سلسلة الفوائد اليومية:
الفَرْق بَين الفِرَاسَة وَالظَّن، والفِراسة -بكسر الفاء- والفَراسة بفتحها
** قال ابن القيم في كتابه: (الروح)(ص: 238):
فصل:
** وَالْفرق بَين الفِرَاسَة وَالظَّن:
** أَن الظَّن يخطئ ويصيب وَهُوَ يكون مَعَ ظلمَة الْقلب ونوره وطهارته ونجاسته وَلِهَذَا أَمر تَعَالَى باجتناب كثير مِنْهُ وَأخْبر أَن بعضه إِثْم
** وَأما الفِرَاسَة فَأثْنى على أَهلهَا ومدحهم فِي قَوْله تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين}
** قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيره أَي للمتفرسين.
** وَقَالَ تَعَالَى {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف تعرفهم بِسِيمَاهُمْ}
** وَقَالَ تَعَالَى وَلَو نشَاء لأريناهم فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل}
** فالفِرَاسَة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من الأدناس وَقرب من الله فَهُوَ ينظر بِنور الله الَّذِي جعله فِي قلبه.
** وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّقوا فِرَاسَة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله. اهـ
** وفي كتاب:(النهاية في غريب الحديث والأثر)(3/ 428):
** (فَرَسَ)
** (س) فِيهِ «اتَّقُوا فِرَاسَة الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظر بِنُورِ اللَّهِ»
** يُقَالُ بمعْنَيَيْن:
** أحَدُهما: مَا دَلَّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يوُقِعُه اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلوب أَوْلِيَائِهِ، فيَعْلَمون أَحْوَالَ بَعْضِ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الظَّنّ والحَدْس،
** وَالثَّانِي: نَوع يُتَعَلَّم بِالدَّلَائِلِ وَالتَّجَارِبِ والخَلْق وَالْأَخْلَاقِ، فَتُعْرف بِهِ أحوالُ النَّاسِ، وللنَّاس فِيهِ تَصانيفُ قَديمة وحَدِيثة. اهـ المراد
** وقال أيضا في كتابه: (الجواب الكافي)(ص: 178):
وهو يعدد مَنَافِعَ غَضِّ الْبَصَرِ:
أَحَدُهَا: … الثَّانِيَةُ: … الثَّالِثَةُ: … الرَّابِعَةُ: … الْخَامِسَةُ: …
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ،
** وَكَانَ شُجَاعٌ الْكِرْمَانِيُّ يَقُولُ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ.
** وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ.
** وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ،
** وَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ،
** فَإِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُطْلِقَ نُورَ بَصِيرَتِهِ، عِوَضًا عَنْ حَبْسِ بَصَرِهِ لِلَّهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي إِنَّمَا تُنَالُ بِبَصِيرَةٍ،
** فَقَالَ تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
** فَوَصَفَهُمْ بِالسَّكْرَةِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ الْعَقْلِ،
** وَالْعَمَهِ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْبَصِيرَةِ.
** فَالتَّعَلُّقُ بِالصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ، وَعَمَهَ الْبَصِيرَةِ، وَسُكْرَ الْقَلْبِ،
** كَمَا قَالَ الْقَائِلٌ:
سَكْرَانُ سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ *** وَمَتَّى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سُكْرَانِ
** وَقَالَ الْآخَرُ:
قَالُوا جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ *** الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ *** وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ. اهـ.
** (تنبيه): حديث: (اتَّقوا فراسة الْمُؤمن) ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (4/ 299) برقم: (1821)
** ويغني عنه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ للَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ».
رَوَاهُ الْبَزَّارُ، [وحسنه الألباني]
** (فائدة):
** الفرق بين ” الفِراسة ” بكسر الفاء و” الفَراسة ” بفتحها.
** (الفِرَاسَة) -بالكسر-: الاسم من التَفَرُّس وهُوَ التَّوَسُّم، تقول منه: رَجُلٌ فارِسُ النَّظَر، أَي ذُو بصر وَتَأمل.
** و(الفَرَاسَة) -بالفتح-: الاسم مِنَ الفُرُوسِيَّة، وهي الحِذْقُ برُكُوبِ الخَيْلِ وأَمْرِهَا ورَكْضها والثَّبَات عَلَيْهَا، تقول منه: رَجُلٌ فارسٌ حسَنُ الفُرُوسِيَّة، أي ذو حَذِقَ بأمْرِ الخَيْلِ.
