سلسلة الفوائد اليومية:
فضل شهر الله المحرم، ويوم عاشوراء
** الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، أعز عباده المؤمنين وأذل أعداءه الكافرين من يهود ونصارى ومشركين،
** وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصاحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
** أما بعد: فنحمد الله الكريم المنان، ذا الفضل والجود والإحسان، الذي مد في أعمارنا وأخر في آجالنا حتى أدركنا هذا العام الجديد،
** فهذه نعمة عظيمة ومنة جسيمة يجب علينا أن نشكر الله عليها، وأن نستغل ما بقي من أعمارنا في طاعة الله ربنا جل جلاله، فنتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بفعل الطاعات رغبة في ثوابه، وترك المعاصي والمنكرات رهبة من عقابه.
** جاء في سنن الترمذي وغيره من حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ»
[قال الألباني: صحيح لغيره]
** وجاء في سنن النسائي وغيره من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» صححه الألباني.
** فالعاقل اللبيب هو الذي يغتنم حياته ويستغل أوقاته في انتهاز الفرص والمواسم الإيمانية والنفحات الربانية التي تقربه من الله ورحمته وجنته، وتباعده من غضبه وسخطه وناره.
** جاء في مستدرك الحاكم من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنْهما قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجلٍ وهو يَعِظُه:
“اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ”. صححه الألباني.
** أيها الأخوة: إن الله افتتح شهور العام بشهر حرام وهو شهر الله المحرم الذي هو أحد الأشهر الأربعة الحرم التي عظمها وشرفها ونهانا أن نظلم فيهن أنفسنا كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
** وظلم النفس نوعان: ترك الواجبات، وارتكاب المحرمات.
** وقد بين النبي صلى عليه وسلم فضل هذا الشهر الكريم، وذلك بأن أضافه إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه الإضافة تقتضي التشريف والتكريم،
** وأخبر أن الصيام فيه من أفضل الأعمال فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ».
** وفي كتاب: (شرح السيوطي) لسنن النسائي،(3/ 206):
** قال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي: ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله، والشهور كلها لله؟
** يحتمل أن يقال: إنه لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال، وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص.
** ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم الا شهر الله المحرم. اهـ.
** وقال السيوطي في كتابه:[الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج] – (3 / 251):
** أقول: سئلت: لم خص المحرم بقولهم: شهر الله دون سائر الشهور، مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان؟
** ووجدت ما يجاب به: أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية.
** وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم، فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار
** وهذه الفائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة.
** قال القرطبي: إنما كان صوم المحرم أفضل الصيام من أجل أنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها بالصوم الذي هو أفضل الأعمال…الخ).
** وفي (شرح النووي على صحيح مسلم)، (4 / 185):
** قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم) تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ،
** وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحْرِم، وَذَكَرنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ:
** أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِر حَيَاته، أي قبل التمكن من صومه)
** وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار، مَنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
اهـ
** وأعظم يوم في هذا الشهر العظيم هو يوم عاشوراء الذي خصه الله بمزيد فضل وعظيم أجر، ونصر فيه أولياءه المؤمنين، وهزم أعداءه الكافرين.
** وسنتكلم على هذا اليوم العظيم في هذه النقاط التالية:
(1) فضله:
** إن لهذا اليوم فضلا عظيما وأجرا كبيرا، ومما يدل على فضله:
(أ) –أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراه غاية التحري لما له من المكانة، ففي صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ.
