سلسة الفوائد اليومية:
115 من طبيعة الإنسان التضجر من حاله ولو كان هذا الحال طيبا, فلا يشكر عند السراء ولا يصبر عند الضراء إلا المؤمن
** قال تعالى :{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)}
وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 280):
** يَقُولُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي إِنْزَالِي عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، طَعَامًا طَيِّبًا نَافِعًا هَنِيئًا سَهْلًا وَاذْكُرُوا دَبَرَكم وَضَجَرَكُمْ مِمَّا رزَقتكم وَسُؤَالَكُمْ مُوسَى اسْتِبْدَالَ ذَلِكَ بِالْأَطْعِمَةِ الدَّنِيَّةِ مِنَ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا سَأَلْتُمْ.
** وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَبَطَرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا عَيْشَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَكَانُوا قَوْمًا أَهْلَ أَعْدَاسٍ وَبَصَلٍ وَبَقْلٍ وَفُومٍ، فَقَالُوا: {يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [وَهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، لِأَنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ وَلَا يَتَغَيَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ كَأَكْلٍ وَاحِدٍ]. فَالْبُقُولُ وَالْقِثَّاءُ وَالْعَدَسُ وَالْبَصَلُ كُلُّهَا مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا “الْفُومُ” فَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَاهُ
. . .
** وَالْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي سَأَلْتُمْ لَيْسَ بِأَمْرٍ عَزِيزٍ، بَلْ هُوَ كَثِيرٌ فِي أَيِّ بَلَدٍ دَخَلْتُمُوهُ وَجَدْتُمُوهُ، فَلَيْسَ يُسَاوِي مَعَ دَنَاءَتِهِ وَكَثْرَتِهِ فِي الْأَمْصَارِ أَنْ أَسْأَلَ اللَّهَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} أَيْ: مَا طَلَبْتُمْ،
** وَلَمَّا كَانَ سُؤَالُهُمْ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ، لَمْ يُجَابُوا إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ
** وقال تعالى :{ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) }
** قال العلامة السعدي في تفسيره :(تيسير الكريم الرحمن),(ص: 887):
** وهذا الوصف للإنسان من حيث هو وصف طبيعته الأصلية، أنه هلوع.
** وفسر الهلوع بأنه: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
** {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء.
** {إِلا الْمُصَلِّينَ} الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا. اهـ
** وعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ طَعَامًا فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فَوَجَدَهُ حَارًّا فَقَالَ:(حَسٍّ)
** وَقَالَ:(ابْنُ آدَمَ إِنَّ أَصَابَهُ بردٌ قَالَ: حَسٍّ وَإِنَّ أَصَابَهُ حرٌّ قَالَ: حَسٍّ)
رواه أحمد وغيره , [الألباني : صحيح]
-
- وفي كتاب : (التنوير شرح الجامع الصغير) , للصنعاني (3/ 556):
** قوله :(إن أصابه حر قال: حس)
بالحاء المهملة المفتوحة والسين، وفي الشرح: المكسور والسين المهملة، كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه أو أحرقه غفلة كالجمرة أو الضربة، أفاده في النهاية .
** وليست هذه الكلمة باسم ولا فعل بل صوت كالأنين الحادث عند المرض.
** وقوله : (وإن أصابه برد قال حس) أي فهو يتوجع من الأمرين الحر والبرد،
** وهو إعلام بأن هذا طبعه وليس فيه نهي إلا أن يدعي أن السياق يفيده
** كما قال من أشار إلى معناه:
يَتَمَنَّى الْمَرْءُ فِي الصَّيْفِ الشِّتَا
فَإِذَا جَاءَ الشِّتَا أَنْكَرَهُ
فَـهْوَ لَا يَرْضَى بِحَـالٍ وَاحِـدٍ
قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . اهـ بتصرف
** وقال محمود العقاد:
صغير يطلب الكبرا
وشيخ ” ودّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملاً
وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب
وفي تعب من افتقرا
ويشقى المرء منهزما
ولا يرتاح منتصرا
ويبغى المجد في لهف
فإن يظفر به فترا . اهـ
** وعَنْ أبي يحيى صُهَيْبٍ بن سنانٍ – رضي الله عنه -، ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم.
** وفي كتاب : (التنوير شرح الجامع الصغير), للصنعاني (7/ 204):
** (إن أصابته سراء) يسر به ونعمة حادثة. (شكر فكان) الشكر، (خيراً له) لما فيه من الأجر.
** (وإن أصابته ضراء صبر فكان) الصبر، (خيراً له) لأنه يحوز أجر الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب فكان أمره كله خير،
** هذا إن عمل بحق الإيمان فشكر وصبر وإلا كان أمره كله شرًّا له إن لم يشكر ولم يصبر. اهـ باختصار
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الإثنين 267/ 2/ 1440 هـ
** ومن أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
=================