** وقد يجتمعان في رجل واحد فيكون ذلك نورا على نور.
** وفي كتاب: (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)، للجوهري (3/ 958):
** و(الفِرَاسَة) بالكسر: الاسم من قولك: (تَفَرَّسْتُ فيه خيراً).
** وهو يَتَفَرَّسُ، أي يتثبَّت وينظر. تقول منه: (رجلٌ فارِسُ النظر).
** وفي الحديث: ” (اتَّقوا فِراسَةَ المؤمنِ) “.
** و(الفَراسَةُ) بالفتح: مصدر قولك: (رَجلٌ فارِسٌ على الخيل بيِّن الفَراسَةِ والفُروسَةِ والفُروسيَّةِ).
** وقد فَرُسَ بالضم يَفْرُسُ فُروسَةً وفَراسَةً، أي حَذِقَ أمر الخيل. اهـ
** (فائدة أخرى لطيفة):
** قال ابن أبي حاتم في كتابه: (آداب الشافعي ومناقبه)، (ص: 96):
** بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ فِرَاسَةِ الشَّافِعِيِّ وَفِطْنَتِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، ثَنا َأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَرَّاقُ الْحُمَيْدِيِّ: سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ، يَقُولُ:
** قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: ” خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فِي طَلَبِ كُتُبِ الْفِرَاسَةِ، حَتَّى كَتَبْتُهَا وَجَمَعْتُهَا،
** ثُمَّ لَمَّا حَانَ انْصِرَافِي، مَرَرْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي طَرِيقِي وَهُوَ مُحْتَبٍ بِفِنَاءِ دَارِهِ، أَزْرَقَ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئِ الْجَبْهَةِ، سِنَاطٍ،
** فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
** قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا النَّعْتُ أَخْبَثُ مَا يَكُونُ فِي الْفِرَاسَةِ.
** فَأَنْزَلَنِي، فَرَأَيْتُ أَكْرَمَ رَجُلٍ، بَعَثَ إِلَيَّ بِعَشَاءٍ وَطِيبٍ، وَعَلَفٍ لِدَابَّتِي، وَفِرَاشٍ وَلِحَافٍ،
** فَجَعَلْتُ أَتَقَلَّبُ اللَّيْلَ أَجْمَعَ مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكُتُبِ؟ إِذْ رَأَيْتُ هَذَا النَّعْتَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَرَأَيْتُ أَكْرَمَ رَجُلٍ، فَقُلْتُ: أَرْمِي بِهَذِهِ الْكُتُبِ “.
** فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، قُلْتُ لِلْغُلامِ: أَسْرِجْ، فَأَسْرَجَ، فَرَكِبْتُ وَمَرَرْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ وَمَرَرْتَ بِذِي طُوًى، فَسَلْ عَنْ مَنْزِلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ.
** فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ: أَمَولًى لأَبِيكَ أَنَا؟! قُلْتُ: لا.
** قَالَ: فَهَلْ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي نِعْمَةٌ؟! فَقُلْتُ: لا.
** فَقَالَ: أَيْنَ مَا تَكَلَّفْتُ لَكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟
** قَالَ: اشْتَرَيْتُ لَكَ طَعَامًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِدَامًا بِكَذَا، وَعِطْرًا بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَفًا لِدَابَّتِكَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكِرَاءُ الْفِرَاشِ وَاللِّحَافِ دِرْهَمَانِ.
** قَالَ: قُلْتُ: يَا غُلامُ أَعْطِهِ، فَهَلْ بَقِيَ مِنْ شَيْءٍ.
** قَالَ: كِرَاءُ الْمَنْزِلِ، فَإِنِّي وَسَّعْتُ عَلَيْكَ، وَضَيَّقْتُ عَلَى نَفْسِي،
** قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَغَبَطْتُ نَفْسِي بِتِلْكَ الْكُتُبِ،
** فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: هَلْ بَقِيَ مِنْ شَيْءٍ؟
** قَالَ: امْضِ، أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَمَا رَأَيْتُ قَطُّ شَرًّا مِنْكَ.
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ” اشْتَرَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ طِيبًا بِدِينَارٍ،
** فَقَالَ لِي: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ ذَلِكَ الأَشْقَرِ الأَزْرَقِ،
** فَقَالَ: أَشْقَرُ أَزْرَقُ، رُدَّهُ، رُدَّهُ “
** أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ بِزِيَادَةٍ،
** قَالَ: ” سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا جَاءَنِي خَيْرٌ قَطُّ مِنْ أَشْقَرَ “.
اهـ المراد
** وفي كتاب: (تاج العروس)، (13/ 479):
(ق ن ج ر)
** (القُنْجُورُ)، كـ(زُنْبُورٍ)، بالجِيم، أَهمله الجوهريُّ،
** وَقَالَ ابنُ الأَعرابيّ: هُوَ الرَّجُلُ الصَّغِيرُ الرَأْسِ الضَّعِيفُ العَقْلِ،
هَكَذَا نَقله الصاغانيّ وصاحبُ اللّسَان.
** وَقَالَ أَهل الفِراسَة: إِنّ صِغَرَ الرَّأْسِ يَدُلّ على ضَعْفِ الرَّأْي. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 2 / 1/ 1439 هـ