071 ذكر أسماء القبائل التي أخذ عنها العربية والتي لم يؤخذ عنها، وبيان سبب ذلك (فوائد نحوية)
سلسة الفوائد النحوية:
071 ذكر أسماء القبائل التي أخذ عنها العربية والتي لم يؤخذ عنها، وبيان سبب ذلك
(**) كلام العرب هو المصدر الثالث من مصادر السماع بعد القرآن الكريم والحديث الشريف عند من أجاز الاحتجاج به.
(**) وكلام العرب الذي يُحتج به هو: (كل نظم أو نثر ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم قبل أن تفسد الألسنة) فليس كل كلام عربي يصحُّ الاحتجاج به،
(**) وإنما وضع العلماء ضوابط مكانيَّة وزمانية لما يجوز الاحتجاج به من كلام العربي، وما لا يجوز؛
(**) فقسموا قبائل العرب من حيث الاحتجاج بكلامها، وعدم الاحتجاج قسمين:
(**) الأول: القبائل التي لم يُؤخذ عنها ولم يُحتجّ بكلامها، وهي:
(**) (لخم, وجذام)؛ لمجاورتهم أهل مصر والقبط، وقضاعة وغسان وإياد؛ فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، أي: حيث يسكن الروم، فاختلطت ألسنتهم، وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية،
(**) و(تغلب والنمر)؛ فإنهم كانوا مجاورين لليونانية،
(**) و(بكر)؛ لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس،
(**) و(عبد القيس)؛ لأنهم كانوا سكّان البحرين مخالطين للهند والفرس،
(**) و(أزد عمان)؛ لأنهم كانوا أيضًا مجاورين للهند والفرس،
(**) و(اليمن) لمخالطتهم للهند والحبشة،
(**) و(بنو حنيفة، وسكان اليمامة، وثقيف والطائف)؛ لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، وحاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم.
(**) فهذه القبائل لا يجوز الاحتجاج بكلامها لأنها قبائل لم تتوغَّل في البداوة، بل كانت تسكن أطراف البلاد المجاورة لغير العرب؛ فلم تسلم لغاتها من التأثر بغير العربية، إذ دخل هذه اللغات ما يُؤثّر في فصاحتها لفظًا بمخالفة القياس وتركيبًا بوقوع اللحن.
(**) وكما لم يُؤخذ عن هذه القبائل لم يُؤخذ كذلك عن حضري قط؛ لأن الحاضرة محلّ اجتماع الناس من كل جانب واختلاط اللغات واختلال الألسنة،
(**) وقد أفرد ابن جني في (الخصائص) بابًا في ترك الأخذ عن أهل المضر -أي: أهل المدن والقرى- بيَّن فيه علة امتناع الأخذ عنهم، وهي ما عرض للغات الحاضرة وأهل المضر من الاختلال والفساد والخطل.
(**) وفي ضوء ما ذكره ابن جني والسيوطي نقلًا عن الفارابي يمكن أن نقول: إن المعيار الذي وضعه العلماء لقبول لغة قبيلة ما هو سلامة لغة هذه القبيلة من الاختلاط بغير العرب؛ لأن الاختلاط بغير العرب من الأعاجم يؤدِّي إلى فساد اللغة وانحراف الألسنة عن الصواب، والألسنة تتأثر بما حولها فيلحقها اللحن، ويتسرب إليها الخطأ.
(**) الثاني: القبائل التي يُحتج بكلامها، وهي:
(**) (قيس، وتميم، وأسد، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين)؛
(**) فهؤلاء هم الذين عنهم نُقلت اللغة العربية، وبهم اقتضي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب،
(**) والذي يجمع من بين هذه القبائل هو توغُّلها في البداوة، وبُعدها عن الاختلاط بغيرها من الأمم، واتصالها بالأعاجم، كما يجمع بينها قُربها من قريش؛ لأن قريشًا -كما علمنا- أفصح العرب، وأجودهم انتقادًا للأفصح من الألفاظ.
(**) وقد ذهب ابن خلدون إلى أن مقياس الفصاحة هو القرب أو البعد من (قريش) فقال في مقدمته: “كانت لغة (قريش) أفصح اللغات العربية وأصلحها؛ لبعدها عن بلاد العجم من جميع جهاتهم، ثم من اكتنفهم من (ثقيف، وهذيل، وخزاعة، وبني كنانة، وغطفان، وبني سعد، وبني تميم).
(**) وأما من بَعُد عنهم من ربيعة، ولخم، وجذامة، وغسان، وإياد، وقضاعة، وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة؛ فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم، أي: بسبب مخالطة الأعاجم، وعلى نسبة بُعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية” انتهى.
(**) من المراجع:
(**) كتاب (الخصائص) (2/ 7) لأبي الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ)
(**) وكتاب (تاريخ ابن خلدون), (1/ 765) لعبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبي زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفى: 808هـ)
(**) وكتاب (الاقتراح في أصول النحو) ط القلم (ص: 91) لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
(**) وكتاب (المزهر في علوم اللغة وأنواعها) (1/ 167) لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
(**) وكتاب (أصول النحو 1 )- جامعة المدينة (ص: 83)
(**) وكتاب (النحو إلى أصول النحو) (ص: 4) لعبد الله بن سليمان العُتَيِّق
(**) وكتاب (من تاريخ النحو العربي) (ص: 20) لسعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني (المتوفى: 1417هـ)
(**) وكتاب (بحوث في اللغة), (ص: 64) لـ (اتحاد كتاب العرب)
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الأربعاء 5 / 7 / 1442 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
https://binthabt.al3ilm.net/13422