سلسة الفوائد النحوية:
069 جميع لغات العرب حجة على اختلافها, وذكر بعض وجوه الاختلاف بينها
(**) كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عما في النفس.
(**) قال ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها), (ص: 28):
(**) (باب القول فِي أفصح العرب):
(**) أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمد مولى بني هاشم بِقَزْوين، قال: حدثنا أبو الحسين محمدُ بن عباس الخشكي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي عُبَيد الله قال:
(**) أجمَعَ علماؤنا بكلام العرب، والرُّواةُ لأشعارهم، والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومَحالّهم أن قُرَيشاً أفصحُ العرب ألْسنةً وأصْفاهم لغةً.
(**) وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبيَّ الرحمة محمداً -صلى الله عَلَيْهِ وسلم- فجعل قُريشاً قُطَّان حَرَمِه، وجيران بيته الحرام، ووُلاتَهُ. فكانت وُفود العرب من حُجاجها وغيرهم يَفِدون إِلَى مكة للحج، ويتحاكمون إِلَى قريش فِي أُمورهم.
(**) وَكَانَتْ قريش تعلمهم مَناسكَهم وتحكُمُ بَيْنَهم.
(**) ولن تزل العرب تَعرِف لقريش فضلها عليهم وتسمّيها أهل الله لأنهم الصَّريح من ولد إسماعيل عَلَيْهِ السلام، لَمْ تَشُبْهم شائبة، وَلَمْ تنقُلْهم عن مناسبهم ناقِلَة، فضيلةً من الله -جلّ ثناؤه- لهم وتشريفاً. إذ جعلهم رَهط نبيّه الأذْنَيْنَ، وعِتْرته الصالحين.
(**) وَكَانَتْ قريش، مع فصاحتها وحُسن لغاتها ورِقَّة ألسنتها، إِذَا أتتهُم الوُفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لغاتهم وأصفى كلامهم. فاجتمع مَا تخيّروا من تِلْكَ اللغات إِلَى نَحائرهم وسَلائقهم الَّتِي طُبعوا عَلَيْهَا. فصاروا بذلك أفصح العرب. اهـ
(**) وعلماء العربية لم يأخذوا عن جميع القبائل العربية، وإنما أخذوا عن القبائل التي سَلِمَ أهلها من الاختلاط بالأعاجم، وانحصرت هذه القبائل في ستّ وهي: قيس، وتميم، وأسد، وهذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين.
(**) وجميع هذه اللغات حجة على اختلافها، و يقاس عليها, ويستعمل الأقوى والشائع منها.
(**) وقد اختلفت لغات هذه القبائل وتعدَّدت أوجه الاختلاف بينها.
(**) فمنها: أن يكون الاختلاف في الحركات, وذلك نحو: “نَستعين” و “نِستعين” بفتح النون وكسرها.
(**) قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الحركة و السكون, وذلك نحو: “معَكم” و “معْكم”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في إبدال الحروف, وذلك نحو: “أولئك” و “أُولالِكَ”. ومنها قولهم: “أنّ زيداً” و “عَنّ زيداً”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الهمز و التليين, وذلك نحو: “مستهزؤن” و “مستهزُوْن” .
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في التقديم و التأخير, وذلك نحو: “صاعقة” في لغة الحجاز, و”صاقعة” في لغة تميم.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الحذف و الإثبات, وذلك نحو: “استحْيت” و”استحيَيْت”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الحرف الصحيح يُبْدَل حرفاً معتلاً , وذلك نحو: “أما زيد” و “أَيْما زيد”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الإمالة والتفخيم, في مثل: “قضى ورمى” فبعضهم يفخم وبعضهم يُميل.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول، و منهم من يضمّ، وذلك نحو: “اشتَرَوُ الضلالة” و
“اشتَرَوِ الضلالة”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في التذكير و التأنيث , وذلك نحو: “هَذِهِ البقر” و “هَذَه النخيل”, ومنهم من يقول “هَذَا البقر” و “هَذَا النخيل”
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الإدغام , وذلك نحو: “مهتدون” و”مُهَدُّون”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الإعراب, وذلك نحو: “مَا زيدٌ قائماً” و “مَا زيدٌ قائم” و “إنّ هذين” و “إنّ هذان” وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في صورة الجمع, فبعضهم يجمع لفظ: (أسير) على (أسرى)، وبعضهم يجمعه على (أُسارى).