** فقوله: (يتحرى) من التحري، وهو المبالغة في طلب الشيء،
(ب) – أنه كان يرغب الصحابة الكرام في صيامه ترغيبا حثيثا، ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده)
** قوله: (يحثنا عليه) أي يحضنا
** وقوله: (ويتعاهدنا عنده) أي يراعي حالنا عند عاشر المحرم هل صمنا فيه أو لم نصم ]
(ج) -أنه كان يخبرهم أن صيامه سبب في تكفير سنة ماضية ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادةَ رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبيَّ عن صيام يومِ عاشورا فقال: ((أحتسبُ على اللهِ أن يكفرَ السنةَ التي قبله))،
** وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يومٍ واحد تكفيرَ ذنوبِ سنةٍ كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
** (فائدة):
** قال الحافظ ابن حجر في كتابه: (فتح الباري)- (6 / 286):
**… وَظَاهِره أَنَّ صِيَام يَوْم عَرَفَة أَفْضَل مِنْ صِيَام يَوْم عَاشُورَاء،
** وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ: إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاء مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَيَوْمَ عَرَفَة مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ. اهـ
** وفي كتاب: (حاشية الجمل (8 / 317) لسليمان بن عمر، المعروف بالجمل (المتوفى: 1204هـ):
** إنَّمَا كَانَ عَرَفَةُ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ، وَالثَّانِيَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فَكَانَ يَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ. اهـ.
** وتكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر،
** أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة.
** قال النووي رحمه الله في: (المجموع شرح المهذب)، (6/ 382):
** يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ: يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ،…
** ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ… كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ.
** فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ.
** وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ. اهـ
** وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: (الفتاوى الكبرى)، (5/ 342):
** وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط، وكذا الحج، … الخ).
(2) الحكمة من صيام هذا اليوم: شكر الله جل وعلا:
** جاء في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: ((فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ))، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
** وجاء في سنن ابن ماجه بلفظ: ((فصامه موسى شكرا)).
** قوله: (يوم صالح) أي وقع فيه خير وصلاح.
** قوله: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) أي أولى بالفرح والابتهاج بنجاته مِنْكُمْ.
** قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه:(شرح رياض الصالحين)- (1 / 1443):
** فقال: (نحن أولى بموسى منكم)، لماذا؟
** لأن النبي والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين أمنوا والله ولي المؤمنين}
** فرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بموسى من اليهود؛ لأن اليهود كفروا به، وكفروا بعيسى، وكفروا بمحمد. اهـ المراد
(3) حُكْمُ صيام يوم عاشورا:
** اتفق العلماءُ على أن صيامَه من مستحب وليس من بواجب.
** عَنْ عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
** قال ابن عبد البر في كتابه: (الاستذكار)، (3/ 327):
** لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ صِيَامُهُ. اهـ
** وفي: (شرح النووي على مسلم) (8/ 4):
** (اتَّفَقَ العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
** وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ شُرِعَ صَوْمُهُ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ… الخ) اهـ المراد
(4) استحباب صوم يوم التاسع قبله مخالفة لليهود.
** عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ مُسلم
(5) مراتبُ صيامِهِ:
** قال ابن القيمِ في كتابه: (زاد المعاد) (2/ 72):
** فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ:
** أَكْمَلُهَا أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ،
** وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ،
** وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ.
** وَأَمَّا إِفْرَادُ التَّاسِعِ فَمِنْ نَقْصِ فَهْمِ الْآثَارِ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ
** وفي: (فتح الباري) لابن حجر – (6 / 280):
(… وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم ” لَئِنْ عِشْت إِلَى قَابِل لَأَصُومَن التَّاسِعَ ” يَحْتَمِل أَمْرَيْنِ:
** أَحَدهمَا: أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ،
** وَالثَّانِي: أَرَادَ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَيْهِ فِي الصَّوْم،
** فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَيَانِ ذَلِكَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ،
** وَعَلَى هَذَا فَصِيَام عَاشُورَاء عَلَى ثَلَاث مَرَاتِب:
** أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَام التَّاسِعُ مَعَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِي عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ
