سلسلة الفوائد اليومية:
218- سنية النظر إلى المخطوبة – ولو بغير علمها -, وذكر شروط ذلك
(**) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» رواه مسلم
() وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ ”
() قَالَ: ” فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَكُنْتُ أَخْتَبِئُ لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا ”
[رواه أحمد وغيره, وحسنه الألباني]
و(الكَرَب)- بفتحتين-: أصول السَّعَف الغِلاظ العِراض.
() قال النووي في شرحه على مسلم (9/ 210):
() قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَزَوِّجِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ: (أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شيئا).
() هكذا الرواية شيئا بالهمز وَهُوَ وَاحِدُ الْأَشْيَاءِ
() قِيلَ الْمُرَادُ: صِغَرٌ, وَقِيلَ: زُرْقَةٌ,
() وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِجَوَازِ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا لِلنَّصِيحَةِ,
() وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا, وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
() وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ قَوْمٍ كَرَاهَتَهُ, وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ, وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا.
() ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ النظر إلى وجهها وكفيها فقط؛ لأنهما ليسا بعورة؛
() ولأنه يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ أَوْ ضِدِّهِ, وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ أَوْ عَدَمِهَا, هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ.
() وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَنْظُرُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ, وَقَالَ دَاوُدُ: يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا, وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِأُصُولِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
() ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّظَرِ رِضَاهَا, بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ,
() لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ نَظَرَهُ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ,
() وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا ينظر إليها إلا بإذنها, وهذا ضعيف؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطِ اسْتِئْذَانَهَا؛
() ولأنها تستحي غَالِبًا مِنَ الْإِذْنِ؛
() وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا, فربما رآها فَلَمْ تُعْجِبْهُ فَيَتْرُكَهَا فَتَنْكَسِرَ وَتَتَأَذَّى,
() وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ حَتَّى إِنْ كَرِهَهَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ بِخِلَافِ, مَا إِذَا تَرَكَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(**) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ النَّظَرُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ امْرَأَةً يَثِقُ بِهَا تَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتُخْبِرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ
() قال ابن حجر في (فتح الباري), (9/ 181):
() قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: (شَيْئًا).
() فَقِيلَ: عَمَشٌ، وَقِيلَ: صِغَرٌ.
() قُلْتُ: الثَّانِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ، فَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ. اهـ
() وقال الصنعاني في (سبل السلام), (2/ 165):
() ( … وَيَثْبُتُ مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَنْظُرُ إلَى خَاطِبِهَا فَإِنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا كَذَا قِيلَ: وَلَمْ يَرِدْ بِهِ حَدِيثٌ. اهـ
() وقال العثيمين في (الشرح الممتع على زاد المستقنع), (12/22):
() فشروط جواز النظر إلى المرأة ستة:
() الأول: أن يكون بلا خلوة.
() الثاني: أن يكون بلا شهوة، فإن نظر لشهوة فإنه يحرم؛ لأن المقصود بالنظر الاستعلام لا الاستمتاع.
() الثالث: أن يغلب على ظنه الإجابة.
() الرابع: أن ينظر إلى ما يظهر غالباً.
() الخامس: أن يكون عازماً على الخطبة، أي: أن يكون نظره نتيجة لعزمه على أن يتقدم لهؤلاء بخطبة ابنتهم، أما إذا كان يريد أن يجول في النساء، فهذا لا يجوز.
() السادس: ـ ويخاطب به المرأة ـ ألا تظهر متبرجة أو متطيبة، مكتحلة أو ما أشبه ذلك من التجميل؛ لأنه ليس المقصود أن يرغب الإنسان في جماعها حتى يقال: إنها تظهر متبرجة، فإن هذا تفعله المرأة مع زوجها حتى تدعوه إلى الجماع،
() ولأن في هذا فتنة، والأصل أنه حرام؛ لأنها أجنبية منه،
() ثم في ظهورها هكذا مفسدة عليها؛ لأنه إن تزوجها ووجدها على غير البهاء الذي كان عهده رغب عنها، وتغيرت نظرته إليها، لا سيما وأن الشيطان يبهي من لا تحل للإنسان أكثر مما يبهي زوجته،
() ولهذا تجد بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ عنده امرأة من أجمل النساء، ثم ينظر إلى امرأة قبيحة شوهاء؛ لأن الشيطان يبهيها بعينه حيث إنها لا تحل له،
() فإذا اجتمع أن الشيطان يبهيها، وهي ـ أيضاً ـ تتبهى وتزيد من جمالها، وتحسينها، ثم بعد الزواج يجدها على غير ما تصورها، فسوف يكون هناك عاقبة سيئة.
() فإن قيل: كيف يغلب على ظنه الإجابة؟
() الجواب:
() الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل الناس طبقات، كما قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}،
() فلو تقدم أحد الكنَّاسين إلى بنت وزير، فالغالب عدم إجابته،
(**) وكذلك إنسان كبير السن زمِن، أصم، يتقدم إلى بنت شابة جميلة، فهذا يغلب على ظنه عدم الإجابة.
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الأربعاء 17 / 2 / 1442 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
انقر هنا: https://binthabt.al3ilm.net/11613
==============