سلسلة الفوائد اليومية:
183- فضل الصدق والحث على التخلق به
** قَالَ اللَّهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
** عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا،
وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»
متفق عليه
** وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ»
[رواه الترمذي وغيره, وصححه الشيخان]
** والصدق شأنه عظيم، ونفعه عميم، وأجرٌه جسيم، فهو من النعم الكبرى، والمنح العظمى، إذ هو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين.
** وفي كتاب: (أدب الدنيا والدين)، للماوردي (ص: 262):
** وَإِذَا كَانَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ دَوَاعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا سَنَحَ بِهِ الْخَاطِرُ مِنْ دَوَاعِيهِمَا.
** أَمَّا دَوَاعِي الصِّدْقِ فَمِنْهَا: الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِقُبْحِ الْكَذِبِ، لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَجْلِبْ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ ضَرَرًا.
وَالْعَقْلُ يَدْعُو إلَى فِعْلِ مَا كَانَ مُسْتَحْسَنًا، وَيَمْنَعُ مِنْ إتْيَانِ مَا كَانَ مُسْتَقْبَحًا.
** وَمِنْهَا: الدِّينُ الْوَارِدُ بِاتِّبَاعِ الصِّدْقِ وَحَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ بِإِرْخَاصِ مَا حَظَرَهُ الْعَقْلُ، بَلْ قَدْ جَاءَ الشَّرْعُ زَائِدًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْلُ مِنْ حَظْرِ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِحَظْرِ الْكَذِبِ وَإِنْ جَرَّ نَفْعًا أَوْ دَفَعَ ضَرَرًا.
وَالْعَقْلُ إنَّمَا حَظْرَ مَا لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ ضَرَرًا.
** وَمِنْهَا: الْمُرُوءَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْكَذِبِ بَاعِثَةٌ عَلَى الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْنَعُ مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَكْرَهًا، فَأَوْلَى مَنْ فَعَلَ مَا كَانَ مُسْتَقْبَحًا.
** وَمِنْهَا: حُبُّ الثَّنَاءِ وَالِاشْتِهَارِ بِالصِّدْقِ حَتَّى لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلٌ وَلَا يَلْحَقُهُ نَدَمٌ.
** وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لِيَكُنْ مَرْجِعُك إلَى الْحَقِّ وَمَنْزَعُكَ إلَى الصِّدْقِ، فَالْحَقُّ أَقْوَى مُعِينٍ، وَالصِّدْقُ أَفْضَلُ قَرِينٍ.
** وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
عَوِّدْ لِسَانَك قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ *
إنَّ اللِّسَانَ لِمَا عَوَّدْتَ مُعْتَادُ
مُوَكَّلٌ بِتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ *
فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَانْظُرْ كَيْفَ تَرْتَادُ.
** قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم (مدارج السالكين),
(2/ 257):
** فَصْلٌ: مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ.
** وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}, مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ:
** وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ،
** وَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ الَّذِي مَنْ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمُنْقَطِعِينَ الْهَالِكِينَ.
** وَبِهِ تَمَيَّزَ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَسُكَّانُ الْجِنَانِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ.
** وَهُوَ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ الَّذِي مَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ.
** وَلَا وَاجَهَ بَاطِلًا إِلَّا أَرْدَاهُ وَصَرَعَهُ.
** مَنْ صَالَ بِهِ لَمْ تُرَدَّ صَوْلَتُهُ.
** وَمَنْ نَطَقَ بِهِ عَلَتْ عَلَى الْخُصُومِ كَلِمَتُهُ.
** فَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ، وَمَحَكُّ الْأَحْوَالِ، وَالْحَامِلُ عَلَى اقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ،
** وَالْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ الْوَاصِلُونَ إِلَى حَضْرَةِ ذِي الْجَلَالِ.
** وَهُوَ أَسَاسُ بِنَاءِ الدِّينِ،
** وَعَمُودُ فُسْطَاطِ الْيَقِينِ.
** وَدَرَجَتُهُ تَالِيَةٌ لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَالِمِينَ.
** وَمِنْ مَسَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ تُجْرَى الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ إِلَى مَسَاكِنِ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا كَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَدَدٌ مُتَّصِلٌ وَمَعِينٌ. … الخ). اهـ
** وفي كتاب (شعب الإيمان), للبيهقي (6/ 518):
4564 – أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدُ، نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٍ، قَالَ: “قَالَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ: إِنَّمَا يَكْذِبُ الْإِنْسَانُ لِيَصدُقْ، فَلْيَصدُقْ وَلْيَسْتَرِحْ”.
4565 – أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْمُقْرِئَ الطِّرَازِيَّ، يَقُولُ: أَنْشَدَنَا الْوَزِيرُ أَبُو مُزَاحِمٍ الْخَاقَاتِيُّ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَاقَانَ لِنَفْسِهِ: [البحر الرجز]
الصِّدْقُ حُلْوٌ وَهُوَ الْمُرُّ *
وَالصِّدْقُ لَا يَتْرُكُهُ الْحُرُّ
جَوْهَرَةُ الصِّدْقِ لَهَا زِينَةٌ *
يَحْسُدُهَا الْيَاقُوتُ وَالدُّرُّ. اهـ
** وقال آخر:
عَلَيْكَ بِالصِّدِقِ وَلَوْ أَنَّهُ *
أَحْرَقَكَ الصِّدْقُ بِنَارِ الوَعِيدْ
وَاطْلُبْ رِضَى المَوْلَى فَأشقى الوَرَى*
مَنْ أَسْخَطَ المَوْلَى وَأَرْضَى العَبِيدْ
** من المراجع:
** كتاب: (أحسن ما سمعت), لأبي منصور الثعالبي (ص: 87)
** وكتاب: (قصائد من عيون الشعر) (ص: 41)
** وكتاب: (موارد الظمآن لدروس الزمان), لعبد العزيز السلمان
(1/ 372)
** والله الموفق.
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الخميس 12 / 10 / 1441 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
انقر هنا: https://binthabt.al3ilm.net/11613
==============