** (مسألة: حكم إفراد عاشوراء بالصيام):
** هل يجوز صيام اليوم العاشر فقط؟
** قال شيخ الإسلام في: (الفتاوى الكبرى)، (5/ 378):
** وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ المراد
** وفي: (فتاوى اللجنة الدائمة) – 1 (10/ 401):
** السؤال الثاني من الفتوى رقم (13700)
** س2: هل يجوز صيام عاشورا يوما واحدا فقط؟
** ج2: يجوز صيام يوم عاشوراء يوما واحدا فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر).
** وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ
** (مسألة أخرى: حكم إفراد عاشوراء بالصيام إذا وافق يوم سبت أو يوم جمعة):
** في: (فتاوى اللجنة الدائمة) – 2 (9/ 313)
** س1: أنا شاب كنت مواظبا على صيام داود عليه السلام،
** لكن وجد من يقول لي: إذا وافق صومك يوم السبت أو يوم الجمعة فلا تفردهما بالصيام، وهذا قول الشيخ الألباني حفظه الله، كما قالوا،
** وبقيت أصوم وأنا في حالة اضطراب،
** فأرجو إفادتي بحكم إفراد يوم السبت ويوم الجمعة بالصوم إذا كان في صيام داود أو وافق يوم عرفة أو عاشوراء؟
** ج1: من صام صيام داود عليه السلام فلا حرج عليه في صيام يوم الجمعة أو يوم السبت إذا وافق ذلك صيامه الذي يصومه،
** وكذلك لا مانع من صيامهما إذا وافق ذلك يوم عرفة أو يوم عاشوراء،
** مع العلم بأن الحديث الخاص بالنهي عن صوم يوم السبت إلا فيما افترض علينا غير صحيح. اهـ
(6) لا يجوز تخصيص يوم عاشوراء بعبادة غير الصيام.
** وفي كتاب: (الفتاوى الكبرى)، لشيخ الإسلام (1/ 194):
15 – 15 – مَسْأَلَةٌ:
** وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وعزوا ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ:
فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا؟
** وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ.
** هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ، أَمْ لَا؟
** الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
** لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ.
** وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا، لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ، وَلَا فِي السُّنَنِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ،
** وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ.
** وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
** وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ،
** وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ، وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ، وَرَدَّ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ، وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ، وَفِدَاءَ الذَّبِيحِ بِالْكَبْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
** وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ}.
** وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ،… الخ).
اهـ المراد
** وفي كتاب: (الموضوعات)، لابن الجوزي (2/ 199):
** بَاب فِي ذكر عَاشُورَاءَ:
** قَدْ تمذهب قوم من الْجُهَّال بِمذهب أَهْل السّنة، فقصدوا غيظ الرافضة، فوضعوا أَحَادِيث فِي فضل عَاشُورَاءَ، وَنحن برَاء من الْفَرِيقَيْنِ.
** وَقَدْ صَحَّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بِصَوْم عَاشُورَاءَ، إِذْ قَالَ: إِنَّهُ كَفَّارَة سنة، فَلم يقنعوا بِذَلِكَ حَتَّى أطالوا وأعرضوا وترقوا فِي الْكَذِب.
** فَمن الْأَحَادِيث الَّتِي وضعُوا: … الخ). اهـ
((والخلاصة)):
** أنه ينبغي لنا أن نفرح بهذا الخير العظيم والأجر العميم الذي يسر الله به، وأن نحث عليه أبنائنا وأزواجنا وإخواننا وجيراننا وغيرهم من المسلمين، فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
** ونحن – والله وبالله وتالله – لا نستغني عن الحسنة الواحدة، فذنوبنا كثيرة جدا لا يحصيها إلا الله، كما قال الله في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «… يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، …).
** فلنسارع ولنسابق إلى هذه الحسنات والأعمال الصالحات التي ترفع درجاتنا وتكفر عنا سيئاتنا.
** قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
** وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
** ولنكن – في حب الخير والمسابقة إليه والحث عليه – مقتدين بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، والتابعين لهم بإحسان.
** عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ، الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ”
متفق عليه
** والله الموفق.
** كتبها: أبوعبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 7 / 1 / 1438 هـ