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في التحقيق و الاختلاس, وذلك نحو:
“يأمركم” بضم الراء وتسكينها ونحو “عفي له” بتسكين الفاء وكسرها.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث, وذلك نحو: “شجرة”, فبعضهم يقف عليها بالهاء فيقول: “شجره”, فبعضهم يقف عليها بالتاء المفتوحة فيقول: “شجرت”.
(**) ومنها: أن يكون الاختلاف في زيادة حرف المدّ, وذلك نحو: (أَنْظُرُ) (أَنْظُورُ)، وفي (يَنْبعُ) (يَنباعُ).
(**) ومن اختلاف اللغات ما هو اختلاف تضادٍّ, وذلك نحو: “شرى” بمعنى “اشترى” وبمعنى “باع”, و(لمقت الشيء, ألمقه, لمقًا) إذا كتبته في لغة بني عقيل، وسائر قيس يقولون: (لمقته) بمعنى محوته”.
(**) وقد يكون في الكلمة لغتان، أو ثلاث، أو أربع، أو خمس، أو ست، و لا يكون أكثر من ذلك.
(**) قال ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها), (ص: 39):
(**) باب انتهاء الخلاف فِي اللغات:
(**) تقع فِي الكلمة الواحدة لُغتان. كقولهم: “الصِّرام”, و”الصَّرام”, و”الحِصاد”, و”الحَصاد”.
(**) وتقع فِي الكلمات ثلاث لُغات. نحو: “الزُّجاج” و”الزِّجاج” و”الزَّجاج”, و”وَشكان ذا”, و”وُشكان ذا”, و”وِشكان ذا”.
(**) وتقع فِي الكلمة أربع لُغات. نحو: “الصِّداق” و”الصَّداق” و”الصَّدقة” و”الصُّدْقة”.
(**) وتكون منها خمس لُغات. نحو: “الشَّمال” والشَّمِل” و”الشَّمَل” و”الشَّأمَل” و”الشَّمْل”.
(**) وتكون فِيهَا ست لُغات: “قُسْطاس” و”قِسْطاس” و”قُصْطاس” و”قُسْتاس” و”قُسَّاط” و”قِسَّاط”.
(**) ولا يكون أكثر من هَذَا. اهـ
(**) و(وشكان) بمعنى: سرع.
(**) و(القُسْطاس): الميزان.
(**) ومن أثر اختلاف اللهجات العربية وجود الترادف في اللغة العربية مثل القمح والحنطة والبُر.
(**) فـ(القمح) لغة شامية، و(الحنطة) لغة كوفية، و(البر) لغة حجازية”.
(**) ومثل مجيء أسماء متعددة لكل من: (السيف, والأسد, والفرس, والبعير), وغيرها.
(**) من المراجع:
(**) كتاب (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها), (ص: 39)
لأبي الحسين أحمد بن فارس القزويني الرازي، (المتوفى: 395هـ)
(**) كتاب (المزهر في علوم اللغة وأنواعها), (1/ 205)
لجلال الدين السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، (المتوفى: 911هـ)
(**) كتاب (أصول النحو), 1 – جامعة المدينة (ص: 99)
(**) كتاب (النحو إلى أصول النحو), (ص: 4)
(**) كتاب (في تاريخ الأدب الجاهلي), (ص: 100)
لعلي الجندي
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الأربعاء 21 / 6 / 1442 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/13422