سلسة الفوائد اليومية:
112 ذكر بعض المعلومات عن الذباب
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه :(فتح الباري), (10/ 250):
** الذُّبَاب بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَخْفِيف ،
** قَالَ أَبُو هِلَال الْعَسْكَرِيّ : الذُّبَاب وَاحِد وَالْجَمْع ذِبَّان كِغِرْبَان ،
** وَالْعَامَّة تَقُول ذُبَاب لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ ذُبَابَة بِوَزْنِ قُرَادَة ، وَهُوَ خَطَأ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ إِنَّهُ خَطَأ ،
** وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الذُّبَاب وَاحِدَة ذُبَابَة وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَة ،
** وَنَقَلَ فِي ” الْمُحْكَم ” عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ خَلَف الْأَحْمَر تَجْوِيز مَا زَعَمَ الْعَسْكَرِيّ أَنَّهُ خَطَأ ،
** وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي الْجَمْع ذُبَّ .
** وَقَرَأْته بِخَطِّ الْبُحْتُرِيِّ مَضْبُوطًا بِضَمِّ أَوَّله وَالتَّشْدِيد .
قَوْلُهُ :(إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ )
** قِيلَ سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ .
** وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَن ابن عُمَرَ مَرْفُوعًا : (عُمْرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً , وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إِلَّا النَّحْلَ ) ,وَسَنَدُهُ لَا بَأْس بِهِ .
** وَأخرجه بن عَدِيٍّ دُونَ أَوَّلِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ .
** قَالَ الْجَاحِظُ : كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ .
** قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : يُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطُّيُورِ يَلَغُ إِلَّا الذُّبَابُ .
** وَقَالَ أَفْلَاطُونُ : الذُّبَابُ أَحْرَصُ الْأَشْيَاءِ , حَتَّى إِنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ .
** وَيَتَوَلَّدُ مِنَ الْعُفُونَةِ .
** وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ ؛ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا , وَالْجَفْنُ يَصْقُلُ الْحَدَقَةَ , فَالذُّبَابَةُ تَصْقُلُ بِيَدَيْهَا فَلَا تَزَالُ تمسح عينيها .
** وَمن عَجِيب أمره : أَن رجعيه يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ أَبْيَضَ وَبِالْعَكْسِ .
** وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ فِي أَمَاكِنِ الْعُفُونَةِ , وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا ثُمَّ مِنَ التَّوَالُدِ .
** وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا , رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى .
** وَيُحْكَى : أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ ؟! فَقَالَ : مَذَلَّةً لِلْمُلُوكِ , وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ .
** وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَالِقِيُّ : ذُبَابُ النَّاسِ يَتَوَلَّدُ مِنَ الزِّبْلِ .
** وَإِنْ أُخِذَ الذُّبَابُ الْكَبِيرُ فَقُطِعَتْ رَأْسُهَا وَحُكَّ بِجَسَدِهَا الشَّعْرَةِ الَّتِي فِي الْجَفْنِ حَكًّا شَدِيدًا أَبْرَأَتْهُ , وَكَذَا دَاءُ الثَّعْلَبِ .
** وَإِنْ مُسِحَ لَسْعَةُ الزُّنْبُورِ بِالذُّبَابِ سَكَنَ الْوَجَعُ . اهـ
** وقال ابن القيم في كتابه القيم (زاد المعاد) ,(4/ 101):
** فصل فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِصْلَاحِ الطَّعَامِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ، وَإِرْشَادِهِ إِلَى دَفْعِ مَضَرَّاتِ السُّمُومِ بِأَضْدَادِهَا .
** فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» .
** وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَحَدُ جَنَاحَيِ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَالْآخَرُ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» .
** هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَمْرَانِ: أَمْرٌ فِقْهِيٌّ، وَأَمْرٌ طِبِّيٌّ،
** فَأَمَّا الْفِقْهِيُّ، فَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ جِدًّا عَلَى أَنَّ الذُّبَابَ إِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ.
** وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَقْلِهِ، وَهُوَ غَمْسُهُ فِي الطَّعَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا. فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ لَكَانَ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَ بِإِصْلَاحِهِ،
** ثُمَّ عُدِّيَ هَذَا الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنَّحْلَةِ وَالزُّنْبُورِ، وَالْعَنْكَبُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، إِذِ الْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَيَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سببه، فلما كَانَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ هُوَ الدَّمُ الْمُحْتَقِنُ فِي الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَفْقُودًا فِيمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.
** ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ عَظْمِ الْمَيْتَةِ: إِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فِي الْحَيَوَانِ الْكَامِلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ، وَالْفَضَلَاتِ، وَعَدَمِ الصَّلَابَةِ، فَثُبُوتُهُ فِي الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ عَنِ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ، وَاحْتِقَانِ الدَّمِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى.
** وَأَوَّلُ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَقَالَ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَنْهُ تَلَقَّاهَا الْفُقَهَاءُ-
** وَالنَّفْسُ فِي اللُّغَةِ: يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الدَّمِ، وَمِنْهُ نَفَسَتِ الْمَرْأَةُ- بِفَتْحِ النُّونِ- إِذَا حَاضَتْ، وَنُفِسَتْ- بِضَمِّهَا- إِذَا وَلَدَتْ.
** وَأَمَّا الْمَعْنَى الطِّبِّيُّ، فَقَالَ أبو عبيد: مَعْنَى امْقُلُوهُ: اغْمِسُوهُ ليخرج الشفاء بضمها مِنْهُ، كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ، يُقَالُ لِلرَّجُلَيْنِ: هُمَا يَتَمَاقَلَانِ، إِذَا تَغَاطَّا فِي الْمَاءِ.
** وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الذُّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ، وَالْحِكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بِسِلَاحِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الْآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فَيُغْمَسُ كُلُّهُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النَّافِعَةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا، وَهَذَا طِبٌّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ كِبَارُ الْأَطِبَّاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفَّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ، وَيُقِرُّ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَنَّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ خَارِجٍ عَنِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ.
** وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إِذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا، وَسَكَّنَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلْمَادَّةِ الَّتِي فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ،
** وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شعر العين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب، أبرأه. اهـ
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الجمعة 24/ 2 / 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/11613