أرجى من غيرها. اهـ
** قال أبو عبد الله الجعدي- وفقه الله-:
** وهذا يحتاج إلى دليل صحيح , ولا دليل عليه – فيما أعلم-.
** (والخلاصة):
** أنه ينبغي لكل عاقل لبيب يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه أن يجد ويجتهد ويبذل قصارى جهده في الاستكثار من الأعمال الصالحة قبل فوات الأوان وقبل انتهاء الزمان؛ فإن المحروم من حرم خير هذه الليلة
المباركة,
** فقد ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ”. [رواه ابن ماجه, وحسنه الألباني]
** وقد ضرب لنا نبينا عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في هذا الأمر .
** فكان يجتهد في العشر الأواخر اجتهادا عظيما ؛ طلبا لليلة القدر .
** وكان يعتكف في العشر الأواخر التماسا لليلة القدر .
** وهكذا كان أصحابه الكرام رضوان الله عليهم, والتابعون لهم بإحسان
, والأئمة الأخيار, إلى يومنا هذا.
** قال بعض السلف: لو كانت ليلة القدر ليلة واحدة في السنة لقمت السنة حتى أدركها , فما بالك بعشر ليال؟!
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 21 / 9 / 1441 هـ.
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
انقر هنا: https://binthabt.al3ilm.net/fr1441
==============